تُوضّح نظرية ماركس ذات البُعد التاريخي والتي تُسمّى أحياناً بالمادية التاريخية أنَّ المجتمع الإنساني يتطوّر من مرحلة إلى أُخرى بفعل تطوّر قوى الإنتاج.
المفاهيم التي استخدمها كارل ماركس في نظريته
- قوى الإنتاج.
- الطبقة الاجتماعية.
- البنية التحتية.
- البنية الفوقية.
- الاستغلال.
- الاغتراب.
وانشغل كارل ماركس في تحليل عملية انتقال المجتمع الأوروبي الغربي من مرحلة الإقطاع إلى مرحلة الرأسمالية الحديثة. ولم يقم بتحليل خصائص لمرحلة الإقطاع لكنّه قام بتقديم تحليلات مُفصّلة للمرحلة الرأسمالية الحديثة فوضَّح العوامل التي أدّت إليها كما وضَّح خصائصها البنائية بالتفصيل، وقدم تنبُّؤات حول مستقبلها.
المراحل التي مر بها المجتمع حسب نظرية كارل ماركس
١- المرحلة المشاعية: تتميّز هذه المرحلة بعدم امتلاك الإنسان لِقُوى إنتاجيّة ملحوظة، إذ كان يعتمد فيها على الجمع والالتقاط لإشباع حاجاته وضمان بقائهِ على قيد الحياة. ولم يعرف الإنسان المُلكيّة في هذه المرحلة وبالتالي لم يعرف التّمييز الطبقي، إذ كان الجميع متساوين قريبين للطبيعة، يُشبِعون حاجاتهم البيولوجية مباشرة من أنهارها وأشجارها وحيواناتها وطيورها.
وتُمثّل هذه المرحلة بالنسبة لماركس مرحلة سعادة الإنسان الذي لم يعرف فيها الاغتراب أو الانفصال عن مكان عملهِ أو عدم القدرة على امتلاك القرار، فالاستغلال لم يكن قد وُجِد، والحضارة لم تكن قد تراكمت، حيث تُبعد الإنسان عن الالتصاق المباشر بالبيئة الطبيعية.
٢- مرحلة المجتمع البدائي: تطوّرت قوى الإنتاج وبخاصة أدوات ووسائل الإنتاج في هذه المرحلة عن المرحلة التي سبقتها بحيث مَكّنت الإنسان من إنتاج فائض غذائي وبخاصّة في المجتمعات الزراعيّة القديمة التي نشأت في أحواض الأنهار مثل حوض نهر النيل وحوض دجلة والفرات.
كما وفّرت طبقة العبيد (التي وُجِدَت في هذه المرحلة) الأيدي العاملة لإنتاج هذا الفائض، وشنّ الحروب المتبادلة وبناء صروح حضارية لا يزال بعضها موجود حتى الآن وهي من مُخلفات اليونان القدماء والرومان والفراعنة.
ومن الواضح أنّ الملكية الفردية التي ظهرت في هذه المرحلة قسمت المجتمع إلى طبقتين: طبقة الأحرار الذين يملكون الفائض الإنتاجي ويحكمون المجتمع، وطبقة العبيد الذين لا يملكون سوى قوت يومهم وليس لهم دورٌ في حُكم المجتمع.
وقد أدّت التّغيُّرات المُستمرة في وسائل وأدوات الإنتاج إلى انتقال المجتمع إلى مرحلة جديدة أكثر تطوّراً هي مرحلة الإقطاع.
٣- مرحلة الإقطاع: اعتمد المجتمع في هذه المرحلة في معيشته على الإنتاج الزراعي الكبير اعتماداً كلّياً، ومَكّنت التّطورات في وسائل وأدوات الإنتاج الإنسان من إنتاج المزيد من الفائض الزراعي الذي أصبح كافياً لإطعام أعداد كبيرة من الناس سواءً كانوا المُنتجين المباشرين أي الفلاحين، أو المُتستفيدين من هذا الإنتاج والمُستغلين لهم وهم الإقطاعيون.
وانقسم المجتمع بالتالي إلى طبقتين هما:
- طبقة الإقطاعيين: الذين يملكون الأرض ومن عليها من بشر وحيوانات.
- طبقة الفلاحين: الذين يعملون في الأرض لدى الإقطاعيين ويُنتِجون لهم.
وأصبح كلُّ إقطاعي يستقلُّ بإقطاعيته أو إمارته، وانتشرت الإقطاعيات في أوروبا بعد أن انهارت الإمبراطوريات القديمة، وبخاصّة الإمبراطورية الرومانية نتيجة استنزاف الفائض الإنتاجي في الحروب المُستمرة وفي دعم الأطراف البعيدة عن مركز الإمبراطورية.
وكانت العلاقات بين هذه الإمكانيات المتوافرة والمنافسة علاقة خصومة، وحروب أو تحالف مؤقّت لشَن مزيد من الحروب. وتميّزت هذه المرحلة أيضاً بمعاناة الإنسان من الاستغلال الذي كانت تُمارسه طبقة الإقطاعيين.
وقدّ انهار المجتمع الإقطاعي فيما بعد نتيجة لتطوّرات في وسائل وأدوات الإنتاج في المدينة وليس في القرية بعد أن تمكّنت المدينة من ابتكار وسائل جديدة للحصول على الثّروة وتقوم على المِلاحَة والتّجارة واستثمار البحار. كما تمكّنت الطبقة الوسطى الصاعدة في المُدن والتي ضمّت التُّجار والحِرَفيين والعلماء من استثمارٍ واختراعٍ ماديٍّ جديد وهو البارود لِدَكِ وحصون وقلاع الإقطاعيين الذين هُزِموا شرّ هزيمة، مُحرِّرين في نفس الوقت طبقة الفلاحين من القهر والاستغلال، فانحدر هؤلاء بأعداد كثيفة إلى المُدن ليتحولوا إلى جيش كبير من الفقراء العاطلين عن العمل الذين تعرضوا من جديد لاستغلال الحِرَفيين وأصحاب المشاغل والمصانع.
٤- مرحلة الرأسمالية: بعد انهيار المجتمع الإقطاعي بدأ عصر جديد يقوم على التصنيع لإنتاج السلع والخدمات، وأسلحة الحروب، وقدّ مكّن التصنيع بعض المجتمعات التي اعتمدها على نطاق واسع مثل المجتمعات الأوروبية الغربيّة من تحقيق وفرَة غذائية حقّقت رغد العيش لسكانها، كما تمكّنت من تطوير أسلحة فتّاكة حديثة لقهر خصومها وأعدائها، أمّا المجتمعات الأُخرى التي تعتمد التصنيع والتي بقيت معتَمِدة على أنماط إنتاجيّة قديمة وبخاصّة الرّعوية والزّراعية ومنها فقد بقيت على حالها تعاني من مشقّة العيش وضعف القدرات القتالية. فانقسم العالم نتيجة لذلك إلى مجموعتين واسعتين من الدول وهي: الدول الصناعية المتقدّمة التي تضمّ الدول الأوروبية الغربية ويسودها النظام الرأسمالي ومجموعة الدول المُتخلّفة أو النامية، وهي بقية دول العالم في آسيا وإفريقيا التي شكلت ما يُسمّى بدول الهامش أو المحيط في نظرية النظام العالمي، ويسودها نظام اقتصادي مُختلَط أو تقليدي.
ولا تزال الدول النّامية تعاني من التّخلّف الاقتصادي والاجتماعي حتى الآن بسبب عدم قدرتها على استيعاب وتبني الأنظمة الصناعية الحديثة مع ما يتطلبه ذلك من تغيُّرات في بُنى المجتمع، وبخاصة في القِيَم الاجتماعية وفي أنماط الشخصية السائدة في هذه المجتمعات.
مرّت الرأسمالية نفسها بعدّة مراحل في تطوّرها ابتداءً من القرن الرابع عشر الميلادي وهو بداية الاكتشافات الجغرافية الأوروبية التي أوصلت أوروبا إلى منابع ثروات الشرق في الهند والصين.