كيف تم غزو قبرص في عهد معاوية بن أبي سفيان؟

اقرأ في هذا المقال


غزو قبرص في عهد معاوية بن أبي سفيان:

قام معاوية بن أبي سفيان بإعداد المراكب اللازمة؛ ليقوم بحمل الجيش الذي يريد غزو قبرص، وقام باتخاذ ميناء عكَّا مكاناً للإقلاع، وكانت أعداد المراكب حينها كثيرة، وأخذ معه زوجته فاختة بنت قرظة، كما قام عبادة بن الصامت بحمل زوجته أم حرام بنت ملحان معه في تلك الغزوة.
وأم حرام هي صاحبة القصة المشورة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها الرسول صلَّ الله عليه وسلم يوماً فأطعمته، ثم جلست تفلي من رأسه، فنام رسول الله صلَّ الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك.
فقالت أم حرام: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أُمتي عُرضوا على غُزاة في سبيل الله، يركبون ثبيج هذا البحر ملوكاً على الأسرَّة، أو مثل الملوك على الأسرَّة. وقالت: فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم! فدعا لها ثم وضع رأسه فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس كما قال في المقولة الأولى وأكمل: أنتِ من الأولين.
تربَّى المسلمون على أن كلَّ شيء عند الله خير وأبقى، وان الله تعالى قد اختارهم لكي ينصروا دينه، وأن يقيموا العدل وينشروا الفضيلة، والعمل على إظهار الدين الإسلامي على كل من عاداه، وهم مقتنعون أن هذه المهمة هي الرسالة الحقيقية، وأن الجهاد في سبيل الله تعالى هو طريق لكي يحصوا على رضى الله تعالى، فإن قصروا في مهمتهم وتراخوا عن واجبهم سيمسك الله عنهم نصره في الدنيا، وأنهم لن يحصلوا على رضا الله وهذا خسران مبين.
ومن أجل الحصول على مرضاة الله تعالى خرجوا مسرعين مع معاوية بن أبي سفيان، وتسارعوا على السفن لكي يركبوها، ولعلَّ حديث أم حرام بنت ملحان قد ألمَّ بخواطرهم، ودفعهم للخروج للجهاد في سبيل الله تعالى، وكان ذلك الغزو بعد انتهاء فصل الشتاء في عام 28هـ، وسار المسلمون من الشام وركبوا من ميناء أم حرام لتركب دابتها، فنفرت الدابة وألقت أم حرام أرضاً واندقت عنقها وماتت.
ترك المسلمون أم حرام بعد أن دفنوها في أرض الجزيرة؛ وكان ذلك عنواناً على مدى التضحيات التي قام بتقديمها المسلمين في سبيل نشر الدين الإسلامي، وعُرف قبرها هناك على أنه قبر المرأة الصالحة، وقام معاوية بن أبي سفيان بالجتماع مع أصحابه، وكان فيهم: أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري، وأبو الدرداء، وأبو ذر الغفاري، وعبادة بن الصامت، وواثلة بن الأسقع.
بالإضافة إلى عبد الله بن بشر المازني، وشداد بن أوس بن ثابت، والمقداد بن الأسود، وكعب الحبر بن ماتع، وجبير بن نضير الضرمي، وقاموا بالتشاور، وأرسلوا إلى أهل قبرص وكانوا يخبروهم أنهم لم يقوموا بهذه الغزوة من أجل الاستيلاء على جزيرتهم، وأنما أرادوا أن يقوموا بدعوة أهلها للدخول في الدين الإسلامي، ومن ثم يقوموا بتأمين حدود الدولة الإسلامية في الشام.
وكان ذلك لأن البيزنطيين كانوا يتخذون قبرص محطةً للاستراحة فيها عندما يخرجون للحرب، وكانوا يتمونون منها إذا قل عليهم الزاد، وهي بذلك تكون تهديداً لبلاد الشام التي تقع تحت رحمتها، فإذا لم يقم المسلمون بالاطمئنان على أن تكون هذه الجزيرة مسالمة معهم، وأن تكون خاضعةً لإرادتهم سيكون وجودها شوكةً تقسم ظهورهم، وستكون أيضاً سهماً مصوباً لصدور المسلمين.
ولكنَّ سكان جزيرة قبرص لم يقوموا بفتح بلادهم أمام المسلمين، بل أن قاموا بتحصين أنفسهم في داخل العاصمة، ولم يقوموا بالخروج حتى يواجهوا المسلمين، وكان أهلها ينتظرون تقدم الروم ليدافعوا عنهم وليصدوا هجوم المسلمين عنهم، فتقدم المسلمون المسلمون إلى قسطنطينا وهي عاصمة قبرص وحاصروها، ولم تمضي سوا ساعات حتى طلب أهل قبرص الصلح، وقدموا للمسلمين شروطاً، كما اشترط المسلمون أيضاً، وكان شرط أهل قبرص أن لا يشترط عليهم المسلمون بأي شيء قد يورطهم مع الروم.

شروط المسلمين لأهل قبرص:

  • ألا يقوم المسلمين بالدفاع عن قبرص إذا هاجمها محاربون.
  • أن يقوم أهل الجزيرة بدل المسلمين على أي تحرك للروم.
  • أن يقوم أهل قبرص بالدفع للمسلمين سبعة آلاف ومائتي دينار في كل عام.
  • ألا يقوموا بمساعدة الروم إذا قاوا بغزو المسلمين، ولا يطلعوهم على الأسرار.

وعاد المسلمون إلى بلاد الشام وأثبتت هذه الحملة أن المسلمين قادرين على خوض أي معركة بحرية بجدارة، وقد أعطت الفرصة للمسلمين للتمرن على الدخول في معارك من هذا النوع مع الروم، سواء كان بالهجوم على بلاد الشام أو الإسكندرية.

قيام أهل قبرص بنقض الصلح مع المسلمين:

في عام 32هـ قام الروم بتهديد سكان قبرص، مما جعلهم يمدونهم بالسفن؛ ليقوموا بغزو بلاد المسلمين، وبهذا يكون القبرصيون قد نقضوا صلحهم، وعندما علم معاوية بن أبي سفيان بذلك عزم على الاستيلاء على قبرص ووضعها تحت السلطة الإسلامية، وقد هاجم المسلمون الجزيرة هجوماً عنيفاً، فقاموا بالقتل والأسر والسلب.
وهجم على الجزيرة جيش معاوية بن أبي سفيان على الجزيرة من جانب ومن الجانب الآخر جيش عبد الله بن سعد، فقاموا بقتل الكثير، كما أنهم سبوا سبياً كثيراً وحصدوا غنائم كثيرة، وتحت هذا الضغط اضطر حاكم قبرص أن يقوم بالاستسلام للفاتحين ويلتمس منهم الصلح، فأقرهم الخليفة على الصلح الأول، وخشي أن يتركهم بغير جيش يحميها من غارات الأعداء، ويضبط أمنها حتى لا تتمرد على المسلمين.
فقام معاوية بن أبي سفيان بإرسال اثنا عشرة ألف جندي، كما أنه نقل لهم جماعة من بعلبك، وبنى فيها مدينة وأنشأ فيها مسجداً، وظلَّ الوضع هادئاً في الجزيرة وكانوا آمنون من هجمات الروم المفاجئة، وقد لاحظ المسلمون بأن أهل فبرص لا يمتلكون أي قدرات عسكرية، وأنهم ضعيفون أما من يقوم بالغزو عليهم، وشعروا بأن الروم كانوا يغلبونهم على أمرهم، فرأوا حق حمايتهم من ظلم البيزنطيين.


شارك المقالة: