ظهور الدولة العباسية في عهد سليمان بن عبد الملك:
في الوقت الذي ذهب به رجال بني أمية إلى الشام وأقاموا دولة مترامية الأطراف لهم، ظل المنافسون لهم من بني هاشم يقيمون فيها، وكانوا قد انقسموا؛ بسبب الظروف التي حاطت بهم، والتيارات السياسية التي انتشرت في المجتمع الإسلامي إلى قسمين: قسم ينتمي إلى علي بن أبي طالب، والآخر إلى العباس عن النبي صلَّ الله عليه وسلم.
كان الانقسام بينهم لا تلغي المودة والمحبة بينهم والعداء والبغض المشترك لبنو أمية، وفي أواخر القرن الأول الهجري كان محمد بن علي بن عبد الله بن عباس يرأس بنو العباس وكان يقطن في الحميمة، وكان أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية وهو الذي يطلق عليه لقب المهدي على رأس الشيعة الكيسانية، وكان قد بدأ في الدعوة لنفسه وناصره العديد من الذين بدأوا يروجوا لدعوته.
وفي عام 98هـ توفي أبو هاشم وهو آخر إمام للشيعة الكيسانية ولم يكن له أي عقب من بعده، وقام علي بن عبد الله العباسي بانتهاز الفرصة باعتباره كبير الفرعين ولا يشك أي أحد بنواياه وبماذا يفكر، واستغلها العباسيون واندمجوا في الشيعة الكيسانية، وقد توافدت الكثير من الجموع الشيعية لمبايعة محمد بن علي.
كان أول من قدم من الشيعة لمبايعة محمد بن علي أبو عكرمة السراج، وحيان العَّار، ومحمد بن خنيس، وميسرة العبدي، وقالوا له: أبسط يدك لنبايعك على طلب هذا السلطان، لعلَّ الله أن يحيي بك العدل، ويميت بك الجور، فإن هذا وقت ذلك وأوانه، والذي وجدناه مأثوراً عن علمائكم.
قام محمد بن علي بأمر الدعاة ليركزوا على خراسان، وهو المصر الأكثر تشنجاً، والأكثر حنقاً على الأمويين، وخاصةً بعد أن فرقت النزعة العربية العرب هناك وأقسمتهم لقسمين: قسم مع الأمويون وهم عرب مضر، أما القسم الآخر فكان أعدائهم وقسم من اليمن، ثم قام بتوجيه ميسرة العبدي إلى العراق ومحمد بن خنيس وأبا عكرمة السراج وحيان العطار إلى خراسان، وجعلهم يدعون له ولأهل بيته برفق وستر.
كان الدعاة لدعوة محمد بن علي يترددون إلى الشراة؛ حتى يبحثون عن خطط الدعوة وينقلون للإمام ما وصلت الدعوة إليه من نجاح وانتشار، وفي عهد هشام بن عبد الملك ازدادت الحركة العباسية انتشاراً، وامتدت شبكاتها فوصلت إلى العراق وفارس وتميزت بقوتها الطاغية في خراسان، وفي البداية لم تعلم السلطات بالحركة التي قامت، وبعد اكتشافهم طاردوهم واعتقلوا كل من انتمى إليها.