لماذا يتزايد الاهتمام بأنثروبولوجيا وسائل الإعلام؟

اقرأ في هذا المقال


لماذا يتزايد الاهتمام بأنثروبولوجيا وسائل الإعلام؟

إن موسوعة روتليدج للأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية لعام 1996 بها مدخل لوسائل الإعلام هو مؤشر على الاهتمام المتزايد بموضوع أنثروبولوجيا وسائل الإعلام، إذ كتب فيليب س. سالزمان مقالاً، مبنيًا على تحليل لكونراد كوتاك وسارة ديكي، ويميز فيليب س. سالزمان الأشكال التقليدية من وسائل الإعلام ووسائل الإعلام المطبوعة ووسائل الإعلام الإلكترونية، ويقول أن الاتصال الجماهيري يمكن أن ينظر إليه في الأشكال التقليدية المنتشرة منذ آلاف السنين.

مثل الخطب والمسرحيات وناجعات المدينة والحفلات الموسيقية وفي استخدام الآلات الصاخبة مثل الطبول أو الأبواق، وفي وقت لاحق، أدى تطور الطباعة إلى تحويل الكلمة المكتوبة إلى ملف وسيلة الاتصال الجماهيري، ومع ذلك، فهو يجادل في نهاية القرن العشرين في قراءة الصحف والكتب محدودة بالنظر إلى إجمالي سكان العالم، وهذا الوضع تغير مع الإعلام الإلكتروني حيث يقول، هذه الوسيلة مشفرة من خلال نفس المهارات البشرية في الكلام وحركة الجسم لأنها سمة من سمات الاتصال وجها لوجه.

ويجادل فيليب س. سالزمان بأن البث التلفزيوني مرتفع في نفس الوقت ومتنوع ومتشابه بشكل ملحوظ، فهو متنوع، لأن الإعلام يبث السفر وينتقل عبر ثقافات الحدود، كما يقول إنه مشابه لأنهم يميلون إلى القدوم من البلدان الصناعية إلى البلدان غير الصناعية، ومن المناطق الوسط إلى المناطق الطرفية، وفي نفس العام، نشر فيليب س. سالزمان مقال عولمة الثقافات باراموديرن، وأصبح مهتمًا بالتلفزيون بعد عمله الميداني مع البدو الرحل في إفريقيا، لأنهم كانوا يشاهدون كثيرًا في سفرهم.

والغرض من هذا كله هو الإجابة عن سبب إظهار هذا الاهتمام المتزايد بأنثروبولوجيا وسائل الإعلام، ولتحقيق الهدف، راجع علماء الأنثروبولوجيا ثلاثة تقاليد بحثية جادلوا أنها يمكن أن تساعد في فهم هذا الاهتمام المتزايد، حيث إن تواريخ الأنثروبولوجيا والاتصال الجماهيري مختصرة، ولديهم القواسم المشتركة ونقطة الانطلاق في الحرب العالمية الثانية.

الحجة الأولى هي أن مدرسة الثقافة عن بعد جلبت وسائل الإعلام والأمم إلى الأنثروبولوجيا كأغراض للدراسة، ثانيًا، ظلت الأمم القومية أهم الأنظمة السياسية في القرن العشرين، وشاركت الأنثروبولوجيا في دراستها لما لها من تأثير على الثقافات المحلية، ثالثاً، نشأ انضباط جديد في هذا السياق هو أنثروبولوجيا التنمية، تشترك في نفس مصلحة دراسات الحملة وهي الإقناع.

فالأنثروبولوجيا، بتوجيه من التحديث، تهتم بالتغيير الثقافي في بعض الدول، وفي الاتجاه الذي تنبأت به نظرية الحداثة، وتشترك دراسات الحملة في نفس الاهتمام، وتحت فرضية التأثيرات القوية لوسائل الإعلام، باختصار، الحرب العالمية الثانية والقومية والتنمية هي الظروف السابقة التي أثارت بحوث الاتصال الجماهيري في الأنثروبولوجيا.

دراسة الثقافات عن بعد خلال الحرب العالمية الثانية في الأنثروبولوجيا:

حددت مأسسة الأنثروبولوجيا داخل الجامعات دورها كعلم اجتماعي يدرس بدائية الاشخاص، وتغير هذا الوضع مع الحرب العالمية الثانية، ففي ذلك الوقت، طلب المكتب الأمريكي لمعلومات الحرب من روث بنديكت للمساعدة في فهم الدول المعادية، وعمل روث بنديكت على المجتمعات اليابانية الأمريكية، ومن بين أمور أخرى علماء كولومبيا مهمون على عدة مستويات، فمن الناحية المنهجية، لا يمكن لعلماء الأنثروبولوجيا الاعتماد على العمل الميداني لأسباب واضحة، لذلك اخترعوا طرق لفهم الثقافة عن بعد.

وكانوا قادرين على مقابلة المهاجرين والأسرى، لكن ظهرت مصادر آخرى على الساحة كالروايات والمذكرات والصحف والأفلام والبرامج الإذاعية، بمعنى آخر، كتلة وسائط، وفي عام 1953، نشرت مارغريت ميد ورودا ميترو دراسة الثقافة عن بعد، مكرسة لروث بنديكت الذي افتتح أبحاث جامعة كولومبيا في الثقافات المعاصرة، والمقدمة بقلم مارغريت ميد بشكل واضح جداً بشأن الغرض من الكتيب.

وهذا الدليل يهتم بالطرق التي تم تطويرها خلال العقد الماضي لتحليل الانتظام الثقافي في شخصيات الأفراد الذين هم أعضاء في المجتمعات التي يتعذر الوصول إليها أو المراقبة المباشرة، ويعكس هيكل هذه الدراسة القلق، وأحداها هو بحث جماعي، وهو حديث عن الأنثروبولوجيا الكلاسيكية، حيث اعتاد علماء الإثنوغرافيا العمل بمفردهم في هذا المجال، وكان للدراسات مؤلف واحد، وفي هذا الدراسة، تم تطوير طرق لعلماء الأنثروبولوجيا للعمل معًا.

والدراسة الأخرى المخالفة للتقليد هي الأدب الكتابي والشفهي وتحليل الأفلام، وتعكس الاختبارات الإسقاطية والصور والنهج النظري لهذه المدرسة، ثم ظهر موضوع جديد للدراسة في الأنثروبولوجيا يختص بثقافة الأمم عن بعد، حيث أجريت دراسات في رومانيا، وهولندا وألمانيا وتايلاند واليابان، وواحد آخر وهو الأكثر شهرة، عام 1946 لميد بينيديكت كتاب الأقحوان والسيف، لأنماط الثقافة اليابانية، حيث يصف الثقافة اليابانية، وفيه وصف جيد للمشاكل الجديدة التي واجهها علماء الأنثروبولوجيا عند دراسة اليابان بدون عمل ميداني.

وانطلق مشروع الثقافة عن بعد من مدرسة الثقافة والشخصية، على وجه التحديد من مفهوم الشخصية الوطنية، ووفقاً لقاموس أكسفورد للأنثروبولوجيا لعام 1997، الشخصية الوطنية يشير إلى بنية الشخصية الأساسية أو النمط النفسي لمواطني الدول القومية المعاصرة، وهذا المفهوم يعتمد على عمل أنتوني والاس، عالم الأنثروبولوجيا من جامعة بنسلفانيا.

الأنثروبولوجيا والقومية:

ما تبقى من مدرسة الشخصية الوطنية هو موضوع الدراسة وليس النظرية، فالأنثروبولوجيا لم تفعل ذلك ولم تتخلى عن هدفها التقليدي ولكنها أضافة أممًا إلى نطاقها، فإذا كانت روث بنديكت تمثل هذا الاهتمام في الأربعينيات من القرن الماضي، ففي ستينيات القرن الماضي، منحها كليفورد غيرتز رياحًا ثانية مع دراسته المجتمعات القديمة والدول الجديدة، وفي الثمانينيات أبقى إرنست جيلنر المنطقة في حركة مع الأمم القومية، حيث أثر علماء الأنثروبولوجيا مثل كليفورد غيرتز وإرنست جيلنر على الانتقال إلى دراسة الأمم.

وعلى الرغم من أن هؤلاء العلماء درسوا الأمم فقد يختلف الاهتمام المتغير في الدول عن دولهم، فقد سمح للأبحاث الأنثروبولوجية بالتركيز على أمريكا وأوروبا الغربية، ومن خلال هذا التحول، دخل المجتمع الجماهيري في الأنثروبولوجيا مع المجتمع وظهر الاتصال الجماهيري على الساحة، فالمعرفة التي أنتجها علماء الأنثروبولوجيا في وسائل الاتصال الجماهيري، وخاصة التلفزيون، تأخذ الأمم كوحدة للتحليل، حتى إذا تم إجراء الإثنوغرافيا في مدينة أو قرية، فإن علماء الأنثروبولوجيا مهتمون بالأمة.

وفي الواقع، السؤال المتكرر هو تأثير التلفزيون على الهوية الوطنية، ومع ذلك، فإن البحث عن القومية يفعل ذلك فلا يجب أن يُفهم على أنه مجال دراسة موحد، فما هي الأمم القومية يبقى سؤالا ًمفتوحاً، حيث يقول أنتوني سميث عام 1994 أن سياسة الثقافة هي العرق والقومية، وتجادل معظم الأبحاث حول أصل حديث لتلك المفاهيم، فمن الناحية النظرية، هناك طريقتان رئيسيتان في هذا المجال هما البدائية والأداتية، فالأول يفترض أن الروابط والمشاعر القومية بدائية بل وطبيعية، والشكل القوي للبدائية يرى أن الروابط أنفسهم كونيون.

ويدعي الشكل الضعيف أن الأعضاء يشعرون أن مجتمعهم موجود منذ وقت سحيق، وأن رموزها وتقاليدها تمتلك عراقة عميقة، ومن ناحية أخرى، يفهم القومية على أنها مورد يجب تعبئته، أو أداة لاستخدامها، من قبل مجموعات معينة في السعي لتحقيق غايات أخرى، عادة ما تكون ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية، فعلماء الأنثروبولوجيا مثل (C. Geertz وE. Gellner)، والعلماء مثل ب. أندرسون، يتبعون النسخة الضعيفة من البدائية، بينما الأنثروبولوجي بيتر ورسلي يتبع وجهة نظر العازف.

وعلماء الأنثروبولوجيا لا يروا أي نوع من الإجماع النظري في الطريقة التي يفهم بها الأمم والقومية، وحجتهم الرئيسية هي أن القوميين هم من يصنعون الأمة، لكنهم يفعلون ذلك فقط ضمن حدود مقيدة والمواد العرقية التي قدمتها الأجيال السابقة داخل مجتمعهم، إذ لم يتم إنشاء الأمم من العدم ولكن من الطبقة الاجتماعية التي يسميها المجتمع العرقي أو الإثني، وهو مجموعة من الناس يشترك أعضاؤها في أساطير مشتركة عن الأصل والنسب والذكريات التاريخية والأنماط والقيم الثقافية، والارتباط بأرض معينة، والشعور بالتضامن.

إيديولوجية القومية عند علماء الأنثروبولوجيا:

ويقول علماء الأنثروبولوجيا أن القومية تعني أشياء كثيرة، ما يسمونه إيديولوجية القومية وهي:

1- يتكون العالم من دول منفصلة يمكن تحديدها، ولكل منها طابعها الخاص.

2- الأمة هي المصدر الشرعي الوحيد للسلطة السياسية.

3- يجب أن ينتمي كل فرد وأن يدين بالولاء الأسمى لأمة واحدة فقط.

4- يجب أن تكون الأمم مستقلة؛ لأنه عندها فقط يمكن ضمان الحرية والسلام العالميين.


شارك المقالة: