ما هو المقصود بالسياق الاجتماعي
يُقصد بالسياق الاجتماعي: كافة العناصر المرتبطة بالمجتمع وثقافته والنظام الاجتماعي العام السائد فيه، وبمعنى أكثر وضوح وشمول فإنَّنا نعني بالسياق الاجتماعي: البيئة الاجتماعية ذات التأثير على نشاط وممارسات الإدارة ويدخل في هذا الصدد متغيرات البناء الاجتماعي وعناصر الثقافة والنُظم الاجتماعية والتركيب الثقافي والتعليمي وحجم السكان وخصائصهم الديموغرافية.
العلاقة الحيوية بين الإدارة والمجتمع
إذا اتفقنا على أنَّ الإدارة قد ظهرت لتدبير وتنظيم شؤون السكان وتوجيه طاقة المجتمع وإمكانياته وموارده في كلّ السبل والطرق التي يمكن من خلالها تحقيق الإشباع لحاجاتهم، إذا قبلنا هذه الفكرة فإنَّه يتولد عنها بالتالي قبولنا للفكرة القائلة بوجود علاقة حيوية بين الإدارة والمجتمع، فالبناء الاجتماعي يضع قيوداً على نُظم الإدارة لتسير في طريق محدَّد يرتضيه المجتمع لتحقيق أهدافه، كما أنَّها (الإدارة) بالتالي تصبح أداة في عملية الإنتاج والاستهلاك والتوزيع الاجتماعي للسلع والخدمات التي تتَّصل مباشرة بعملية إشباع أو تلبية الحاجات لسكان هذا المجتمع.
ومن هنا ندرك أنَّ البناء الاجتماعي والعلاقات التي تسود بين الأفراد والخصائص التي يتميز بها التنظيم الاجتماعي والثقافي للمجتمع لا بُدّ وأن يكون له أثره على الهيكل التنظيمي وعلاقات المؤسّسات ببعضها البعض.
بل إنَّ القواعد والتدابير والأسس التي تُدار في ظِلّها كافة الأشكال التنظيمية من هيئات عامة ومؤسّسات ومشروعات أعمال وغيرها، تتأثَّر بخصائص البناء الاجتماعي المميز للمجتمع، بل إنَّ التنظيمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها تعتبر وليدة للعلاقات الاجتماعية المختلفة السائدة داخل التنظيم الاجتماعي العام، ولمّا كانت ثقافة المجتمع بما تحتويه من قِيَم وعادات وتقاليد واتجاهات ذات تأثير أساسي في عملية التنشئة الاجتماعية للأفراد وبالتالي في سلوكهم فمن الطبيعي أن ندرك أنّ هناك علاقة محدَّدة تربط بين الثقافة والنشاط الإداري التنظيمات القائمة في ظلّ هذه الثقافة.
إسهامات علماء الإدارة في المؤسسات الاجتماعية
قامت إسهامات علماء الإدارة على مختلف اهتماماتهم في ظلّ ظروف اجتماعية وثقافية محدَّدة لتُعنى بتنظيم وإدارة كافة أشكال التنظيم داخل هذه المجتمعات وقدّ يفسر لنا هذا لماذا اهتم علماء مثل: تايلور أو هنري فايول أو التون مايو…وغيرهم بدراسة التنظيمات وأساليب ترشيد إدارتها لتحقيق أقصى كفاية وفاعلية منتجَة لتعظيم ناتج هذه التنظيمات التي معظمها انتاجية اقتصادية وصناعية على وجه التحديد.
فهؤلاء العلماء هم في النهاية أبناء المجتمعات الصناعية الرأسمالية التي تسعى من أجل تحقيق وإنجاز أقصى فائدة ممكنة بترشيد الإنتاج وزيادة كفاءته، وكان الاهتمام بالعلاقات الإنسانية في الإدارة انعكاساً لمحاولة الوصول إلى حلول جوهرية لمشكلات تنظيم وإدارة المنشآت الصناعية والتي تتَّصل مباشرة بعلاقات الطبقة العاملة مع أصحاب رؤوس الأموال وطبقة المديرين ومُنظِمي الأعمال واتحادات ونقابات العمال، إنَّ هذا يفسر لنا علّة الاهتمام بالوصول إلى نظريات علمية لإدارة النشاط الإنساني التنظيمي في مثل هذه المجتمعات.
وأيضاً يفسر لنا لماذا لم تظهر مثل تلك النظريات في المجتمعات الزراعية أو البسيطة التي تعيش على الصيد والاستخراج والتجارة الحِرَفية التي تنتمي إلى مرحلة ما قبل الرأسمالية سواء في الماضي أو حتى في الزمن الحاضر.
التأثير الواضح في السلوك الإداري وعلاقته بالسياق الاجتماعي
يبدو التأثير الواضح في السلوك الإداري وعلاقته بالسياق الاجتماعي والثقافي عندما نُحلّل قِيَماً ونماذج سلوكية كالاستسلام وانخفاض الطموح والإشباع العاجل، ووجود نظام طبقي جامد أو يسوده الصراع، والتفاوت في توزيع الثروة والقوّة بين فئات المجتمع، فمثل هذه الخصائص والسِمات التي قدّ تلاحَظ في بعض المجتمعات لا بُدّ وأن تترك آثارها على التنظيم والإدارة في ذلك المجتمع الذي تسود فيه بعض أو كلّ هذه السِمات، وانتشار المحسوبية وما تحمل من التسلط والقهر، وتكون الرئاسة الإدارية تابعاً لمتغيرات تتَّصل بالقوة الشخصية والعلاقات التي تسود بين الطبقة الأقوى وحيث يقلّ الاهتمام بالتخصُّص وتقسيم العمل.
ومن هنا تنخفض الرُّوح المعنوية ويندثر الإبداع، وتتقلَّص مهارات رجل الإدارة ويصبح تقويم السلوك الإداري في ضوء العوامل الذاتية بعيداً عن الموضوعية، وبمعنى شامل تختلف كافة أشكال التنظيم والإدارة في المؤسَّسات الاجتماعية في مثل هذه المجتمعات متأثرة بالسياق الاجتماعي والثقافي العام.
والعكس صحيح في معظم الأحوال حيث تتَّجه الإدارة نحو الترشيد والكفاءة وزيادة وتعظيم الإنجاز في ظلّ قِيَم واتجاهات وعوامل ثقافية تدعو إلى الموضوعية وتشجِّع الابتكار وتؤمِن بالتخصُّص والتعليم والمهارة واكتساب المكانة في معايير موضوعية، وقيام العلاقات التنظيمية والإجراءات والتدابير المعاصرة والعلمية.