حركة سنباذ (137 هجري):
وصفه المسعودي بأنه خرمي، أما الطبري فقد عده مجوسي، في حين عده نظام الملك مزدكياً، يجب أن نذكر بأن ليس هناك تناقضاً في هذه الآراء، وذلك لأن المزدكية هي إحدى مذاهب المجوسية الثلاثة (الزرادشتية، المزدكية، المانوية).
على حين أن الخرمية هي مزدكية متطورة في العصر الإسلامي، ولذلك فإن سنباذ بشر بآراء مجوسية ومزدكية وخرمية متطورة ومتأثرة ببعض تعاليم الدين الإسلامي، ولعله كان يرغب في ضم أكبر قدر ممكن من الأتباع حيث استعمل سنباذ مع كل جماعة انضمت إليه اللغة التي تفهمها تلك الجماعة، رافعاً شعارات تستهويها، ونظراً لتعلق الخراسانية بأبي مسلم، لذلك استغل سنباذ مقتله، فأعلن حركته في نيسابور مُدعياً بأن أبا مسلم لم يمت، وبشر أتباعه من الفرس بنهاية السلطة العربية، وأعلن أنه يريد هدم الكعبة، وكتب إلى ملك الديلم: أنه قد انقضى ملك العرب، فاستجابت له جموع غفيرة من سكان قومس والريّ والجبال التي كانت مهد الخرمية: ولقب بـ (فيروزا صبهبذ) أي القائد المنتصر.
وحين تحرك سنباذ باتجاه همدان اضطر الخليفة المنصور إلى تجهيز حملة مستعجلة بقيادة جهور بن مرار العجلي، وكان تعداد المقاتلة (10) آلاف رجل ثم تبعها تعزيزات جديدة، وقد انضم إلى الجيش العباسي العرب المسلمون الذين كانوا مستقرين في منطقة الجبال بقيادة عمر بن العلاء، وربما انضم إلى هؤلاء المتطوعة بعض الموالي من سكان الجبال والريّ، والتقى الجيشان في (موقعة جرجبنان) بين الري وهمدان، وقد أظهر عمر بن علاء شجاعة فائقة في المعركة مما أدى إلى هرب سنباذ والتجائه إلى أصبهبذ طبرستان. إلا أنَّ ابن عم أصبهبذ طبرستان استطاع قتله.
حركة المقنع (159 – 163 هجري):
يذكر المقنع تحت أسماء مختلفة منها هاشم وحكيم وعطاء، عاش في إحدى قرى مرو، اشتغل في تنظيف الصوف وغسله، لكن ظروفه تحسنت بعد أيام الدولة العباسية، حين عين أبوه موظفاً في خراسان فاهتم والده بتثقيفه وتربيته، وقد انتقل المقنع بين مرو وبلخ لتحصيل العلم.
وفي أثناء ولاية أبي مسلم، أصبح المقنع أحد الرؤساء في الجيش، ومن أتباع أبي مسلم، وقد انضم إلى فرقة الرزامية، وفي ولاية عبد الجبار الأزدي انتقل لخدمة هذا الوالي الجديد، ووافقه في إعلان تمرده ضد العباسيين، ثم أسر هاشم وجيء به إلى بغداد، ثم أطلق سراحه بعد فترة من الزمن.
أما في البداية أمره فقد سار إلى خراسان، وقام بدعوة الناس له، فاستخدم القناع، لكي يخفي عيوبه، فهو أعور، قصير، دميم الوجه، وقيل أن القناع كان من الذهب أو الحرير الأخضر، وقد قدس المقنع نفسه، ولجأ إلى استعمال السحر، فكان يظهر للناس قمراً في بئر، ولما فشل أمره تبين أن في أسفل البئر زئبق وكان عوام الناس يتعجبون منه، وما هو إلا استخدام الطرق الهندسية وانعكاس الضوء.
كما كان يرفض من ظهوره أمام الناس بحجة أن نور وجهه سيحرقهم، ولمّا ألحوا على ذلك، جمع مجموعة من النساء، وأمسكن المرايا لكي تعكس أشعة الشمس عن ظهوره، كما أنه أكد على الحلول والتناسخ وادعى أنه روح الله حلت به بعد أبي مسلم، ودعا الناس إلى ترك الفرائض كالصوم والصلاة والحج، وقال للناس أن الدين هو معرفة الإمام فقط، كما أباح النساء، ودعا الناس إلى التوجه إلى مكان وجوده في صلاتهم، كما يقول ذلك ابن الأثير.
أهم تعاليم المقنع:
1. ادعى المقنع الألوهية، حتى أنه رفض أية صفة غيرها.
2. نادى المقنع بالحلول والتناسخ، فقال: إن الله خلق آدم من صورته ثم في صورة نوع، ثم في صورة إبراهيم، ثم موسى،
وعيسى، ومحمد ثم في صورة أبي مسلم ثم إليه، وطلب من أتباعه أن يسجدوا له.
3. أدعى المقنع بأنه بعد وفاته سيعود إلى هذه الأرض، ويملأها عدلاً.
4. قدس المقنع أبا مسلم وعده أفضل من الرسل.
5. أسقط الفرائض من صوم وصلاة وزكاة، وحرم على أتباعه القول بوجود حلال أو حرام.
6. طبق المقنع تعاليم مزدك على أتباعه، وخاصة ما يخص إباحة النساء والأموال.
7. أعطى المقنع الحق لأتباعه بقتل كل من يخالفهم.
ونتيجة لدعواته هذه فقد انضمت إليه المبيضة من أتباع أبي مسلم في بلاد ما وراء النهر، وقد أشار إلى هذا ابن الأثير إذ قال: (وظهرت المبيضة ببخارى والصفد معاونين له). وانتشرت حركة المقنع في منطقة كش منذ سنة (159 هجري)، وانضم إليه بنيان بن طغشادة أمير بخارى.
أخذ المقنع بعد أن ازاد من يتبعه بغزو القرى وقطع الطرق فاضطر الوالي العباسي حميد الطائي إلى اعتقاله، ثم هرب إلى بلاد ما وراء النهر، واعتصم بحصن سنام، وقد باءت جميع الحملات الإسلامية التي أرسلت للقضاء عليه بالفشل، ومن هذه الحملات (حملة جبريل بن يحيى، ويزيد بن يحي، ومعاذ بن مسلم، وسعيد الحرشي)، ولم يتمكن أحد من القضاء عليه سوى سعيد الحرشي الذي أسند إليه الخليفة المهدي مهمة القضاء على المققع فحاصره.
ويذكر البغدادي أن سعيد الحرشي قد جهد من أجل الإنهاء عليه فقام بعمل من الحديد والخشب (200) سلم، ليقوم بوضعها على طول خندق ليتنقلوا عليها جنوده، واستدعى من مولتان الهند عشرة آلاف جلد جاموس وحشاها رملاً وكبس بها خندق المقنع، وبعد هذا الحصار الطويل اضطر أصحاب المقنع إلى التسليم، لكن المقنع ظل حتى النهاية رافضاً للصلح أو النزول بأمان، ويقال بأنه أعد لأصحابه شراباً مسموماً وسقاهم منه، وأخبرهم أنه سيختفي ويعود إليهم بعد مدة، وألقى النحاس والقطران في التنور، وألقى نفسه فيه وانتهت حركته سنة (163 هجري).