ما هي أنواع ضرائب الإقطاع السلجوقي؟
لقد زادت الضرائب في العهد السلجوقي عن المعهود وخرجت عن المقرر وأصبحت غير قانونية، لقد لجأت السلطة السلجوقية من أجل تأمين تلك المبالغ إلى الإقطاعيين السلاجقة الذين تولوا عملية جباية الضرائب مع الاستفادة بجزء منها فهم إقطاعين وجباة ضرائب في الوقت نفسه.
المكوس:
عندما دخل طغرل بك بغداد فرض الضرائب والمكوس. والتي تعتبر من الضرائب المهمة لأنها تمد خزينة السلطان السلجوقي بمبالغ وفيرة فقد ذكر ابن الجوزي أنَّ السلطان ملكشاه عندما اسقطها سنة (479 هجري)، خاطبه أحد المستوفين بقوله (يا سلطان العالم قد أسقطت من خزائن أموالك ستمائة ألف ونيف). وكانت هذه الضريبة تؤخذ من جميع البلدان الواقعة تحت السلطة السلجوقية.
كان المكاس يُطلق عليه (مختص الحضرة)، الحضرة السلطانية السلجوقية لذلك فإنه كان يستمد قوة من مساندة السلطان السلجوقي وكان يُبالغ في أذى الناس وأخذ أموالهم ويقول (أنا فرشت حصيراً في جهنم). وكان الوزير أبي طالب علي بن السميرمي، ظالماً عسوفاً فرض الضرائب والمكوس وحددها يقول (لقد سننت على أهل بغداد السنن الجائرة فكل ظالم يتبع أفعالي).
أما مقادير المكوس فلم تكن ثابتة وقد أورد ابن الجوزي رواية عن مقدار المكوس التي كانت تفرض على التجار، ففي عام (515 هجري)، ألزم الباعة أنّ يدفعوا للسلطان ثلثي ربحهم في كل ما يباع وفرض على بيع ثياب السقلاطون كل نول ثمانية قواريط.
لقد حرص السلاطين السلاجقة على استمرارية تلك الضرائب لضمان بقاء خزائنهم مملوءة وحرصوا كذلك على أنّ تكون هذه الضرائب عامة وشاملة في كل الأقاليم التابعة لها، فقد أمر السلطان سنجر عماله بأن ياخذوا الضرائب من كل مدن العراق وعواصم البلاد.
ضريبة حق البيع:
كانت هذه الضريبة تؤخذ من الباعة في الأسواق والتي شملت سائر أنواع المبيعات الأسواق، لقد كانت هذه الضريبة من أشد أنواع الضرائب على التجار ويبدو أنها كانت كبيرة حتى أنَّ الواعظ ابن العبادي خاطب السلطان مسعود في رفع هذه الضريبة.
وقال له (يا سلطانا العالم إنلك تهب مثله لمطرب ومغن بقدر هذا المأخوذ من المسلمين تهبه لي وتحسبني ذلك المطرب وأتركه للمسلمين). وقد ذكر ابن الساعي أنَّ الخليفة الناصر لدين الله أمَرَ سنة (604 هجري)، بإلغاء هذه الضريبة والتي كان مقدارها في السنة مائتا ألف دينار.
ضريبة العقار:
وهي مقدار من المال يفرض على دور الناس والحوانيت والأملاك الخاصة لجأ إليها السلاطين السلاجقة في حالة احتياجهم إلى الأموال، وقد ضوعفت تلك الضريبة وخاصة على أصحاب رؤوس الأموال، وكانت هذه الضريبة تشتد على الناس في أوقات الحروب التي تندلع بين السلاطين السلاجقة بسبب النزاع حول العرش، ففي سنة (526 هجري)، أمر السلطان مسعود بجباية هذه الضريبة لحاجة إلى المال من أجل قتال السلطان سنجر الذي عزم على دخول بغداد.
كما كان السلطان مسعود كثير الطمع في أموال الرعية والتجار، ففي سنة (530 هجري)، أمر بجباية الأموال من الناس وكذلك من دار الخلافة فقد بعث وزيره أبا البركات بن مسلمة إلى الخليفة المقتفي لأمر الله (531 – 555 هجري)، في ذلك وطالبه بمائة ألف دينار فكان جواب الخليفة للوزير (إني عاهدت الله تعالى أنّ لا آخذ من المسلمين حبة واحدة ظلماً). فقام بفرض ضرائب على أملاك الناس وصادر التجار ولقي الناس من ذلك شدة.
ضريبة التركات:
كان ديوان التركات مسؤول عن إرث من لا وارث له من الرعية لأن الدولة كان ترثهم بحكم الشرع الإسلامي. لقد أصبحت المواريث مورداً مهماً في فترة الإحتلال السلجوقي فقد حرص السلاطين السلاجقة منذ دخولهم بغداد على الاستيلاء عليها، فقد أمر طغرل بك بإعادة الموارث وذلك سنة (455 هجري).
وأصبحت أموال التركات تذهب إلى خزينة السلطان السلجوقي في الوقت الذي يجب أنّ تصرف في مصالح المسلمين. ففي سنة (531 هجري)، مات رجل ولم يكن له وريث فأخذ ماله صاحب التركات، فلما سمع السلطان مسعود أمر أعوانه بأخذ تلك الأموال وكذلك أمر الحفارين والغسالين العاملين في المقابر بأنّ لا يدفعوا أحد إلا بكتاب من عميد العراق يحمل موافقة وحذروهم من كتم أي شيء على أصحاب السلطان.
فلمّا توفي بهروز الخطاط الفقيه برباط بهروز سنة (547 هجري)، صادرا أمواله وضربوا الفقهاء وهذه عادتهم. وقبضوا على اثنين من الفقهاء وسجنوهم. ولم يكتفوا بذلك بل مدوا أيديهم إلى الجوالي، وكان مقدار ما يجمع منها ألف وخمسمائة دينار والتي كانت داخله في إقطاع الخليفة.
ضريبة الدار:
لمّا دخلت العساكر السلجوقية المحتلة بغداد نزلوا في دور الناس وفرضوا على أهلها ضريبة مقدارها خمسمائة دينار تدفع لهم من أهل الدور معللين سبب ذلك بقولهم (هذه ضريبة عادتنا في بلادنا)، فجمعوا خمسمائة دينار من أهل الكرخ وما حولها، وقد استغاث الناس من ذلك إلى الخليفة وقالوا له (هذا شيء ما ألفناه وقد أفنى الحريق ونهب أموالنا، فبعث الخليفة إلى عميد العراق الكندري وأنبه على هذا الفعل وأمره بإسقاط هذه الضريبة ففعل).
لقد كان الخلفاء العباسيين يتدخلون في تخفيف وطأة الضرائب عن طريق سلطتهم الدينية ففي سنة (480 هجري)، أمر الخليفة المقتدي برفع بعض الضرائب على شكل منشورات الصقت على أبواب الجوامع.
ضريبة الخفارة:
هذه الضريبة تؤخذ من الحجاج بحجة حراسة الطريق من قُطاع الطرق واللصوص، وكان مقدار هذه الضريبة كبير ومُكلف فقد كان يؤخذ من كل حاج سبعة دنانير ذهبية. ودفع قوماً من التجار مبلغ أربعة عشر ألف دينار ومئاتي رأس من الغنم أعطوا ذلك على وجه الخفارة.
ضريبة غلة دار الضرب:
لقد تميزت فترة الاحتلال السلجوقي بكثرت الضرائب وتنوعها ومنها هذه الضريبة، فقد كان مخصص لبيت المال من دار ضرب النقود واحد بالمائة على حسب ما قرره الفقهاء المسلمين، لكن السلاطين السلاجقة استأثروا بهذه الضريبة ورفعوا نسبتها كان السلطان محمود يأخذ من دار الضرب في بغداد شهرياً ألف دينار.
ضريبة مال البيعة:
وهو المال الذي يؤخذ من الناس في حالة اعتلاء أحد السلاطين السلاجقة العرش ففي سنة (494 هجري)، أرسل السلطان محمد إلى أخيه سنجر يلتمس منه مالاً وكسوة فأجيب إلى ذلك وجبى المال من أهل نيسابور وشمل جميع فئات المجتمع.
وفي سنة (530 هجري)، طالب السلطان مسعود الخليفة المسترشد بمال البيعة ما عدا الأموال لأولاده ومقدارها ثلاثمائة ألف دينار تجبى من أهل بغداد، فأجابه الخليفة بقول (أما الأموال المضمونة فإنما كانت لأعادة الخليفة إلى داره سالماً وذلك لم يكن وأما مال البيعة فلعمري إلا أنه يجب أنّ تعاد إلى أملاكي وإقطاعي أما ما تطلبونه من العامة فلا سبيل إليه).
ضريبة بيع الحيوانات:
كان السلاجقة قد ضربوا ضرائب متنوعة شملت عمليات البيع والشراء، فقد فرضت الضرائب على سوق بيع الخيل والجمال والغنم والسمك، وقد بقيت هذه الضريبة تُجبى إلى زمن الخليفة المستنجد الذي أمر بإلغائها سنة (555 هجري).
مُصادرات الإقطاع السلجوقي:
لقد شكلت المُصادرات في فترة الاحتلال السلجوقي مورداً مالياً جيداً للخزينة السلجوقية، ويتبين من خلال المعلومات التاريخية أنَّ أغلب الذين تعرضوا للمُصادرة كانوا من كبار موظفي الدولة ومن التجار وأصحاب الأموال، فضلاً عن أموال الخلافة التي تعرضت للمُصادرة (أيضاً فقد كتب السلطان طغرل بك إلى عميد العراق بقبض إقطاعات الخليفة ولا يترك له إلا العقار الخاص. وتعرضت زوارق الخليفة المحملة بالشعير إلى مُصادره من أعوان السلطات السلجوقي.
ويذكر ابن الجوزي أنَّ السلاجقة صادروا غلات ضياع الخليفة الراشد وكذلك استولوا على التمور العائد للخليفة المسترشد. لقد تعرضت أموال الخلافة إلى أعمال مُصادرة ولم يتركوا شيئاً للخلافة إلا ووضعوا اليد عليه، فقد استولى السلطان محمد على سفن وصلت إلى الخليفة وصادر الأموال. وصادر السلطان مسعود أموال الخلافة وأملاك الخليفة الراشد الخاصة وإقطاعاته وعندما طالبه بالأموال أجابه الخليفة (البلاد معكم وليس معي شيء).
وتعرض الخليفة المقتفي لأمر الله إلى عملية المُصادرة ولم يبقَ معه شيء يتيب ذلك من خلال جوابه على السلطان مسعود عندما طلب المال منه، لم يبق في الدار سوى الأثاث وأخذته جمعية وتصرفت في دار الضرب والذهب وصادرت التركات والجوالي فمن أي وجه نقيم لك المال، وكان أعوان السلاطين يقومون بأعمال المُصادرة للسلطان، فقد كان منكبرس شحنه بغداد كثير جمع الأموال والمُصادرات للسلطان.
من خلال عرض المبالغ المصادرة يثبت أنها كانت مُتباينة من فئة إلى أخرى، فمثلاً إنَّ مبلغ المُصادرات التي لم تحصيلها من الوزراء وكبار الموظفين كانت تتراوح بين (30- 40) ألف دينار. أما فئة التجار فكانت المبالغ المُصادرة قد تصل إلى المائة ألف دينار فعندما قتل السلطان ملكشاه التاجر ابن علان صادر أمواله وكانت قيمتها مائة ألف دينار.
وصادر السلطان مسعود الصفي الأوحد المستوفي على مائتي ألف دينار. وتعرضت الرعية إلى أعمال مُصادرة من قبل السلاطين السلاجقة والشواهد التاريخية كثيرة، ففي سنة (493 هجري)، صادر بركياروق أهل الأحواز. وكذلك عندما توجه إلى بغداد (494 هجري)، ضاقت عليه الأموال فقام بعملية مصادرة أموال الناس. وتعرض أهل أصبهان إلى أعمال مُصادرة من قبل السلطان محمد سنة (496 هجري)، وكانت الأموال المُصادرة (على وجه
العرض) وجمع مالاً عظيماً.
وكان السلطان محمود أكثر السلاطين إتّباعاً لهذا الأسلوب في الحصول على الأموال والذي جمع أموالاً طائلاً من جراء ذلك، فقد صادر قتلغ الرشيدي أستاذ دارة ثمانون ألف دينار، الجمال بن فنارة في همذان ثلاثون ألف دينار، رئيس همذان فخر الدولة بن أبي الهاشم الحسني عشرون ألف دينار، رئيس تبريز سبعون ألف دينار.
لمّا توفي السلطان محمود كانت خزانته تحوي على ثمانية عشر مليون دينار، سوى الصياغات والجواهر الثمينة وكانت خزائته في أصفهان تحوي على الأواني الذهبية والفضية والنحاس ما يُقارب وزنها ثمانية عشر رطل.