كان للعالم إميل دور كايم مكانة مرموقه ومعروفة في تاريخ علم الاجتماع، ذلك أن بحوثه العلمية تتضمن خلق علم الاجتماع في العصر الجديد وهو رائد المدرسية الفرنسية في علم الاجتماع، وقد ترك ثروة علمية هائلة، فضلاً عن تلاميذ واتباع أسهموا في دعم وإرساء الدراسات الاجتماعية على أسس قوية.
ما هي الظاهرة الاجتماعية عند دور كايم في علم الاجتماع:
إن التعمق في طبيعة الظاهرة الاجتماعية يعتبر على قدر كبير من الأهمية، وقد إهتم بها دور كايم في محاولة منه ﻹرساء دعائم إستقلال علم الاجتماع ويرد على ما أثير حول هذا الإستقلال من معارضات.
وهذا الموضوع لم يحظ بالإهتمام الواجب من قبل، فلم يعرف ابن خلدون الظاهرة الاجتماعية تعريفاً دقيقاً، وأوجست كونت لم يجعلها موضوعاً لعلم الاجتماع بل جعل موضوعه الظواهر التي لم تدرسها العلوم الأخرى، كذلك فإن سبنسر إتجه في تفسير الظاهرة الاجتماعية إلى مماثلات بيولوجية أوقعته في كثير من الأخطاء.
وأيضاً فقد فسر تارد الظاهرة الاجتماعية تفسيراً سيكولوجياً وبذلك كاد يقضي على شخصية علم الاجتماع، وترتيباً على ذلك فقد حاول دور كايم القضاء على هذه الاتجاهات، وخصص لهذا الموضوع جزءاً كبيراً من كتابه قواعد المنهج.
يقول دور كايم إن الأفراد يسيرون في مختلف شؤون حياتهم على أساليب وقواعد يلتزمون بها، ففي الحياة الدينية يتفقون على قواعد تنظيم طقوسهم وشعائرهم ومقدساتهم وفي حياتهم الأسرية يلتزمون بقواعد خاصة بالزواج والطلاق، والقرابة والمصاهرة، والحقوق والواجبات في داخل الأسرة، وفي الجوانب الاقتصادية يسيرون على نظام معين في طرق التبادل، والإنتاج وما يرتبط بهما، ولا يخرج أحد عن هذه الالتزامات وفي حالة الخروج عنها فإنه يواجه بعقاب شديد.
كذلك الحال في النواحي السياسية والأخلاقية والقضائية واللغوية والتربوية والفنية، وكل هذه الأساليب والقواعد التي يسير عليها الأفراد ويلتزمون بها في كل شؤونهم تسمى الظواهر الاجتماعية.
وحتى في الجوانب التي لا توجد فيها ظواهر اجتماعية، فإن التيارات والاتجاهات التي تنشأ من تفاعل الأفراد واحتكاكهم تعتبر ظواهر اجتماعية فلا يمكن للأفراد أن يخرجوا عما تفرضه من حدود والتزامات وحتى في الجوانب المورفولوجية نجد أن حركة السكانوقيام المدن، ونشأتها،واختيار مواقعها وتوزيع الأفراد، والكثافة والتخلخل والهجرة، كلها تسير وفقاً لنظم وقواعد خاصة، وهي تسمى الظواهر والأوضاع الاجتماعية المورفولوجية.