من أهم أهداف بحوث الشيخوخة اكتشاف مفتاح الحياة الناجحة للمسنين وتوضيح الوظائف الجسمانية والاجتماعية التي تقود إلى الإشباع الكبير للمسنين. ومن هنا تظهر لنا النظريات الخاصّة بالمسنين والشيخوخة ومنها النظرية التنموية.
النظرية التنموية لمشكلات المسنين
ترى هذه النظرية أنَّ التكيف للشيخوخة يمكنه أن يستمر في عدَّة اتجاهات وذلك اعتماداً على الحياة الماضية للمسن. وتأكيداً على استمرارية النمو عبر دورة مراحل الحياة فإنَّ بعض العلماء قد أطلقوا على هذا المنظور نظرية الاستمرار. والنظرية التنموية أو الاستمرارية تحاول أن تشرح شيء ما، بحيث أنَّ أي شخص لديه معرفة واسعة بالمسنين يمكنه أن يشك بأنَّه ليس النشاط ولا الخمود بالضرورة هو الذي يولد السعادة.
والشخص المسن سواء المنهك في العمل أو المتحسب منه يمكنه أن يكون سعيداً أو غير سعيد. اعتماداً على القوى الأكثر خفاء أو أقل ظهور من المستوى البسيط للنشاط في حياتهم. وهذا الشك الانطباعي قد تمَّ توثيقه في معظم دراسات الشخصية، والنتائج الكلية لهذه الدراسات تفيد بأن المسنين النشيطين والمنهكين يكونون أكثر رضى عن حياتهم من المسنين المنسحبين، وقد وجد علماء النفس التنمويين أنَّ أنماط الشخصية ككل ثابت إلى حد كبير طوال الحياة، على الأقل أساس الطريقة التي يتوافقون بها أو يفشلون في التوافق مع وسطهم الاجتماعي.
فلسفة النظرية التنموية لمشكلات المسنين
إن وجه المسن الذي يظهره إلى العالم يكون ثابتاً وإن أنماط الشيخوخة تكون مُتوقعة من معرفة الأفراد في أواسط عمرهم، وأحد المظاهر الخاصَّة بثبات الشخصية هو استمرارها في مواجهة التغير، بينما يتصرف المسن كما كان يفعل دائماً.
والمسنون يدركون الواقع بطريقة متغيرة فهم يرون العالم الخارجي على أنَّه عالم محفوف بالمخاطر. وهم يتعاملون مع عواطفهم الداخلية باختلاف أيضاً. فهم يكونون أكثر انشغالاً عن حالتهم الداخلية وأكثر حساسية للمواقف الاجتماعية التي يمرون بها، ويكونون أكثر انسجاماً وانطواء على أنفسهم، ويبدو أنَّهم يجدون رضاً أكثر عندما ينطوون على ذاتهم الداخلية. ويرى علماء النفس التنمويين أنَّ الانسحاب إلى الذات الداخلية يمكن قياسه في منتصف الأربعينيات قبل أن يكون الانسحاب الاجتماعي قابل للملاحظة وهذه النتائج لها مضمونان هامان بالنسبة لمنظورنا للشيخوخة وهما:
- الأول: أنَّها توصي أنَّ البعد الروحي الديني للشيخوخة إنَّما يحدث فقط للأشخاص الذين يتميزون بالحكمة وهم أقلية نادرة.
- الثاني: أن التغيرات الداخلية تؤثر بطريقة كبيرة على الأداء الاجتماعي، لأنَّ شخصية المسنين وأنماط سلوكهم ثابتة عبر الزمن.
وعندما يفشل كبار السن في أن يظلوا مشغولين ببيئتهم الطبيعية فإنَّ منبع فشلهم يكمن في البيئة الاجتماعية نفسها وليس في شيخوختهم، حيث أنَّه هناك عوامل مثل المكانة في العمل، الصحَّة، الموارد المالية، المكانة الزوجية وغيرها تؤثر على قدرة كبير السِّن على أن يتمتع بحياة مُرضية وذلك أكثر ممّا تفعله فيه الشيخوخة.
فهم شامل لتحديات الشيخوخة
تعد النظريات التنموية للشيخوخة أداة قوية لفهم التحولات والتغيرات التي يمر بها الفرد مع تقدمه في العمر. تتنوع هذه النظريات، ولكن يعتبر نموذج التطور الحيوي (Biological Aging Model) أحد الأطر الشاملة التي تسلط الضوء على العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية التي تشكل تجربة المسنين.
الأساس البيولوجي: تعتمد هذه النظرية على التغيرات البيولوجية التي يخضع لها الجسم مع التقدم في العمر. يتضمن ذلك تدهور الوظائف الحيوية، مثل تقليل قوة العضلات وكفاءة الجهاز المناعي، وهو ما يجعل المسنين أكثر عرضة للأمراض والإصابات.
العوامل النفسية: تشير النظرية إلى أهمية العوامل النفسية، مثل التكيف مع التغيرات في الهوية الشخصية والاستجابة للضغوط الحياتية. قد يواجه المسنون تحديات نفسية، مثل الشعور بالعزلة أو فقدان الغرض من الحياة، وهو ما يمكن أن يؤثر على الصحة العامة والرفاهية.
العوامل الاجتماعية: يشدد هذا النموذج على الأبعاد الاجتماعية للتطور الشخصي، حيث تلعب العلاقات الاجتماعية والشبكة الاجتماعية دورًا محوريًا. يمكن أن تساعد الروابط الاجتماعية القوية في توفير الدعم النفسي والاجتماعي، بينما قد يؤدي الانعزال إلى تأثيرات سلبية على الصحة والرفاهية.
التكامل والتفاعل: يشدد نموذج التطور الحيوي على أهمية التكامل بين العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية. يفهم أن تأثير العوامل البيولوجية قد يتفاعل مع العوامل النفسية والاجتماعية لتشكيل تجربة الفرد بشكل كامل.
تحديات وفرص: يفتح نموذج التطور الحيوي الأبواب لفهم التحديات والفرص التي يمكن أن يواجهها المسنون. يمكن توجيه الجهود نحو تقديم الدعم المناسب لتعزيز الصحة والرفاهية، مع التركيز على التكامل بين العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية.
الختام: تعتبر النظرية التنموية المفسرة لمشكلات المسنين إطارًا شاملاً يفسر تجربة الشيخوخة بطريقة متكاملة. يوفر هذا النموذج أساسًا للتفهم العميق للتحديات والفرص التي تواجه الأفراد مع تقدمهم في العمر، مما يساعد في توجيه السياسات والبرامج لتحسين جودة حياتهم.