ما هي حركة الزنادقة؟
الزندقة هي إحدى الحركات الفارسية التي تخفت تحت رداء بالإسلام كغطاء لتحركاتها، وحاولت هدمه من الداخل، وتُسمى الزندقة بالشعوبية أيضأ، وكانت الزندقة تتخذ الديانات الفارسية أساساً لها في مهاجمة عقيدة المسلمين وآدابهم وتراثهم وتاريخهم المجيد.
وقد أشار الجاحظ إلى هذا فقال: (إنما عامة من ارتاب بالإسلام إنما جاءه هذا عن طريق الشعوبية، فإذا أبغض شيئاً أبغض أهله، وإن أبغض تلك اللغة، أبغض تلك الجزيرة، فلا تزال الحالات تتنقل به حتى ينسلخ من الإسلام، إذا كانت العرب هي التي جاءت به). وأخذ الزنادقة والشعوبيون في إعلان معتقداتهم علانية، وظهرت آراؤهم وشاعت بين الناس، وخاصة في زمن الخليفة المهدي الذي كان عهده، عهد هدوء واستقرار سياسي، وأخذوا يطرحون آراءهم دون خوف أو وجل.
لهذا ظهر الخليفة المهدي لمحاربة هذه الحركات، سيما وقد عُلِمَ أنه صاحب العدل وحسن الخلق، ومحاولة تعظيم الدين الإسلامي، بالإضافة إلى ذلك أنّ الراحة الذي تميز به في عصره ساعده على تتبع هذه الحركة، فقد جد الخليفة المهدي في تتبعهم منذ سنة (163 هجري)، وأنشأ ديواناً خاصاً لهم، عُرِفَ بدي وان الزنادقة، وعين عليه مسؤولين من بينهم عمر الكلوذي، وعبد الجبار، ومحمد بن عيسى ابن حمدوية، هذا في العاصمة. أما في مراكز الأقاليم فكان عريف الزنادقة هو الذي يشرف عليهم، ويعاونه المحتسبون ورجال الشرطة.
وكانت الطريقة التي يحاكم بها الزنادقة هي القبض عليهم، بعد أقل تهمة فقد طلب منهم الخليفة أو من يخوله من القضاة أنْ يصدوا عن الزندقة إذا أخذوا بها، ويحررهم إذا رجعوا، وهذه العملية تسمى الاستتابة، ولكي يتأكد القاضي أنهم رجعوا فعلاً عن الزندقة، كانوا يطلبون من المتهم أن يبصق على صورة ماني، وأن يذبح طائرأ، لأن المانوية تحرم ذبح الحيوان.
حركة الزنادقة في عهد المهدي:
لقد خول الخليفة المهدي مسؤول ديوان الزنادقة، أو عريف الزنادقة سلطات واسعة جداً منها قتل كل من يدان بهذه التهمة، وجعل للزنادقة سجناً خاصاً سُمِيَ (بسجن الزنادقة)، خصوصاً بعد أن أخذوا يعاشون عن آرائهم واعتقاداتهم علنية ويشير الطبري إلى هذا فيقول: (واستمر المهدي يطارد الزنادقة، ففي حملته سنة (163 هجري)، إلى بلاد الروم قتل جماعة من الزنادقة في حلب وأحرق كتبهم.
ويتضح مفهوم الزندقة بصورة شاملة عند الخليفة المهدي، عندما: (قال لموسى الهادي يوماً، وقد وصل إليه زنديق، فطلب منه، فأبى أن يرجع على دينه، فشق عنقه، وأعطى أوامر بصلبه، يا أبي أن صار لك هذا الأمر، فتجرد لهذه العصابة، يعني أصحاب ماني، فإنها تدعو الناس إلى ظاهر حسن، كاجتناب الفواحش، والزهد في الدنيا والعمل للآخرة، ثم تخرجها إلى تحريم اللحم، ومس الماء الطهور، وترك قتل الهوام تحرجأً، ثم تخرجها من هذه إلى عبادة الإثنين، أحدهما النور والآخر الظلمة، ثم تبيح بعد هذا نكاح الأخوات والبنات، والاغتسال بالبول، وسرقة الأطفال من الطرق لتنقذهم من ضلال الظلمة إلى هداية النور، فارفع فيها الخشب وجرد فيها السيف، وتقرب بأمرها إلى الله الذي لا شريك له).
كما أمر الخليفة المهدي الجدليين من أصحاب البحث من المتحدثين بتقسيم الكتب والرد عليهم، وبقيت المطاردة للزنادقة في عهد الخليفتين موسى الهادي، وهارون الرشيد، وقد استثنى الخليفة الرشيد في العفو الذي أصدره ضد المُعارضين له الزنادقة، وعدم شمولهم به. وذلك في سنة (170 هجري).
ولم تعجز تصدي الزندقة على المنطقة فقط، إذ لعب أصحاب العلم والمحدثون والمتحكمون أثر أساسي في الرد على الزنادقة وتفنيد آرائهم ومزاعمهم، ومنهم (أبو محمد هشام بن الحكم (199 هجري)، كتاب الرد على الزنادقة والرد على أصحاب الاثنين، وأبو محمد الحسن بن موسى النوبختي كتاب الرد على أصحاب التناسخ، وأحمد بن محمد بن حنبل (164 – 241 هجري)، كتاب الرد على الزنادقة والجهمية، وأبو الربيع محمد بن الليث الخطيب كتاب الرد على الزنادقة، وأبو عثمان الرقي رسالة للرد على الملحدين وأصحاب الاثنين)، فضلاً عن عدد كبير من الكتب مما لا يتسع المجال لذكرها.
أما أسباب إعلان الحرب على الزنادقة فتعود إلى سببين: أولهما (السبب الديني)، وهو أن اتباع هذه الديانات أخذوا يحاربون الدين الإسلامي ومجابهته، وثانيهما (السبب السياسي)، فقد كان أغلب الزنادقة من الفرس، وقد اعتقدوا أنَّ السلطة محصورة في العرب، وأنهم خاضعون لهم، بينما يريد الزنادقة أن تكون الدولة فارسية بكل مظاهرها، فسعوا لقلب نظام الحكم، الذي يستند إلى الدين، فأشاعوا نشر الديانات الفارسية القديمة، لأنه أساس الخلافة ديني، ولأن اتحاد الدين بالسياسة وتناصرهما كان ركن الدولة العباسية، فالزندقة بإضعافهما الدين الإسلامي تضعف من سلطان الخليفة، وتهدم أساس الدولة، وتفسخ مقومات المجتمع.