بقي نور الإسلام يضئ سماء الأندلس لفترة زمنية طويلة امتدت حوالي ثمانمائة عام، وعندما تقرأ تاريخ الأندلس ينتابك الكثير من المشاعر المختلطة مرة اعتزاز وفخر على ما حققه المسلمون من انتصارات وفتوحات، ومرة أخرى ألم وحزن على واقع المسلمين اليوم.
الأندلس ما قبل الفتح الأموي
استطاعت الجيوش الأموية أن تصل في فتوحاتها حتى شمال أفريقيا، وبذلك لم يكن يعيق فتحهم للأندلس سوى مضيق جبل طارق، وكانت الأندلس آنذاك تعاني من الصراعات والخلافات الداخلية، حيث كان القوط الغربيون يحكموها آنذاك.
وبدأ الصراع في الأندلس على العرش بين الملك أولاد غطشيه وأحد قادته الذي يُسمى لذريق والذي قام بالاستيلاء على العرش بعد وفاة والدهم، مما أجبرهم على الذهاب لحاكم مدينة سبتة (وهي مدينة مغربية) وطلب العون من حاكمها يليان والذي كان على عداوة مع الملك لذريق، وبذلك أرسل إلى طارق بن زياد يتفاوض معه ويطلب منه دعم أولاد غطشيه لاستعادة حكمهم مقابل تنازله عن مدينة سبة لهم.
مراحل فتح الأندلس
1- عهد الفتح (710 – 714م)
أمر الخليفة الوليد بن عبد الملك الوالي موسى بن نصير بتجهيز حملة عسكرية واتجهوا نحو بحر سبتة وكان على رأس الحملة طريف بن مالك في عام (711)م، واستطاعوا النجاح والحصول على الكثير من الغنائم، مما جعل موسى بن نصير، يقوم بإرسال قوة أخرى على رأسها زياد بن طارق واستطاع عبور المضيق والوصول إلى جبل طارق.
وقعت هناك معركة وادي لكة بين الجيش الأموي والجيش القوطي والتي انتهت بانتصار الأمويين والقضاء على القوط، وهنا كانت البداية حيث استطاع الأمويين فتح الكثير من المدن خلال ثلاث سنوات ونصف، أخبر طارق بن زياد موسى بن نصير بالفتوحات التي قام بها، وبعد ذلك انضم موسى بن نصير لطارق بن زياد واشتركا بفتح الكثير من المدن، بعد ذلك أرسل الخليفة الوليد بن عبدالملك بطلب القائدان بالرجوع إلى عاصمة الخلافة الأموية، واستجابا لطلب الخليفة وتم تعيين عبد العزيز بن موسى بن نصير واليًا على الأندلس عام (714)م.
2- عهد الولاة (714- 756م)
عندما رجع طارق بن زياد وموسى بن نصير إلى دمشق انتهى عهد الفتح بالأندلس وبدأ عهد الولاة، وبذلك أصبحت الأندلس ولاية من ولايات الدولة الأموية وقام بحكمها حوالي عشرين والي على مدار (42) عامًا، كان أول والي عليها عبد العزيز بن موسى بن نصير، وآخر والي يوسف بن عبد الرحمن الفهري.
3- عهد الإمارة (756- 929م)
سُميت هذه الفترة بفترة الأمارة الأموية وهي فترة تأسيس الإمارة، وذلك كانت عند سقوط الدولة الأموية وانفصال الأندلس عن الدولة العباسية وكان الحاكم الأول في الإمارة الأموية هو عبد الرحمن الداخل الملقب بصقر قريش والذي استمرت فترة حكمه (34) عامًا امتازت بالازدهار والتطور والاستقرار، ويُذكر أن الخليفة عبد الرحمن الداخل استطاع التغلب على أكثر من (25) ثورة في فترة حكمه.
4- عهد الخلافة (929- 1031)م
كان آخر الأمراء في عهد الإمارة هو عبدالله بن محمد، والذي استخلف من بعده حفيده عبد الرحمن الناصر، وكانت الأندلس آنذاك تعاني من الاضطرابات والتوترات، وكانت بحاجه إلى حاكم ينقذها مما تعيشه، وكان الأمير عبد الرحمن الثالث يتصف بالذكاء والشجاعة والعدل، وعندما بدأت فترة حكمه غير أحوال الأندلس من الضعف للقوة ومن الفرقة للاتحاد، فقام بقيادة الجيوش وقمع الثورات ووحد الأندلس من جديد، وبذلك بدأ عهد جديد في الأندلس هو عهد الخلافة الأموية.
استطاع عبد الرحمن الثالث النهوض بالدولة من جميع النواحي العسكرية والاقتصادية والعلمية، وأصبحت الأندلس في عهده أقوى دول العالم، وانتشر صيته، استمرت فترة حكمه حوالي خمسن عام، وتولى بعده ابنه الحكم المستنصر بالله والذي لم تطل فترة ولايته بسبب مرضه، واستخلف من بعده ابنه هشام بن الحكم.
كان عمر هشام بن الحكم آنذاك أحدى عشر عامًا، وكان وصي عليه محمد بن ابي عامر (الحاجب المنصور) والذي كان هو الحاكم الفعلي للأندلس، وتميز عهده بالقوة، واستخلف من بعده ابنه عبد الملك بن منصور والذي اتبع نظام والده في الحكم وكان يجاهد في سبيل الله مرتين كل عام، سُميت الدولة في عهده الدولة العامرية واستمرت حوالي (33) عام.
بعدما توفي عبد الملك بن المنصور، تولى الخلافة بعده اخوه عبد الرحمن بن المنصور، وكثُرت الفتن والثورات في عهده وتم قتله، وبموته انتهت الدولة العامرية وسقطت معها الخلافة الأموية في عام (1031)م.
5- عهد ملوك الطوائف (1031- 1086م)
كان من نتائج سقوط الخلافة الأموية ظهور عصر جديد هو عصر ملوك الطوائف، وكان من أسوأ الحقب التاريخية في الأندلس، حيث تم تقسيم البلاد إلى (7) مناطق رئيسية، وقام كل أمير بإعلان نفسه أمير على منطقته، لم تكن هذه الفترة طويلة إلأّ أنها اتسمت بالفرقة والنزاع، ومن الجدير بالذكر أنه تم تقسيم الأندلس إلى (22) دويلة.
6- عهد المرابطين (1086- 1146م)
في نهاية حكم ملوك الطوائف، قام الإسبان باستغلال تقسيم الأندلس إلى دويلات وبدأوا باحتلال المدن، وعند ذلك استغاث أحد ملوك الطوائف المعتمد بن عباد بأمير دولة المرابطين بالمغرب يوسف بن تاشفين، وقام الأمير بتلبية النداء وقاد جيشه وقاتل الإسبان في معركة الزلاقة في عام (1086)م ثم رجع إلى المغرب.
ظل الإسبان يهاجموا الأندلس، وازدادت الأوضاع سوء وعندها قرر شيوخ الأندلس الاستغاثة مرة أُخرى بيوسف بن تاشفين وطلب ضم الأندلس لدولته، واستطاع الانتصار في قمع تمرد الإسبان، وضم الأندلس، واتصفوا بالعدل والاستقرار والأمن، واستمرت فترة حكمهم حوالي (60) سنة.
7- عهد الموحدين (1146- 1244م)
انتهت دولة المرابطين وظهرت بعدها دولة الموحدين وهم اتباع محمد بن تومرت التي قاتلت المرابطين حوالي (25) عام، وسيطروا على أراضي المرابطين التي تشمل بلاد المغرب الكبير، وأصبحت الأندلس تحت رايتهم، حاربوا الإسبان وانتصروا عليهم في عدة معارك، وكان من أهم المعارك معركة الأرك، كثرت الخلافات والفتن واستغل الإسبان ذلك وانتصروا عليهم في معركه العقاب، وسيطروا على الكثير من المدن الأندلسية.
8- عهد بني الأحمر (1237- 1492م)
ضعفت دولة الموحدين في الأندلس، وازدادت الاضطرابات والخلافات في الدولة، وبدأ الإسبان بالسيطرة على الأندلس، وبدأت المدن بالسقوط مدينة تلو الأُخرى، بقيت فقط مدينة غرناطة تحت حكم المسلمين وظهر في هذه الفترة العصيبة أبو عبد الله محمد بن يوسف المعروف بابن الأحمر واستطاع أن يسيطر على مدينة غرناطة والتي بقيت تحت حكم المسلمين لمدة تقرب من (250) سنة، ولكنها سقطت أمام الإسبان في سنة (1492) م.
9- سقوط الاندلس الفعلي (1492)
في عام (895)هـ استمرت حملات الإسبان على المسلمين واستطاعوا إسقاط غرناطة وتوقيع وثيقة الاستسلام في عام (897 هـ 1492) م، وبدأت أبشع جرائم الإسبان في حق المسلمين، فقُتل ملايين من المسلمين وتم تعذيبهم وقتلهم، أو تنصريهم، وبذلك اُسدل الستار على أعظم الخلافات الإسلامية.