ضعف دولة السلاجقة وأثرها على الخلافة العباسية

اقرأ في هذا المقال


محاولة الخلفاء استعادة سلطتهم في الدولة:

على الرغم من أن سلاطين السلاجقة الأوائل استأثروا بالسلطة دون الخلفاء العباسيين، إلا أن مُعاملتهم كانت أفضل كثيراً من معاملة بني بويه لهم، فقد كان سلاطين السلاجقة يعملون على توسيع رُقعة دولتهم، فكان من الضروري لهم أن يكسبوا توسعهم على حساب الدويلات الضعيفة المجاورة صفة شرعية عن طريق اعتراف الخليفة العباسي بدولتهم وتأييده لهم.

إضافة إلى أن سلاطين السلاجقة المتحمسين للسنّة كانوا حريصين على بقاء الخلافة العباسية ليسهل لهم القضاء على منافسيهم من أنصار. والحصول على تأييد العالم الإسلامي السني. ويذكر بعض المؤرخين أن تبجيل السلاجقة للخلافة لم يكن اطلاقاً لإعتبارات سياسية، بل كان بدافع نبع من اعتقادهم بأنه الرئيس الروحي للعالم الاسلامي، وخليفة الله في أرضه.

وعلى هذا الأساس فقد كان اعتراف الخليفة العباسي بمن يتولى عرش السلاجقة أمراً أساسياً لاكساب حُكمه الصفة الشرعية التي يحتاجها السلطان للحصول على تأييد الناس الأمر الذي يعينه على الوقوف في وجه منافسيه على السلطنة. وهكذا كان كل أمير سلجوقي يصل إلى السلطنة يعمل على أن يعترف الخليفة بسلطانه، ويأمر بالدعاء له على المنابر، لإشعار الناس بموافقة الخلافة على تعيينه.

هذا فضلاً عن أن اعتراف الخليفة بالسلطان كان أمراً مُهماً لتأييد الجند له والتفافهم حوله. وليس أدل على حرص كل من الخلافة العباسية ودولة السلاجقة على أن تكون العلاقة بينهما حسنة ومتينة من تلك المصاهرات التي ربطت بين عدد من الخلفاء العباسيين وسلاطين السلاجقة.

ومن الواضح أن تلك المصاهرات كانت في أغلب الأحوال تحمل طابعاً سياسياً، فالسلاجقة أرادوا أن تربطهم بالخلافة العباسية رابطة وثيقة، وليس هناك أقوى من رابطة المصاهرة لتحقيق أغراضهم، بالأضافة إلى أنهم كانوا يؤملون أن يرزق الخليفة العباسي بولد من ابنة أحدهم، فيصبح هذا الحفيد خليفة فيضمنون بذلك ولاء الخلافة التام لدولتهم، أما الخلفاء العباسيون.

فيبدو أن هدفهم من تلك المصاهرات، كان ضمان استمرار حماية الدولة السلجوقية القوية للخلافة من الأخطار الخارجية، وحركات العصيان الداخلية، مما يُساعدهم على استعادة هيبتهم في نظر الناس، وهذا ما حدث فعلاً كما جاء في قول ابن الأثير: (فلمّا ملك السلجقية جددوا من هيبة الخلافة ما كان قد درس لا سيما في وزارة نظام الملك، فإنه أعاد الناموس والهيبة إلى أحسن حالاتها).

لم تأتِ سنة (485 هجري)، حتى كان سلاطين السلاجقة قد بسطوا نفوذهم على جميع بلاد ما وراء النهر ومعظم البلاد الإيرانية وسورية وفلسطين وأسيا الصغرى. وكان لتتأييد الخلافة المعنوي للسلاجقة أثر بارز في تلك الانتصارات، فصار الخليفة العباسي يبعث رسائل التهنئة، والتشجيع للسلطان السلجوقي، إثر كل معركة يخوضها الجيش السلجوقي.

وعلى سبيل المثال ورد في رسالة الخليفة القائم بأمر الله التي بعث بها للسلطان ألب ارسلان بعد انتصاره على الروم في سنة (463 هجري)، في موقعة (ملاذ كرد)، كثير من عبارات التأييد والتشجيع، ولقب الخليفة السلطان ألب ارسلان بأرفع، الألقاب: (الولد السيد الأجل، المؤيد المنصور المظفر، السلطان الأعظم مالك العرب والعجم، سيد ملوك الأمم، ضياء الدين، غياث المسلمين، ظهير الإيمان، كهف الأنام، عضد الدولة القاهرة تاج الملة الباهرة، سلطان ديار المسلمين، برهان أمير المؤمنين).

ضعف دولة السلاجقة وأثرها على الخلافة العباسية:

بعد وفاة السلطان ملكشاه في سنة (485 هجري)، كانت إيذاناً بنهاية عصر قوة ووحدة السلاجقة، وقام على إثر ذلك عصر جديد من الضعف والانقسام. وكان من أهم مظاهر العصر الجديد صراع أفراد البيت السلجوقي على السلطة دون وضع أي اعتبار للمصلحة العامة للدولة السلجوقية، حتى جاء الوقت الذي لم تعد فيه الدولة تخضع لسلطان واحد،‏ بل أصبح هُناك أكثر من سلطان في وقت واحد.

وكان من الطبيعي أن يؤدي هذا النزاع على العرش إلى صرف الأمراء السلاجقة المتناحرين عن متابعة السياسة المقررة للدولة السلجوقية وهي توسيع رقعة الدولة، ونصرة للإسلام والمسلمين. كما كان يفعل كل من طغرل بك وألب أرسلان وملكشاه، وأصبح اهتمام أولئك الأمراء موجهاً إلى القضاء على بعضهم البعض، حتى يخلوالجو للمنتصر منهم، مما أدّى إلى إضعاف السلطة المركزية للدولة السلجوقية.

أدّى هذا الصراع والتنافس بين أفراد البيت السلجوقي إلى اضعاف علاقة السلاطين بالخلفاء العباسيين،‏ وبالتالي اتخذت العلاقات السلجوقية العباسية طابعاً جديداً يختلف كل الإختلاف عن طابع العلاقات في عصر وحدة السلاجقة، وقد انتهز الخليفة المسترشد بالله (512 – 529 هجري)، ومن أتى بعده من الخلفاء فرصة ضعف وانقسام السلاجقة.

فأخذوا يعملون على استعادة ما كان للخلافة من سلطة، وذلك عن طريق التخلص من النفوذ السلجوقي، وساعد على ذلك عدم اتخاذ سلاطين السلاجقة مدينة بغداد عاصمة لهم في أية فترة من فترات حكمهم بحيث أصبح الخليفة العباسي بعيداً من تأثير النفوذ المباشر للسلطان السلجوقي.


شارك المقالة: