مراسم تعيين الوزير في العهد السلجوقي:
لم يحدث في العهد السلجوقي تغيير في النظام الذي كان يتبع في العهد البويهي عند تعيين الوزراء، وقد تضمنت كتب التاريخ والتراجم معلومات وافية عن تعيين الوزراء في العهد السلجوقي مما يعطينا صورة واضحة عن مراسيم تقليدهم الوزارة.
كان الخليفة العباسي يقوم بتمييز وزيره بناء على اطلاعه للشخص المرشح للوزارة وعلى درايه فيه بسبب لِمَا قام بتقديمه من خدمات للدولة تثبت كفايته لهذا المنصب. وعلى سبيل المثال استوزر الخليفة المقتفي لأمر الله عون الدين يحيى بن هبيرة بناء على ما بذله ابن هبيرة من جهد أثناء توليه ديوان الزمام، وما قدمه من آراء صائبة للخليفة بشأن علاقة الخلافة العباسية بالسلطنة السلجوقية.
وفي بعض الأوقات كان الخليفة يقوم بإستشارة المقربين إليه فيمن يرونه أهلاً لتولي وزارته، فيشيرون عليه بتولية شخص معين لخبرته الإدارية وأمانته، فيقبل الخليفة تزكيتهم، ويسند وزارته إلى ذلك الشخص، وهذا ما حدث عندما أستوزر الخليفة القائم بأمر الله أبا الفتح منصور ابن أحمد بن دارست سنة (453 هجري).
وقد ينتج أن يقوم السلطان السلجوقي بترشيح شخصاً موثوقاً ليكون وزيراً للخليفة، فيوافِ الخليفة على ترشيح السلطان أو يرفضه كما حدث عندما رفض الخليفة القائم بأمر الله ترشيح السلطان ألب ارسلان لأبي العلاء محمد بن الحسين في سنة (464 هجري)، بينما قَبِلَ الخليفة المسترشد بالله في سنة (516 هجري)، مترشيح السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه لأحمد بن نظام الملك، واستوزره الخليفة فعلاً.
إذا استقر رأي الخليفة على إسناد منصب الوزارة إلى شخص معين، أمر باستدعائه إلى دار الخلافة، وفي اليوم المقرر لإجراء مراسيم التعيين يحضر الشخص المرشح إلى دار الخلافة ومعه كبار رجال الدولة مثل قاضي القضاة، وصاحب المخزن وكاتب الإنشاء، وحاجب دار الخلافة فيبلغ الخليفة الشخص المرشح مشافهة باختياره وزيراً له، ويخلع عليه خلع الوزارة، وتشمل جبة وعمامة وسيفاً ومركباً وفرساً، ويسلم إليه العهد بالوزارة.
ثم يركب الوزير من دار الخلافة إلى مقر الوزارة، والناس بين يديه، ومن بينهم كبار رجال الدولة، وعندما يجلس في دست الوزارة يقرأ كاتب الانشاء عهد الخليفة له بالوزارة. ويختتم الحفل بقراءة ما تيسر من القرآن، وإنشاد ما نظمه الشعراء لهذه المناسبة من مدائح. وكان على الوزير الجديد إذا وصل إلى الديوان، وجلس في دست الوزارة أن يُبادر إلى كتابة رسالة للخليفة تتضمن الدعاء والثناء له اشعاراً بتسلمه مهام منصبه.
وكان الخليفة في بعض الأحيان يسند الوزارة إلى شخص معين، ولا يخلع عليه خلع الوزارة، ولا يكتب له عهداً بها، كما حدث عندما استوزر الخليفة المسترشد بالله في سنة (512 هجري)، عضد الدولة أبا شجاع بن نظام الدين بن الحسين بن أبي شجاع. ومن المحتمل أن يكون الخليفة اتبع هذه الخطة في تعيين هذا الوزير لعدم اقتناعه بكفاءته.
كان الخليفة العباسي إذا ما أراد أن يقوم بتكريم من يُميزه للوزارة أو لنيابة الوزارة من الزيادة، أصدر توقيعاً موجزاً، يثني فيه على الشخص المرشح ويشيد فيه بصفاته الحميدة ليرفع من شأنه أمام الناس. ويذكر ابن طباطبا أنّ الخليفة الناصر لدين الله لمّا استوزر وزيره مؤيد الدين محمد بن برز القمي، خرج من حضرته مكتوب لطيف بخط الخليفة نفسه فقرئ على الحضور، فكان فيه ما يلي:
“بسم الله الرحمن الرحيم، محمد بن برز القمي، نائبنا في البلاد والعباد، فمن أطاعه فقد أطاعنا، ومن أطاعنا فقد أطاع الله، ومن أطاع الله أدخله الجنة، ومن عصاه فقد عصانا، ومن عصانا فقد عصى الله ومن عصى الله أدخله النار”.
وكانت اجراءات تعيين نائب الوزير لا يكون فيها الاختلاف كثيراً عما كان يتبع عند تعيين الوزير غير أن الخليفة كان ينيب عنه من يتولى تقليد نائب الوزير وتسليمه العهد ومنحه الخلع.
راتب الوزير في العهد السلجوقي:
كان من الطبيعي أن يستلم الوزير في العهد السلجوقي راتباً بسيطاً ونظامياً سواء كان وزيراً للخليفة العباسي أو وزيراً للسلطان السلجوقي على اعتبار أنه يتقلد منصباً من مناصب الدولة. وهكذا كان الحال في العهد البويهي. غير أن المصادر التي بين أيدينا لا تقدم لنا من المعلومات ما يساعد على اعطاء صورة واضحة عن راتب الوزير ونفقاته.
وكان بعض الذين تولوا هذا المنصب في العهد السلجوقي من الأثرياء ولم يكن الراتب الشهري دافعاً لهم للتطلع إلى الوزارة، فالوزير أبو الفتح منصور بن أحمد بن دارست، وزير الخليفة القائم بأمر الله كان من كبار التجار في شيراز، ولم يتقاض مرتباً أثناء وزارته للخليفة. وكان الوزير ظهير الدين أبو شجاع الروذراوري يملك حين تولى الوزارة في سنة (476 هجري)، مبلغ ستمائة ألف دينار.
كذلك كان أولاد الوزير نظام الملك الطوسي الذين تعاقبوا في وزارة سلاطين السلاجقة أثرياء، ولم يكن همهم أن يتقاضوا مرتبات من خزينة الدولة بقدر حرصهم على تقلد المنصب، ويذكر الراوندي أن فخر الملك بن نظام الملك قدم للسلطان بركياروق عند توليه الوزارة هدية عظيمة من التحف والآلات والخيام والطبول والأسلحة والأدوات المرصعة بالجواهر، والخيول العربية الفارهة، والصقور المدربة على الصيد والدروع الجميلة. كما أن والده نظام الملك كان يُنفق في كل سنة على الفقهاء والقراء والمتصوفين ستمائة ألف دينار، وقيل سبعمائة ألف دينار.
ونستدل مما ذكره ابن الأثير والقزويني عند تحدثهما عن الوزير السلجوقي نظام الملك الطوسي أنه كان يتقاضى مُرتباً سنوياً قدره عشر دخل الدولة السلجوقية. ويبدوأن هذا المرتب كان يصرف لمن جاء بعده من الوزراء أسوة به. هذا فضلاً عن الاقطاعات التي كان يقطعها سلاطين السلاجقة لوزرائهم. ويذكر ابن الأثير أن السلطان ملكشاه أقطع وزيره نظام الملك في سنة (465 هجري)، اقطاعات جديدة كان من جملتها مدينة طوس.
أما عن راتب وزير الخليفة العباسي فقد زاد زيادة ملحوظة في العهد السلجوقي، فبينما كان راتب الوزير البويهي خمسين ألف دينار في العام أصبح راتب وزير الخليفة في عهد سلاطين السلاجقة مائة ألف دينار. وكان راتب نائب الوزير ينقص كثيراً عن راتب الوزير، ويذكر الأيوبي أن من يلي نيابة الوزارة كان يمنح إقطاعاً حاصله عشرة آلاف دينار في السنة.
ويبدو أن السبب في هذا التباين الكبير بين راتب الوزير، وراتب نائب الوزير يرجع إلى أن عمل نائب الوزير لم يكن مقصوراً على نيابة الوزارة بل كان في الغالب مسؤولاً عن إحدى الوظائف الكبرى في الدولة ويتقاضى راتباً عنها. وسنرى فيما بعد أنَّ معظم نواب الوزراء كانوا من بين قضاة القضاة وكُتاب الإنشاء ونقباء النقباء وما إلى ذلك.
كان للوزير ونائبه إلى جانب الراتب المحدد لهما دخول أخرى تأتي على شكل هبات أو اقطاعات. فمنح الخليفة المقتدي بأمر الله وزيره ظهير الدين أبا شجاع الروذ راوري في سنة (477 هجري)، اقطاعاً ببضعة عشر ألف دينار. وفي سنة (513 هجري)، أقطع السلطان سنجر وزير الخليفة جلال الدين بن صدقة اقطاعاً يدر عشرة آلاف دينار في السنة.
ولمّا تمكن الخليفة المقتفي لأمر الله في استرجاع سُلطته في العراق قام بإقطاع وزيره عون الدين يحيى بن هبيرة جميع ما كان لوزير السلطان السلجوقي وعماله في بلاد العراق من اقطاعات. كما أقطع الخليفة المستضيء بنور الله في سنة (566 هجري)، وزيره عضد الدولة أبا الفرج بن رئيس الرؤساء (الحِلَّة) وأعمالها.