يصنف بعض علماء الاجتماع المشاكل الاجتماعية على أساس مسبب الفعل، حيث هناك عدد كبير من المشاكل الاجتماعية التي تحدث بسبب فعل فردي وهناك العديد من المشاكل الاجتماعية التي تحدث بسبب فعل الجماعة، ولكن في هذا المقال سيتم التطرق إلى الدور الذي تلعبه أو تشارك به الدولة في حل المشاكل الاجتماعية المختلفة، إذ ناقش علماء الاجتماع المشكلات الاجتماعية التي تشارك بها الدولة بالحل والمشكلات التي تكون مشاركة الدولة فيها ضئيلة.
مشاركة الدولة في حل المشاكل الاجتماعية
يرى علماء الاجتماع أن هناك جدال حول مشاركة الدولة في حل المشاكل الاجتماعية، إذ يرى بعض علماء الاجتماع أن الأمر يتعلق بالمشكلات التي تسببها الإجراءات الفردية في مكان خاص، فإن دور الدولة كمزود للحلول يكون ضئيلاً للغاية، ويشير علماء الاجتماع إلى أن مشكلة العنف ضد المرأة آخذ في الازدياد، وعدد قليل جداً من الأفراد يدفعون ضريبة الدخل، ويبدو أن إدمان الكحول يؤثر على المزيد والمزيد من الناس، والمشاكل الاجتماعية في ازدياد، والسؤال الكبير هو من المسؤول الأول عن حل هذه المشاكل؟
أن الاعتقاد بأن الدولة مسؤولة عن رعاية جميع جوانب حياة مواطنيها متأصل بقوة في أذهان كل الناس تقريبًا، لذلك عندما يتعلق الأمر بحل المشاكل في المجتمع من إبعاد القمامة عن الطرق إلى التخفيف من مشكلة الاتجار بالأطفال، فإن الجميع يفترض أن الحكومة وحدها هي المسؤولة عن حل هذه المشاكل، كما أن كل المشاكل في المجتمع ليست متشابهة، وعندما يتعلق الأمر بمشكلة مثل الإرهاب فلا شك أن الحكومة هي الأفضل تجهيزًا لحل المشكلة، وعندما يتعلق الأمر بالتخفيف من مشكلة التحرش الجنسي بالأطفال، فهل يمكن اتهام الحكومة بالتقاعس؟
ويرى علماء الاجتماع أن رسم المشاكل التي يتم مواجهتها يكون على طول مسارين متواصلين، وتتعلق إحدى السلاسل المتصلة بالمشكلات التي تحدث في المساحة الشخصية للفرد إلى المشكلات التي تحدث في الأماكن العامة، وتتعلق السلسلة الأخرى بالمشكلات التي تحدث بسبب الفعل الفردي لتلك المشكلات التي تحدث بسبب عمل المجموعة.
وبناءً على هذا البناء يمكن تصنيف المشكلات الاجتماعية على أنها تلك التي تحدث بسبب الفعل الفردي في الأماكن الخاصة، على سبيل المثال الخيانة الزوجية، والعمل الفردي في الأماكن العامة، على سبيل المثال التغوط في العراء، والعمل الجماعي في الفضاء الشخصي، على سبيل المثال جرائم الشرف، والعمل الجماعي في الأماكن العامة، على سبيل المثال انتشار الأمراض المعدية.
وتلعب الدولة دورًا مهمًا في المشاركة في حل المشكلات الاجتماعية التي تحدث في الأماكن العامة، وإشراك مجموعة من الناس، ولكن عندما يتعلق الأمر بمشاكل مثل العنف الجنسي ومشكلة السمنة، وليس تقديم الإقرارات الضريبية، وما إلى ذلك، والتي تنتج عن عمل فردي في مكان خاص، فإن دور الدولة كمزود وكمشارك للحل يكون ضئيلًا للغاية، ولكن نظرًا لميل الناس المتأصل إلى الاعتماد على الحكومة في كل شيء، فإنهم يتوقعون من الدولة حل هذه المشكلات أيضًا.
فمشكلة إدمان الكحول مشكلة تحدث في الغالب بسبب تصرف الفرد، وقد تحدث جوانب معينة من المشكلة من شراء المنتج، وإلى حد ما استهلاك المنتج في الأماكن العامة، ولكن دون إدراك أن إدمان الكحول هو في الغالب مشكلة الفرد، وتحاول الدول حل هذه المشكلة، فالحكومات تفعل ما في وسعها، حيث أنها تحظر أو تتحكم في بيع واستهلاك المشروبات الكحولية في الأماكن العامة وفي جميع أنحاء العالم، وما تم القيام به هو دفع شراء واستهلاك الكحول إلى الأماكن الخاصة حيث يصعب تطبيق القانون.
إدارة الدولة للمشكلات الاجتماعية
أصبحت إدارة العديد من المشكلات الاجتماعية الأخرى معقدة لأن الإجراء المعني غير ضار وفي بعض الأحيان يعتبر جيدًا على المدى القصير، على سبيل المثال لا يمكن للمرء أن يجد خطأ في تناول شخص ما شوكولاتة، ويحصل الإجراء على علامة المشكلة الاجتماعية فقط عندما يفرط الشخص في تناول الشوكولاتة كل يوم ويجمع بين هذا الإجراء والتقاعس وعدم القيام بتمارين بدنية كافية.
فهل يتوقع الناس من الحكومة إصدار تشريع يحدد كمية الشوكولاتة التي يمكن للفرد تناولها كل يوم أم يتوقع من الحكومة فرض غرامات على الأشخاص الذين لا يمارسون الرياضة كل يوم؟ والحقيقة هي أن الحكومة لا تستطيع فعل الكثير لحل المشاكل الاجتماعية التي يسببها الفرد في مساحته الشخصية، فالشخص الوحيد الذي يمكنه فعل أي شيء لحل هذا النوع من المشاكل هو الفرد نفسه.
وقد أوضح علماء الاجتماع كيف يمكن للدولة أن تطور حلولاً لهذه المشاكل الاجتماعية وذلك من خلال ما يلي:
أولاً، تحتاج الدولة إلى فهم معالم المشكلة الاجتماعية جيدًا، نظرًا لأن المشكلة تحدث في المساحة الشخصية للفرد، فليس من السهل دراسة مثل هذا السلوك، وتشير الدراسات إلى إنه في حالات الاستغلال الجنسي للأطفال، في أكثر من 90٪ من الحالات، يكون الجاني من أقرب الأقارب للطفل، وفي حالة عدم وجود آلية فعالة للتعمق في المشكلة وفهم سبب قيام أحد الأقارب من الدرجة الأولى بالانخراط في مثل هذه الأعمال الدنيئة، وفقط عندما يتم فهم سبب قيامه بما يفعله يمكن تطوير تدخلات من قبل الدولة لحماية الأطفال بشكل فعال.
ثانياً، لتطوير حلول فعالة يجب أن تكون الحكومات أو الدولة قادرة أيضًا على فهم الجروح العاطفية العميقة التي تسببها مشكلة الجريمة في الضحية.
ثالثاً، تساعد التطورات في مجالات علم الأعصاب الإدراكي والاقتصاد السلوكي الآن في الحصول على فهم أفضل للمشكلات الاجتماعية التي تحدث بسبب العمل الفردي في المساحات الشخصية.
رابعاً، تحدث العديد من المشاكل الاجتماعية بسبب أوجه القصور والتحيزات في المجتمع البشري، وهذا يستوجب من الدولة تحديد هذا القصور وهذا التحيز، على سبيل المثال يواجه المجتمع البشري صعوبة كبيرة في توقع عواقب أفعال المرء في المستقبل، خاصة إذا كان الفعل الحالي يعتبر غير مهم لخطورة المشكلة، فقبل أن يقوم الشخص بفعل يؤدي إلى الحضيض، لا يمكنه تصور كيف يمكن أن يساهم هذا الفعل في حدوث المشكلة الاجتماعية.
خامساً، من الجوانب المدهشة الأخرى للسلوك البشري أن إخفاء الهوية من أي نوع يقلل من الإحساس بالمساءلة الشخصية والمسؤولية المدنية عن أفعال الفرد، ضمانًا لسياق مجهول، ويظهر أثره في البشر جميعًا، وأدراك الدولة لهذا السلوك وتحديد المسؤولية يساعد على حل المشاكل الاجتماعية.
وإن فهم هذه التقلبات وغيرها من التقلبات البشرية يذكر بأن إدارة عمل الفرد في مساحة شخصية ليست مهمة سهلة، ولا يتوقع العلماء الكثير من المساعدة من الحكومة في هذه الجبهة.