من وجهة نظر علماء الاجتماع يعتبر التحرش سلوك معادي وغير مرغوب به قائم على التمييز على أساس النوع الاجتماعي وموجود في جميع المجتمعات ومختلف البيئات، وأيضاً يحاكم عليه قانونياً، والسلوك التحرش ليس مقصور على التحرش بالنساء فقط بل قد يتعرض له الذكور والأطفال ولكن النسبة الأكبر للنساء.
تعريف مشكلة التحرش كظاهرة اجتماعية
بدأ استخدام مصطلح التحرش في المحاكم في السبعينيات من القرن الماضي لوصف شكل من أشكال التمييز القائم على النوع الاجتماعي في المجتمع وفي مكان العمل، حيث هناك نوعان من أشكال التحرش المعترف بهما قانونًا، ففي مكان العمل يرتبط التحرش بالمقايضة والتحرش الجنسي في بيئة معادية، وفي المقابل يشكل الجنس غير المرغوب فيه أو السلوك المرتبط بالجنس مصطلحًا أو شرطًا للتوظيف أو التقدم في العمل، على سبيل المثال قد يطلب صاحب العمل من الموظفين تحمل التقدم الجنسي لصاحب العمل للحفاظ على الوظيفة أو الحصول على ترقيات.
أما التحرش في بيئة معادية فقد يؤدي الجنس غير المرغوب فيه أو السلوك المرتبط بالجنس إلى خلق بيئة عمل مخيفة أو معادية أو مسيئة، على سبيل المثال قد يشعر الموظفون بالإهانة من عرض زملائهم في العمل للمواد الإباحية في مكان العمل، ووجد علماء الاجتماع إنه وعلى الرغم من أن القانون لا ينص على جنس مرتكب التحرش الجنسي أو هدفه إلا أن معظم الجناة كانوا ذكورًا ومعظم المستهدفين من الإناث، ومن الأمور المركزية في التعريف القانوني للتحرش فكرة أن التحرش الجنسي هو سلوك غير مرحب به أو غير مرغوب فيه.
ويعتمد ما إذا كان السلوك يعتبر غير مرحب به في نهاية المطاف على التفسيرات التي يقدمها الهدف من السلوك، وعند تحديد ما إذا كان هناك شيء ما يشكل تحرشًا جنسيًا تنظر المحاكم القانونية في ما إذا كان شخص عاقل مشابه للهدف سيحكم على مثل هذا السلوك على إنه غير مرحب به في ظل ظروف مماثلة، وعلى الصعيد الدولي هناك اختلافات في كل من الفهم القانوني والعلمي للتحرش الجنسي عبر البلدان، ومع ذلك منذ أن تمت صياغة المصطلح لأول مرة كان هناك اتفاق وأجماع على ما يعتبر سلوك غير مرحب به في نهاية المطاف.
بحوث مشكلة التحرش كظاهرة اجتماعية
كانت معظم الدراسات المبكرة للتحرش في العلوم الاجتماعية تهدف في المقام الأول إلى التقاط تجارب التحرش للنساء في مكان العمل، وعلى الرغم من أن باحثي الاستقصاء المختلفين قد ابتكروا طرقًا مختلفة لتعريف التحرش عمليًا، فإن أكثر التجارب شيوعًا لسلوك التحرش التي أبلغت عنها النساء في مكان العمل تسمى بشكل عام التحرش الجنسي.
التحرش الجنسي هو في الأساس معاملة جنسية علنية للمرأة، وقد يشمل أشياء مثل إخبارهن بأن النساء غير قادرات على أداء وظيفة لأنهن نساء أو اضطرارهن لتحمل سلسلة من الصفات المسيئة والمتحيزة جنسياً من زملاء العمل أو المشرفين أو إغراقهن بالصور الإباحية المسيئة في العمل، وليس الهدف من التحرش الجنسي هو الوصول الجنسي إلى الهدف، بدلاً من ذلك هو التعبير عن المواقف العدائية على أساس جنس الهدف، والتجربة التالية الأكثر شيوعًا التي أبلغت عنها النساء العاملات في الدراسات الاستقصائية تسمى الاهتمام الجنسي غير المرغوب فيه.
قد يشمل هذا النوع من التحرش الجنسي السلوك اللفظي مثل الطلبات المستمرة للمواعدة على الرغم من الرفض والسلوك غير اللفظي مثل اللمس الجنسي غير المرغوب فيه والإيماءات الجنسية، والنوع الثالث والأندر من سلوك التحرش الجنسي الموثق من الدراسات الاستقصائية للعاملات هو الإكراه الجنسي، والإكراه الجنسي هو في الأساس مرادف للمصطلح القانوني مقابل التحرش الجنسي، أي إنها تحاول استخدام التهديدات أو الرشاوى للوصول الجنسي إلى هدف.
وعندما بدأ البحث في استكشاف الرجال والنساء على حد سواء باعتبارهم أهدافًا محتملة لسلوك التحرش الجنسي، أصبح من الواضح إنه على الرغم من أن الرجال كانوا أقل استهدافًا إلا أن نسبة كبيرة من الرجال تعرضوا أيضًا لمثل هذا السلوك، بالإضافة إلى ذلك تم تحديد شكل من أشكال التحرش الجنسي يسمى أحيانًا إنفاذ دور الجنس أو تحديات للهوية الجنسية كتجربة للرجال، ويتضمن هذا الشكل من سلوك التحرش الجنسي السخرية من الرجال الذين لا يتوافقون مع الصور النمطية الذكورية.
وقد كرس علماء الاجتماع قدرًا كبيرًا من الاهتمام لدراسة العوامل التي تؤثر على تفسيرات السلوكيات على أنها تحرش جنسي، وعلى الرغم من أن النساء والرجال يتفقون في كثير من الأحيان أكثر مما يختلفون بشأن ما يجب اعتباره تحرشًا جنسيًا، فقد وُجد أن النساء يفسرن نطاقًا أوسع من السلوكيات على أنها تحرش جنسي محتمل، وتقل احتمالية الاختلاف بين النساء والرجال عندما يتعلق الأمر بالسلوكيات الأكثر قسوة مثل الإكراه الجنسي، ومن المرجح أن يظهروا بعض الاختلاف عندما يتعلق الأمر بالسلوكيات الأقل خطورة مثل الاهتمام الجنسي غير المرغوب فيه والتحرش الجنسي.
حيث إن تصنيف تجارب المرء على أنها تحرش جنسي يرتبط جزئيًا بتواترها وخطورة عواقب هذه التجارب، إذ أن كثير من الناس الذين لا يصنفون تجاربهم على أنها تحرش جنسي يعانون مع ذلك من آثار نفسية سلبية نتيجة تعرضهم لسلوك تحرش جنسي، وقد يُعتبر التعرض لسلوك التحرش الجنسي في العمل شكلاً من أشكال الضغط المرتبط بالعمل وله عواقب سلبية على الحياة الشخصية والمهنية للرجال والنساء.
ووجدت الأبحاث في العلوم الاجتماعية أن سلوك التحرش الجنسي من المرجح أن يحدث في البيئات التنظيمية حيث يتم التسامح مع مثل هذا السلوك أو التغاضي عنه، حيث أن الوظائف الذكورية بشكل تقليدي حيث يهيمن الرجال على الأرقام هي أماكن يكون فيها سلوك التحرش الجنسي أكثر احتمالًا أيضًا، وكما ذكر علماء الاجتماع فإن معظم الجناة من الرجال لكن الباحثين وجدوا أن الرجال يختلفون بشكل كبير في ميولهم إلى سلوك التحرش الجنسي.
ويبدو أن الفروق الفردية في عمليات الإدراك الاجتماعي الأساسية مثل ربط الأفكار حول الجنسانية بأفكار حول القوة الاجتماعية مرتبطة بميول الذكور لبعض أشكال سلوك التحرش الجنسي.
التدخلات لمشكلة التحرش كظاهرة اجتماعية
أسفرت إسهامات علماء الاجتماع حول التدخلات المصممة لتقليل سلوك التحرش الجنسي عن نتائج مختلطة، فعلى الرغم من أن المشاركين في البرامج التدريبية والتعليمية التي يتم إجراؤها في السياقات التنظيمية يشيرون عمومًا إلى أن مثل هذه التجارب مفيدة إلا أن هناك القليل من الأدلة على أن مجرد التجربة أو حتى شمول التدريب يقلل بالفعل من معدلات التحرش الجنسي في المنظمات، وفي الواقع وجدت بعض الدراسات زيادة في الإبلاغ عن التحرش الجنسي بعد التدريب وربما يعزى ذلك إلى تعزيز الوعي.
وتتمثل إحدى الطرق الممكنة التي يمكن أن يكون للتدريب في منظمة ما بها تأثير إيجابي ببساطة عن طريق إبلاغ الموظفين بأن الإدارة تأخذ الموضوع على محمل الجد وتوفير الوعي بآليات الأهداف للإبلاغ عن الشكاوى.