مشكلة العنف بشكل عام تختلف أنماطها وأساليبها، وتمثل مشكلة عالمية وبشكل خاص خلال الفترة الأخيرة، كما أنّ هناك اهتمام دولي لمشكلة العنف الحضري ونرى ذلك من خلال المؤتمرات الدولية والعمل على وضع القوانين والتشريعات وفرض العقوبات على بعض الدول المسؤولة عن تصدير العنف.
عوامل العنف الحضري:
إنّ مشكلة العنف الحضري مرتبطة بالمشاكل الأخرى مثل: الأمية والبطالة والجريمة والفقر وفي نفس الوقت تعتبر مرتبطة بالمشكلات الاجتماعية العامة، وهذه المشكلة معقدة ومتشابكة ومن أجل فهمها وتحليلها يجب فهم جميع الجوانب والتأثيرات النفسية للعوامل المختلفة المسببة لها.
كما أنّ مفهوم العنف الحضري يُعَد مفهوم غامض وإيجاد تعريف نظري واضح أمر صعب، حيث أنّ أنّ محاولة وضع خط فاصل بين العنف الريفي والعنف الحضري، تُعَد محاولة صعبة ومشوشة وذلك بسبب أنّ معدلات ونسب الهاربين من العدالة وسارقين السيارات واللصوص المسلحين والقتلة وأشكال العنف الأخرى، يمكن أنّ تحدث في المناطق الريفية، وأنّ الفارق بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية هي شِدة الحدوث ومعدل حدوث العنف.
نمط الحياة الريفي يختلف عن نمط الحياة الحضري، ومعظم الأفراد الذين يعيشون في المناطق الحضرية هم أفراد محرومين ومحبطين، وهناك وجود لثلاث أنواع من العنف الحضري وأنّ هذه الأنواع بصلة مباشرة بطبيعة الصراع الحضاري، ومدى تأثيره وتتمثل في:
العنف السياسي: والذي يشتمل على العنف الموجه ضد الدولة، وردود فعل الدولة ضد المشاغبين والعنف العرقي والعنف الإجرامي، حيث أنّ معظم البحوث التي أجريت على العنف المدني ركزت على العنف السياسي، والذي يأخذ شكل مختلف مثل: الشغب والتمرد والعصيان والثورة والحرب المدنية، وهو عنف جماعي بشكل عام في الدولة، وذلك لعدم رضاه عن أداء الدولة.
والعنف العرقي أو العنصري أو الديني أو الاجرامي يشمل على السطو والقتل، وتختلف مصادر هذا العنف ولكن لا تفتقر إلى المضمون بالمعنى السياسي من خطورة مشكلة العنف بشكل عام والعنف الحضري بشكل خاص.
أنّ أغلب نظريات التحديث الأولى لم تهتم بدراسة المشكلة في البلدان النامية، واكتشف بعض الدارسين والمنظرين المهتمين بدراسة هذه المشكلة الإشارة إلى العملية والتعبير عن المصالح، كما أن النمو الحضري المتزايد الذي لاحظته المدن الكبرى في العالم يُعَد أحد العوامل الأساسية المسببة في ارتفاع معدلات العنف الحضري وبشكل خاص في البلدان النامية.
ويعود ذلك إلى عدم التوازن بين النمو الحضري ومعدلات النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية وازدياد معدلات الفقر والفقراء الحضريين، كما أن هناك وجود علاقة بين النمو الحضري والعنف يرجع إلى زمن بعيد، حيث كلما زادت كثافة السكان في البلدان النامية أصبح العنف الاجتماعي والسياسي الذي تسبب فيه النمو الحضري الذي يفوق قدرات وإمكانيات المؤسسات الحكومية في كل الدول والمجتمع.
تزيد كمية العنف كلما زادت الهجرة من المجتمع الريفي إلى المجتمع الحضري أو المدينة الحضرية الذي يتسبب في إحباط توقعات المهاجرين من أجل تحسين الوضع الاقتصادي وتغيير الوضع الاجتماعي، والحراك الاجتماعي يسبب العنف الحضري.
كما قام العالم (واين كورنلس) بفرض ثلاثة فرضيات تفسر العنف السياسي من قبل المهاجرين وهي:
الفرضية الأولى: والتي تتمثل في أنّ الهجرة من الريف إلى المدينة تسبب إحباط اقتصادي للمهاجرين، مما يؤدى إلى زيادة مشاعر الحرمان النسبي لدى المهاجر، والذي يعمل على زيادة احتمالية التورط في نشاط سياسي راديكالي.
الفرضية الثانية: التي تتمثل في أنّ المهاجرين الذين يعانون من مشكلات التكيف الاجتماعي والنفسي في البيئة الحضرية سيؤدي إلى صراعات ثقافية، وما يترتب عليها من مشاكل واختلاف العادات والتقاليد وتؤدي إلى حدوث أزمة في هويته وشخصيته، مما يزيد من انهيار روابط الجماعة الأولية وضعف الروابط الاجتماعية، وبالتالي يسعى المهاجرون للدخول في جماعات جديدة تعمل على حمايتهم لأنها تكون مستعدة للقيام بحركات سياسية متطرفة.
الفرضية الثالثة: هي أنّ الهجرة من مجتمع الريف إلى المدينة الحضرية تعمل على زيادة الوعي السياسي والمعارضة الراديكالية، وبالتالي البيئة الحضرية تسمح في مستويات عالية من التواصل الاجتماعي وقد تتسبب منافسات شديدة بين الجماعات الموجودة في النشاط السياسي المنظم، يكون واضح ويساعد على تأسيس المهاجر أو يدفع المهاجر إلى الانضمام للأحزاب السياسية المعارضة والدخول في حركات الاحتجاج العدواني.
وعلى الرغم من أهمية الفرضيات التي وضعها هذا العالم في تحليل أسباب العنف الحضري، لكنه يعتمد على عامل واحد واعتبره هو الأساسي والوحيد الذي يفرز العنف في النهاية، وهذا العامل يتمثل في الهجرة الحضرية والريفية وعلى الرغم من أهمية العامل في التفسير العام لهذه المشكلة في تفسير العديد من المشكلات الحضرية في المجتمعات النامية والبلدان النامية.
والتي تُعَد مشكلة العنف من أهمها وأخطرها إلا أنه ليس العامل الوحيد، هناك عوامل أخرى مرتبطة ومتشابكة ترتبط البنية الاقتصادية الحضرية و مشكلة تتعلق البطالة والفقر والأمية والعدالة الاجتماعية وتوزيع فرص العمل، والأوضاع السكانية والبيئية.
كما أنّ هناك بعض العوامل التي ترتبط بسياسات التخطيط والتنمية الحضرية والممارسات القمعية التي تمارسها الحكومات والأنظمة السياسية وعوامل ومتغيرات خارجية، والتي تؤكد على أن حقيقة المشكلة يجب فهمها ومواجهتها دون وضعها في سياقها المجتمعي والعالمي.