مِمّا لا يمكن تلافيهِ عند الحديث عن الفقر هو أنْ ننتبه إلى معاييره الأساسية في تحديد من هو الفقير، أو ما هي مقاييس العدالة الاقتصادية ؟ في الواقع هناك معياران مستخدمان في هذا الموضوع هما الدَّخل والثروة.
الدخل والثروة
يُشير مفهوم الدَّخل إلى كمّية المال الذي يحصل عليه الفرد من عملهِ سنوياً، أي أُجرته اليومية مضروبة بعدد أيام السنة، وتُشير الثروة إلى مجموع ما يَملكه الفرد من عقار وممّتلكات شخصية وأسهم وسَندات ونَقد.
ولكنْ دِقّة المعلومات عن دخلِ الفرد تكون أوضح من دِقّة المعلومات عن مجموع ثروة الفرد؛ بسبب معرفة الدولة لدخول الأفراد أكثر من ثرواتهم لأنَّ الدولة لا تُسجّل ثروات أبنائها وتُعلنها على الرأي العام. ومن الطبيعي أنْ يتصل توزيع الدخل والثروة بالغني والفقير ومستوى العيش وموقف الغني من الفقير وبالعكس. لا بل حتّى موقف كل فئة تِجاه ذاتها. فالفقراء يفتقرون إلى الحريّة الشخصية والاستقلال الذاتي ويعيشون وسط بيئة إجرامية وجيرة بائسة، ويواجهون مُغريات الحياة المتنوّعة التي يرغبون في اقتنائها لكنَّهم غير قادرين على الحصول عليها إلّا نادراً لأنَّ فرص الحصول عليها عندهم ضئيلة أو قليلة.
بينما الغني يملك الثروة فتمنحه الحرية والنفوذ والسُّلطة الاجتماعية والقدرة على توجيه حياته الخاصة. فالذي يستطيع أنْ يختار ويحصل على الأشياء التي تفرّحه وتجلب له المَسرَّة ويَدفع ثمنها من ثروتِه، وهذا غير متوفر عند الفقراء. ويحصل أطفال الأغنياء على أفضل الأشياء وأغلاها ويأخذ أفضل الضمانات لكي يبقى مُحافظاً على مستواه المعاشي واعتباره الاجتماعي. بينما مثل هذا غير وارد عند أطفال الفقراء وإذا حصل بعض الشيء فيكون بشِق الأُنفس وبكلفة غالية ويزداد البؤساء بؤساً في المجتمعات المادية، إذ يحكم الناس على الأفراد من خلال ما يملكوه من ماديات وهنا يُحكَم على الفقير بالبؤس المزمن الميؤوس من تغييره.
المعيار النسبي والمطلق للفقر
على الرَّغم من استخدام الدَّخل والثروة في مقياس غِنى النَّاس وفَقرهم فإنَّ هذين المعيارين يُستخدمان لقياس نوعين من معايير الفقر وهما المعيار المُطلق والمعيار النّسبي. ففي المعيار النّسبي يٌعبر عن الدخل القليل والثروة القليلة. فالفرد لديه دخل مالي قليل وثروة قليلة أكثر من معدل الفرد العامّ في المجتمع أي دخل يستطيع أنْ يعيش به على الكَفاف. بينما المعيار المُطلق يقيس نقص ضروريات الحياة كقاعدة أساسية لقياس خطّ الفقر في حدوده الدّنيا.