معركة المصارة الأموية
وقعت أحداث هذه المعركة بين كل من قوات الوالي يوسف بن عبد الرحمن الفهري وهو الذي كان آخر الولاة في الأندلس، وجيش عبد الرحمن بن معاوية الملقب بصقر قريش وهو أول أمراء الأندلس، وكانت نتيجة المعركة انتصار عبد الرحمن بن معاوية وهروب يوسف الفهري، وبعد انتهاء المعركة تم مبايعة عبد الرحمن بن معاوية أميراً على الأندلس، وسميت هذه المعركة معركة ألاميدا.
ما قبل معركة المصارة الأموية
بعد سقوط الخلافة الأموية وتولي الخلافة العباسية تم قتل جميع أفراد السلالة الأموية الحاكمة ولكن الحظ حالف عبدالرحمن بن معاوية الملقب بالداخل وتمكن من الهروب إلى الأندلس، وذهب إلى أخواله البربر يطلب الدعم منهم، أثناء إقامته هناك سمع أخبار الأندلس ونار الفتن والخلافات التي أحرقتها، وأرسل مساعده بدر يطالب بالخلافة الأموية.
بدأ الموالين للدولة الأموية يلتفوا من حوله واقبل عليه الأمويون من كافة المناطق، ولكن كان بحاجة لعدد كبير من الجنود من أجل دعمه في استرجاع حكم الخلافة الأموية، ومن أجل مواجهة يوسف بن عبدالرحمن الفهري توجه للقبائل اليمنية يطلب الدعم والمؤازرة وكان زعيمهم أبو الصباح اليحصبي وقاموا بدعمه والوقوف معه، وكانت قاعدتهم في مدينة إشبيلية، قبل البدء بالقتال بعث عبد الرحمن الداخل مراسلات ليوسف بن عبدالرحمن الفهري يطلب منه أن يتنازل له عن الخلافة لأنه أحق بها وكان يوسف الفهري آنذاك يعاني من الثورات التي قامت ضد حكمه، رفض الفهري تسليم الحكم للداخل وقرر مواجهة جيش عبدالرحمن الداخل.
أحداث معركة المصارة الأموية
وصل عبدالرحمن الداخل إلى حصن منيع وهو ثغر المنكب، وتوجه إلى حصن طرش مكان تجمع جيشه، قام يوسف الفهري بمحاولة لتفريق جيش الداخل إلا أنه لم يستطع ذلك، كان معاون الفهري هو الصميل والذي قام بنصحه بمواجهة عبدالرحمن وقتاله، وكان عبدالرحمن آنذاك توجه هو وجيشه إلى إشبيلية التي لقى الدعم والمؤازرة فيها.
قام عبدالرحمن بمحاولة لمفاجئة جيش الفهري ومقاتلته في قرطبة، أدرك الفهري ذلك ولحق بعبدالرحمن الداخل على بعد (45) ميل من قرطبة، عسكر جيش الداخل في قرية المصارة على نهر قرطبة وكان يفصل بين الجيشين نهر الوادي الكبير، بقي الجيشان لمدة ثلاثة أيام على نفس الحال.
بدأ الفهري يرسل لعبدالرحمن برسله يطلب منه عدم القتال مقابل المال وأن يقوم بتزويجه أحدى بناته، كان عبدالرحمن الداخل على قدر كبير من الذكاء والفطنة وكان مدرك خطورة هذه المعركة وبنفس الوقت أهميتها، وعندما أرسل له الفهري يذكره بأنهم مسلمين وبقرب عيد الأضحى وأنه لا يريد إراقة دم المسلمين في عيدهم أشعره الداخل بالقبول، إلا أنه كان يبيت في نفسة نية أُخرى وهي القتال يوم عيد الأضحى وكان يوم جمعة.
بدأ عبد الرحمن الداخل برفع معنويات جيشه وبث الحماسة بينهم، وقال لأصحابه: “أي يوم هذا؟ قالوا: الخميس يوم عرفة، فقال: فالأضحى غداً يوم الجمعة، والمتزاحفان أموي وفهري، والجندان قيس ويمن، قد تقابل الأشكال جداً، وأرجو أنه أخو يوم مرج راهط، فأبشروا وجدوا”.
على الجهة الأخرى كان جيش يوسف الفهري قد ملأه اليأس وكانت معنوياتهم قد اهتزت، وذُكر أن العلاء بن جابر العقيلي جاء إلى الصميل بن حاتم وهم من قادة وزعماء قيس فقال له: (يا أبا جوشن اتق الله! فوالله! ما أشبه هذا اليوم إلا بيوم المرج! وإن عاره لباق علينا إلى اليوم؛ فإن الأمور يهتدي لها بالأقران والأمثال: أموي وفهري وقيس واليمن! وهذا يوم عيد، ويوم جمعة؛ ويوم المرج أيضا يوم جمعة! والأمر، والله! علينا، لا شك في ذلك! فاتق الله، واغتنم لنا الأمر لنكون فيه أعزاء لا أتباعا!).
وعندما أشرقت شمس يوم الجمعة في (10 ذي الحجة 138 هـ/ 13 مايو 756م) وكان أول أيام عيد الأضحى المبارك، أمر عبد الرحمن الداخل جيشه بعبور النهر وبدأت أحداث المعركة والتي ذُكرت بأنها من أشرس المعارك الإسلامية، وعندما اشتدت أحداث المعركة قال عبدالرحمن الداخل لجيشه محفزا لهم: “هذا اليوم هو أُس ما يبنى عليه، إما ذل الدهر وإما عز الدهر، فاصبروا ساعة فيما لا تشتهون تربحوا بها بقية أعماركم فيما تشتهون”.
لم تستمر المعركة وقت طويل وما أن حضر وقت الضحى، انتهت أحداث المعركة لصالح عبد الرحمن الداخل وانتصر على يوسف بن عبد الرحمن الفهري، وفر الفهري ومعاونه، ودخل عبدالرحمن الداخل إلى مدينة قرطبة وصلى بالجامع الكبير، وبعد ذلك بايعه أهل قرطبة كخليفة لهم.