مقومات المدينة الفاضلة عند الفارابي في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


مقومات المدينة الفاضلة عند الفارابي في علم الاجتماع:

يشبّه الفارابي المجتمع بالكائن الحي، فالمدينة الفاضلة كالجسم الصحيح تتعاون أعضاؤه في سبيل حياة الجسد ككل، والمحافظة عليه، وكما أن القلب أهم أعضاء الجسم، ومحور نشاطه، فإن الرئيس بالنسبة للمدينة هو قلبها النابض، ومصدر حياتها، ودعامة نظمها وأداة سعادتها.

ولما كانت القوى العضوية تتفاوت، فإن وظائف المدينة تتفاوت أيضاً، وهيئاتها في أدوارها وقدراتها، فالرئيس في المقدمة بالنسبة للمدينة يليه أعضاء مسؤولون تتفاوت مراكزهم حتى تصل إلى طبقة من يخدمون ولا يخدمون، وهؤلاء هم أبناء الطبقة الدينا.

ومن الشروط الواجب توافرها في رئيس المدينة الفاضلة، الانحدار من أب واحد، ووحدة الجنس والسلالة، والاشتراك في اللغة، والتناسل وتشابه المقومات الخلقية، والسمات الطبيعية والاشتراك في البيئة الطبيعية، والذكاء والفطنة، وحسن العبادة وسلامة الحواس، والبُعد عن الشراهة وحب الملذات الدنيوية، وحب الكرامة، والبُعد عن الدنيا، والتعفف عن أغراض الدنيا، وهذه الصفات مكتسبة يجب أن يتحلى بها ويحصل عليها ومنها، حب الحكمة والفلسفة، وأن يكون عالماً حافظاً للشرائع وسننها الأولية والمقدرة على الاستنباط فيما لا يحفظه أسلافه، وأن يعمل على تقوية بنائه البدني، وتكون لديه القدرة على تعليم الناس، ما يجد من شرائع وما يبتكر من سنن، وإذا لم تتوافر هذه الشروط الطبيعية في إنسان بقيت المدينة دون رئيس وعليها أن تتبع سنن الرؤساء السابقين، إلى أن يتوافر لها من يتمتع بهذه الصفات.

ويتعرض الفارابي ﻷشكال المدينة غير الفاضلة، ويسردها وهي المدينة الجاهلية التي لا يعرف أهلها السعادة، ويعتقدون في أن الخير في ملذات البدن، والمدينة الضرورية التي يقصد أهلها إلى التكالب على الحاجات المادية، والمدينة البديلة أو التجارية وهي التي ينزع أهلها إلى جمع الثروة واكتنازها، ومدينة الخسة وهي التي يسودها اللهو والعبث، وملذات البدن، ومدينة الكرامة التي يقصد أهلها للصيت والشهرة، ومدينة التغلب التي تسودها الروح الحربية، ومدينة الإباحية التي تنعدم فيها الضوابط الاجتماعية والأخلاقية، والمدينة الفاسقة وهي التي يعرف أهلها صفات المدينة الفاضلة، ولكنهم لا يتحلون بها، والمدينة الضالة التي يضل أهلها طريق الدين، ويخطئون في تفسير النصوص والعقائد والمدينة المبتذلة، وهي التي كانت فاضلة، وظهرت فيها تيارات منحرفة، فتبدلت سماتها.

هذه هي أهم الآراء التي عالجها الفارابي في كتابه آراء أهل المدينة الفاضلة، وقد كانت مثاراً لانتقادات عنيفة قللت من شأنها، وقللت بالتالي من الدور الذي أسهمت به في تاريخ الفكر الاجتماعي، فضلاً عن تجاهل مجتمع الدولة والأمة.


شارك المقالة: