اقرأ في هذا المقال
لطالما كانت العلاقة بين الطبقة الاجتماعية والجريمة مصدر نقاش طويل الأمد في علم الجريمة، وعلى وجه التحديد هناك خلاف كبير حول ما إذا كانت الجريمة إلى حد كبير ظاهرة من الطبقة الدنيا أم أنّها موزعة على نطاق أوسع وعلى قدم المساواة، وفي الآونة الأخيرة تم تحدي افتراض استثنائية الطبقة الدنيا من خلال البحث التجريبي الذي حاول تحديد العلاقة بين الطبقة والجريمة بدلاً من قبولها كنقطة انطلاق للتحقيق الجنائي، ولسوء الحظ بسبب النتائج المتباينة والنتائج غير الحاسمة لم يقم علماء الجريمة بعد بتأسيس إجابة قاطعة فيما يتعلق بالعلاقة بين الطبقة والجريمة، وهي علاقة تزداد تعقيدًا عندما تكون جرائم الأقوياء والتي تُستبعد عادةً من التحليلات الجنائية للفئة والجريمة والتي يتم إدخالها في المعادلة.
طرق قياس علاقة الجريمة بالطبقة الاجتماعية
استعرض تيتل وفيلميز وسميث 35 دراسة بحثية فحصت العلاقة بين الطبقة الاجتماعية والجريمة، وتوصلت إلى وجود علاقة صغيرة للغاية حيث أظهر أفراد الطبقات الدنيا قدرًا أكبر من الإجرام، كما أشاروا إلى أنّ هذه العلاقة أصبحت أصغر على مدى العقود الأربعة الماضية، وهذا بأي حال من الأحوال حسم النقاش، وبدلاً من ذلك أصبح البحث حافزًا لجهود تجريبية أكثر شمولاً وتعقيدًا.
كما حاول الكثير من هذه الجهود اللاحقة اكتشاف الظروف التي تؤثر فيها الطبقة الاجتماعية على الإجرام، كما حاولت مجموعة واحدة من الدراسات تحديد ما إذا كانت الطريقة التي تم بها قياس الطبقة الاجتماعية والجريمة تؤثر على احتمالية اكتشاف صلة بين الطبقة الاجتماعية والجريمة.
قياس الجريمة بطريقة الفئات الثنائية والمركبة للطبقة الاجتماعية
فيما يتعلق بالطبقة الاجتماعية اقترحت العديد من الدراسات أنّ هذه العلاقة قد توجد فقط بين الأشخاص في الطبقات الاقتصادية الدنيا والتي يشار إليها أحيانًا باسم الطبقة الدنيا، ثم قامت هذه الدراسات بقياس الطبقة الاجتماعية من خلال تقسيم السكان إلى فئات ثنائية التفرع مثل متلقي الرعاية الاجتماعية وغير المتلقين، أو بالنسبة للأطفال في سن المدرسة وأولئك الذين يتلقون وجبات غداء مجانية وأولئك الذين لا يحصلون عليها، واستخدمت دراسات أخرى مقياسًا مركبًا للطبقة الاجتماعية والتي غالبًا ما تضمنت التعليم والمهنة والدخل.
قياس الجريمة بطريقة التصنيف الماركسي للطبقة الاجتماعية
لا تزال دراسات أخرى تستخدم التصنيفات الماركسية للطبقة الاجتماعية وتصور الطبقة الاجتماعية من حيث علاقة الفرد (أو والديه) بوسائل الإنتاج، وعلى وجه التحديد ما إذا كانوا يمتلكون بعض وسائل الإنتاج أو يبيعون عملهم مقابل أجر، ولا يزال البعض الآخر قد وسع هذا التصنيف البسيط إلى حد ما ليشمل متغيرات أخرى، مثل ما إذا كان المرء يتحكم في وسائل الإنتاج أو السيطرة على عمل الآخرين، وساعد التركيز على السيطرة على التمييز بين العمال بأجر الذين يشغلون مناصب إدارية وأولئك الذين ليس لديهم وهو تمييز سائد بشكل متزايد في المجتمع الحديث.
قياس الجريمة بطريقة تحديد العلاقة بين الجريمة والطبقة الاجتماعية
تم قياس الجريمة أيضًا بعدد من الطرق المختلفة في محاولة لتحديد ما إذا كانت تحدد العلاقة بين الطبقة الاجتماعية والجريمة، فعلى سبيل المثال قام عدد من الدراسات بفحص ما إذا كانت العلاقة السلبية بين الطبقة الاجتماعية والانحراف موجودة فقط بالنسبة للجرائم الجنائية الأكثر خطورة أو المجرمين الأكثر شيوعًا.
أيضًا كان يُعتقد أنّ مصدر بيانات الجريمة له تأثير على ما إذا تم الكشف عن العلاقة بين الطبقة الاجتماعية والجريمة، ورأى بعض علماء الجريمة أنّ الجريمة ستظهر على أنّها أكثر انتشارًا بين الطبقة الدنيا إذا تم استخدام بيانات الشرطة الرسمية أو سجلات المحكمة لتحديد الجريمة، كما جادلوا بأنّ الأشخاص من الطبقات الدنيا هم أكثر عرضة للإبلاغ عن سلوكهم الإجرامي في استطلاعات التقارير الذاتية.
قياس الجريمة بطريقة المتغيرات الديموغرافية والبيئية
سعى عدد من الدراسات أيضًا إلى تحديد ما إذا كانت المتغيرات الديموغرافية والبيئية لها تأثيرات تكيفية مهمة على العلاقة بين الطبقة والجريمة، فعلى سبيل المثال فحصت بعض الدراسات ما إذا كان تأثير الطبقة الاجتماعية على الإجرام أكبر بين السود منه بالنسبة للبيض أو بين الذكور منه بين الإناث.
وبالنظر إلى النتائج المتناقضة لهذه الجهود البحثية سيكون من الصعب اقتراح أنّ العلاقة بين الطبقة الاجتماعية والجريمة كانت خاصة بعرق أو جنس معين، ولا تزال مجموعة أخرى من الدراسات قد فحصت ما إذا كانت هذه العلاقة أكثر احتمالًا في المناطق التي تم وصفها بأنها أكثر تنوعًا أو أكثر حضرية أو في مناطق ذات مكانة أعلى وأنتجت مرة أخرى نتائج مختلطة.
الجريمة بين الطبقة الاجتماعية ونظام العدالة الجنائية
ما تشترك فيه العديد من هذه الدراسات هو أنّ معظمها اقترب من تعريف الجريمة على أنّها غير إشكالية بدلاً من الاعتراف بالجريمة كمفهوم متعدد الأوجه يشمل جرائم المحرومين وكذلك جرائم الأقوياء، ولسوء الحظ كان هذا الأخير ولا يزال أقل استعدادًا للنظر فيه، وهذا مهم لأنّه إذا تضمنت الدراسات الجرائم التي من المرجح أن يرتكبها الأفراد الأقوياء (على سبيل المثال التداول من الداخل).
كما أنّ أولئك الذين ينتمون إلى الطبقات الدنيا ليسوا في وضع يسمح لهم بارتكابها فلن يكون هناك الكثير من التساؤل عما إذا كان الإجرام سيظهر أكثر، وموزعة بالتساوي عبر الطبقات الاجتماعية مما كان يُعتقد تقليديًا، وعلاوة على ذلك فإنه من خلال تضمين مجموعة متنوعة من الجرائم يمكننا اعتبار أنّ العلاقة بين الطبقة الاجتماعية والجريمة قد تم اختبارها بشكل كامل وعادل، ولذلك على الرغم من إحراز تقدم ضئيل نحو تسوية قضايا الطبقة الاجتماعية – جرائم الشارع.
وقد أكد إدخال دراسات التقرير الذاتي عمومًا أنّ الإجرام يتم توزيعه على نطاق أوسع وبشكل متساوٍ عبر الطبقات الاجتماعية أكثر مما كان يُعتقد سابقًا، وفي الواقع حتى الآن أظهرت هذه الدراسات باستمرار أنّ ما يقرب من 90٪ من الأمريكيين قد ارتكبوا جريمة واحدة على الأقل كان من الممكن أن يُحكم عليهم بالسجن أو الحبس بسببها، وتؤكد هذه النتائج أنّ استخدام الإحصاءات الرسمية يعني أننا قد لا نقيس في الواقع مستوى الجريمة أو الميل إلى الإجرام، ولكننا بدلاً من ذلك نقيس ممارسات صنع القرار في نظام العدالة الجنائية، أي متى يجب تقديم تقرير رسمي من الشرطة، ومن يجب القبض عليه ومن يتم اتهامه ومن يجب إرساله إلى السجن.
إذن إذا كانت العلاقة السببية المفترضة منذ فترة طويلة بين الطبقات الاجتماعية الدنيا والإجرام غير صحيحة، فليس فقط العديد من نظريات الطبيعة وأصول الجريمة القائمة على افتراض خاطئ، ولكن يمكن القول أنّه سياسات العدالة الجنائية القائمة على هذه النظريات هي أيضًا تمت صياغتها على أساس مفهوم خاطئ جوهري، حيث تستهدف معظم سياسات مكافحة الجريمة الأفراد من الطبقات الدنيا بشكل غير متناسب مع تجاهل الأضرار التي يسببها الأشخاص في الطبقات العليا.