ملوك الأسرة الثالثة للفراعنة

اقرأ في هذا المقال


ملوك الأسرة الثالثة للفراعنة:

إنَّ أهم ملوك الأسرة الفرعونية هو الملك زوسر، كان معروفاً بأنه من سلالة لآخر ملوك الأسرة الثانية، وقد عرّفوه القدماء منشأ لأسرة مالكة جديدة.

‏ابتدأ زوسر كل حياته كمثل الملوك ممن قبله وأنشأ لنفسه مثلهم قبراً بتصميم ذات مصطبة كبيرة من الطوب اللبن (95 متراً في الطول ( ‎50‏ متراً في العرض ‏وارتفاع ‎10‏ أمتار)، ولكنه لم يشيدها في أبيدوس بل شيدها في المنطقة المعروفة الآن باسم بيت خلاف جنوبي قنا، عثر فيها على كثير من الأواني وعليها أختام تحمل اسم الملك وتحمل أسماء بعض موظفيه والإدارات المختلفة التي كانوا يتولون شئونها.

وشاء حُسن حظ مصر أن يتكون فيها في ذلك الوقت أحد النوابغ العلم الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ البشرية، وقضت عناية الله أن يكون على عرشها ملك حصين الرأي عرف قيمة نبوغ ذلك الشخص فمد له يد العون ومكنه من تحقيق آرائه، فخلد اسم الملك زوسر وخلدت أعماله، وتقدمت مصر في عهده تقدماً كبيراً في جميع النواحي.

من هو إيمحوتب:

ليس يوجد على علم المعرفة على وجه الحقيقة أنّ (إيمحوتب) أسس حياته في عهد الملك (خع سخموي)،‏ وكان من بين العاملين أو أنه ظهر فقط في أيام زوسر، وعلى أي حال فإنَّ اسمه قد ارتبط باسم ذلك الملك الأخير وحده، سواء أثناء حياته أو فيما تلا ذلك من أجيال، إنَّ المصريين خلدوا اسميهما معاً وظلَّ الناس يذكرونهما حتى آخر أيام التاريخ المصري. واعتبر الكتاب المصريون في الدولة الحديثة (إيمحوتب)، إماماً وحامياً لهم، وكان يحرص كل كاتب قبل بدء عمله على إراقة بضع قطرات من الماء قرباناً له.

كان الملوك حتى ذلك الوقت يتم وضعهم في قبور على هيئة مصاطب، لا تمتاز في شكلها العام عن قبور رعاياهم إلا بعظم حجمها وفخامتها، وكانت تُبنى من الطوب اللبن، وإنّ كانت بعض أجزائها الداخلية، وعلى الأخص حجرة الدفن، تُبنى من الحجر.

وأنشأ زوسر قبره الملكي في الجنوب على نظام من سبقه من الملوك، ولكن إيمحوتب فكر في بناء قبر آخر لسيده في جبانة العاصمة الشمالية، ووضع تصميمه ليكون أفخم من أي قبر شيد قبل ذلك الوقت لأي ملك قبله، وكانت الفكرة الجريئة الأولى في تشييد ذلك القبر هي أن يكون مبنياً بكتل من الحجر بدلاً من الطوب اللبن، فشيد مصطبة كبيرة من الحجر الجيري الذي قطعه من المحاجر القريبة ثم كسا جدرانه الخارجية بأحجار جيرية من النوع الأبيض الممتاز الذي كانوا يحصلون عليه من محاجر طرة في الناحية الشرقية من النيل.

كانت تلك المصطبة لا ريب أنه أفخم وأعظم من أي قبر ملكي آخر في المنطقة، وفصل تحت تلك المصطبة ممرات وحجرات جانبية تتوسطها حجرة كبيرة استخدم في تشييدها احجار الجرانيت لتكون حجرة دفن الملك. ولم يقنع إيمحوتب بذلك، فعدّل في تصميمه الأول وفكر في شيء جديد. إنَّ سيدة زوسر إله معبود من شعبه فيجب أن يمتاز قبره عن غيره، ويجب أن يرتفع ويعلو، ولهذا أخذ يبني مصطبة فوق أخرى،‏ وكل منها يقل في الحجم عما تحتها حتى أصبح الشكل النهائي لقبر زوسر هرماً مدرجاً ذا ست درجات، كانت كلها مكسوة من الخارج بالحجر الجيري الأبيض، وبذلك كان إيمحوتب أول مهندس معماري فى تاريخ مصر شيد قبراً يُشبه الهرم في شكله العام.

ولم يتوقف بذلك بل أحاط الهرم بجدار كبير مشيد كله من الحجر الجيري المقطوع من طره ارتفاعه عشرة أمتار وشيد داخل هذا السور مبان عدة كان بعضها لأجل إقامة العيد الثلاثيني والبعض الآخر كان قبراً رمزياً في الناحية الجنوبية أو معابد تتصل أيضا بالأعياد كما شيد في الناحية الشمالية من الهرم معبداً قامت فيه تماثيل للملك.

وليس من شأن مثل هذا الكتاب أن يصف تلك المباني أو يهب في الحديث عنها، ويكفينا أن نذكر أنَّ مجموعة الهرم المدرج تُعتبر من أهم ما أبقت عليه الأيام من آثار مصر، نرى في مبانيه الخطوات الأولى للمصريين عندما انتقلوا من البناء بالطوب إلى البناء بالحجر.

فكثيراً ما نرى المهندس القديم يبذل جهده ليجعل مبانيه شبيهة بمبانى الطوب مثل حجم الأحجار (52 سم في الطول مثل حجم الطوب في ذلك العهد، وهو الذراع المصري)، أو في تشكيل السقف الحجرى ليكون شبيهاً بالسقف الذي كانوا يستخدمون فيه فروع الأشجار، ومثل الأبواب التي تظهر كأنها نصف مفتوحة والأعمدة الحجرية التي تمثل تلك الأعمدة التي كانت تُصنع من أعواد النباتات وقد ضمت إلى بعضها.

ويستميل معظم الأثريين إلى أخذ الرأي القائل بأنَّ السور الخارجي الكبير الذي رسموا في جوانبه شكل البوابات الثلاث عشرة في جهاته الأربع ليس إلا صورة من السور الذي كان حول قصر الملك في الوادي على مقربة من العاصمة وأنَّ المدخل الرئيسي في الركن الشرقي الجنوبي (البوابة الرابعة عشرة)، شبيه بمدخل القصر الملكي بأعمدته وأماكن حراسه، وأنَّ تلك المباني المشيدة بالحجر قد أقيمت بمناسبة الاحتفال بالعيد الثلاثيني للملك زوسر، إذ أنَّ هذا الملك قد نقل عاصمة الملك بصفة نهائية إلى الشمال. في تلك المدينة التي أصبحت تُسمى منف فيما بعد.

ودفن زوسر في هرمه هذا، وفي الممرات التي تجوب بحجرة الدفن كدسوا آلافاً من الأواني المصنوعة من المرمر وبعضها من الديوريت أو البرشيا أو الجرانيت أو البازلت وغير ذلك من الأحجار، وبعضها صغير والبعض الآخر يزيد ارتفاعه عن متر، وقد أمكن حتى الآن استخراج عدد من تلك الأواني لا يقل عن عشرين ألفاً، وما زال الكثير منها باقياً في الممرات وقد حطمه إلى أجزاء صغيرة سقوط الصخر فوقه.

عُرِفَ زوسر احترام مهندسه فقام بتكريمه وأراد أنّ يخلده معه فأعطى أمر بأن ينقش اسمه على ممتلكاته وهذا احترام كريم ليس له مثيل، لأنَّ الملك كان إلهاً من قِبَل شعبه، وأراد أن يخلد معه إيمحوتب الذي عرف له مكانه في دنيا النبوغ. ونعرف من ألقابه أنه كان يتولى وظائف عدة فقد كان مُشرفاً على الأعمال الإنشائية للملك، وكان مُشرفاً أيضاً على إدارة قصره وكان حائزاً على لقب رئيس المثالين.

ولكن أهم من ذلك كله فقد كان من ألقابه أنه الرجل الأول بعد الملك أي أنه كان حاكماً لأحد الأقاليم وكان كبيراً لكهنة الشمس في مدينة إيون (هليو – يوليس). وربما تولى فيما بعد (أي بعد عمل تلك التماثيل)، وظيفة الوزير لأنها أصبحت لقبه الرئيسي في العصور التالية.

وقد قام المؤرخ المصري مانيتون بذكر أنَّ زوسر حكم مدة تصل (29) عاماً ولكن بعض البحوثات الأخرى يكتفي بـ (19) عاماً فقط. أضاف على ذلك قوله‏ عاش في أيام حُكمه (أي إيمحوتب)، الذي يعتقد الإغريق أنه اسكليبوس (إله الطب)، وذلك لمهارته في الطب. وقد اكتشف هذا الشخص فن البناء والأحجار المنحوتة وكان يقبل إقبالآً كبيراً وبحماس شديد على التأليف.

كان إيمحوتب من أفضل أولئك الأذكياء الذين ظهرت عبقريتهم في أكثر من ميدان واحد فلم يتوقف ذكاءه على تصميم وزخرفة العمارة والنقش فكون التطور الأكبر في الفن المصري بل نبغ أيضاً في الطب وألف فيه ‏(كما ألف في الحكمة). وألهه المصريون بعد وفاته وعبدوه وشيدوا له المعابد في أواخر أيام حضارتهم وبخاصة في العصر الفارسي أي في القرن السادس قبل الميلاد وفي أيام البطالمة بعد ذلك، وأطلقوا عليه (ابن الإله يتاح).

لا ريب أن يكون المصريون قد ألهوا إيمحوتب في عصر مبكر ولكنهم لم يشيدوا له المعابد الكثيرة في جميع أرجاء البلاد إلا في العصر المتأخر عندما رأى المصريون أنَّ حضارات أخرى مثل حضارات الإغريق والفرس أخذت تغزو البلاد وتبهر أنظهار بعض أبنائها فكان ردهم على ذلك شدة استمساكهم بحضارتهم القديمة التي كانت أصل المدنيات جميعاً، وأنهم كانوا المعلمين الأول للبشرية.

كان النظام في مصر حتى ذلك العهد، وبعد ذلك العهد أيضاً حتى الأسرة الخامسة، أنَّ جميع الأعمال الكبرى لا يتولى أمورها في أكثر الحالات إلا أفراد من البيت المالك وبخاصة أولاد الملك نفسه، فهل كان إيمحوتب ممن لهم صلة بذلك البيت حتى وصل إلى ما وصل إليه؟ وما الذي جعل الملك يكتب اسمه على تمثاله وهو تكريم لم ينله أحد من أفراد الشعب قبله أو بعده في وقت سطوة ملوك الدولة القديمة؟ لم يكن إيمحوتب إلا فرداً من أبناء الشعب وكان مولده على الأرجح في بلدة الجبلين بين الأقصر وإسنا في مديرية قنا، أما أبوه فكان مثل ابنه مُشرفاً على الأعمال ويسمى (كانفر)، وإنما الذي أوصله إلى ذلك المركز العظيم مواهبه وحسن استعداده.

لقد أطلنا في حديثنا عن (إيمحوتب)، حتى كدنا ننسى الملك (زوسر)، ولكن الرجل يستحق أكثر من ذلك فقد كان المحرك للنهضة التي شملت مصر كلها. ولكن مهما قلنا عن نبوغه وعبقريته، فيجب ألا ننسى أنه لولا أنه وجد من يقدره ويشد أزره ويدفع به إلى الأمام لضاع ذلك النبوغ سُدى، إذ كثيراً ما ييأس النابغون عندما يهملهم الناس أو يحاربونهم أو ينسبون إليهم الجنون. فلو لم يكن زوسر عظيما واسع التفكير لما تمكن إيمحوتب من تحقيق كل ما حققه.

وحكم زوسر أعواماً طويلة رأت فيها البلاد نهضة عامة ‏ ولم تقتصر آثاره على سقارة فقط بل شيد معابد أخرى عثر على بقايا من واحد منها كان على مقربة من هربيط في مديرية الشرقية، كما نعرف أنه أرسل حملة لتأديب بعض بدو شبه جزيرة سينا الذين كانوا يتعرضون للحملات التي كان يرسلها ملوك مصر لإحضار النحاس من المناجم التي على مقربة من جبل المغارة هناك.


شارك المقالة: