من هو القائد وني؟
كان وهن حكم الملوك في الأسرة الخامسة مُحفزاً لبعض كبار الموظفين على أنّ يتباهوا في مقابرهم بما فعلوه وبما رفع من قدرهم في خدمة الملوك. وكلمات تاريخية خلفتها لنا الأسرة السادسة، وهي لوحة (وني)، الذي كان في يوم من الأيام قائماً في قبره في أبيدوس وهو الآن في المتحف المصري، ويقص فيها علينا تاريخ حياته وأعماله المختلفة في خدمة ملوك تلك الأسرة.
ويذكر (وني)، أنه أنشأ حياته في الحكومة في عهد الملك (تتي)، أول ملوك هذه الأسرة وكان إذ ذاك فتى يافعاً ثم رقي في عهده إلى أنّ أصبح في مركز كبير إذ كان مديراً لمكتب الزراعة كما كان في الوقت ذاته مُديراً لأراضي الملك. ويستمر (وني)، حياته في عهد (ييي الأول)، فيذكر محبة الملك له وثقته فيه إذ أسند إليه أيضاً وظيفة كُبرى في القضاء وهي وظيفة (قاضي نخن)، وجعله رئيساً لمجلس الستة وبذلك كان من أهم شخصيات ذلك العهد ووصلت ثقة الملك فيه أنه كان يُحقق في قضايا الملك الخاصة بحريمه.
الحملات والمهمات التي فعلها القائد وني:
ويقص علينا (وني)، أيضاً كيف قام بإسناد إليه مهمة تأليف جيش عدد رجاله عشرات الآلاف من جميع بلاد الوجه القبلي، من إلفنتين في الجنوب حتى إطفيح في الشمال، وكذلك من أفراد القبائل التي كانت تعيش في ذلك الوقت في بلاد النوية مثل (إرثت وإيام وواوات والمجا وغيرها)، وأسند إليه إمرة هذا الجيش الكبير. ويفخر القائد الشاب بأنَّ النظام كان مستتباً بين جنوده وأنَّ جميع رجال الجيش كانوا مثالاً لِمَا يجب أنّ يكون عليه الجندي فلم يتعرض واحد منهم لأي شخص في أي بلد مروا به ولم يغتصب أحد منهم شيئاً مهما قلت قيمته.
وقام بإتمام ما كلفه به سيده، وبالرغم من أنه لم يذكر اسم مكان خاص بل كان يشير دائماً إلى القاطنين فوق الرمال فإن هذه الحملة لم تكن ضد شبه جزيرة سينا بل كانت في فلسطين إذ أنه يذكر في شعره الذي تغنى فيه برجوع الجيش سالماً، أشجار التين وكروم العنب ويشير إلى بلاد آهلة بالسكان.
وأهم ما في هذا النقش ما ذكره (وني)، بعد ذلك من أنَّ ثورة قام بها في تلك البلاد فبعثه الملك لإخمادها، فجهز جيشين أحدهما سار بطريق البر، وسار هو مع الجيش الآخر بطريق البحر، فنزل عند مكان من المحتمل جداً أنّ يكون قريباً من جبال الكرمل، وسار بعد ذلك في داخل البلاد وانتصر، وقمع تلك الثورة.
كانت حملات (وني)، على فلسطين هي آخر أعماله الهامة في عهد (ييي الأول)، فلمّا تولى ابنه (مري إن رع)، حكم البلاد لم يفرط فيه بل زاد من قدره فعينه حاكماً على الصعيد كله، وكان يسند إليه من آن لآخر مهمة إحضار الجرانيت اللازم لهرمه ومعابده من منطقة أسوان وإحضار المرمر من محاجر حنتوب في محافظة أسيوط.
وكان أواخر الأعمال الكبيرة التي قام بها في عهد هذا الملك بتأسيس لخمس قنوات في صخور الشلال الأول لتيسير سير السفن، وقد أتم ذلك في عام واحد، وذهب (مري إن رع)، بنفسه ليرى العمل بعد إتمامه وليقدم له زعماء أسوان وقبائل النوبة ولاءهم، ويقدم قرابينه لأله خنوم سيد منطقة الشلال. وينتهي (وني)، من قص تاريخ حياته عند إشارته إلى شق القنوات. ويذكر أنَّ كل ما ناله من تكريم كان بسبب مزاياه وقيمته الشخصية وتفانيه في تنفيذ أوامر الملك، ويختم نقشه بقوله بأنه كان محبوباً من أبيه ممدوحاً من أمه، ويذكر اسمه مسبوقاً بأعظم لقب ناله وهو لقب حاكم الوجه القبلي.