نشأة الأنثروبولوجيا في العصر القديم

اقرأ في هذا المقال


يتفق الكثير من الباحثين في علم الاجتماع والأنثربولوجيا بأن الرحلة التي شرعَ بها المصريون القدماء إلى بلاد بونت وهي “الصومال” في الوقت الحالي، كانت بقصد تبادل السلع التجارية، وهي من أقدم الرحلات التاريخية في تبادل العلاقات بـين الشعوب، وذلك بقصد تسويق بضائعهم النفيسة التي احتوت على البخور والعطور، ونشأ عن هذه الرحلة اتصال المصريين القدماء بأقزام أفريقيا.

الأنثروبولوجيا عند الإغريق اليونانيين القدماء:

يعتبر الباحث الإغريقي اليوناني هيرودوتس المحب للسفر أول من كتبَ عن أحلام الشعوب وعاداتهم وتقاليدهم، وعرض فكرة وجود اختلاف وتنوع فيما بينهم، من حيث الاتجاهات الثقافية واللغوية والسلالية والدينية. ولذلك يعتبره معظم مؤرخي الأنثربولوجيا الباحث الأنثروبولوجي الأول في التاريخ.

وهو يعتبر أول من قام بجمع معلومات وصفية بشكل دقيق عن عدد كبير من الشعوب غير الأوروبية، حيث تناول بالتفصيل معتقاداتهم وعاداتهم وملامحهم الجسدية وأصولهم السلالية. إضافة إلى أنّه قدم شرحاً دقيقاً لمصر وأحوال شعبها، وهو قائل العبارة الشهيرة: “مصر هبة النيل”.

وبناءً على هذه الإنجازات الباكرة والجديّة، يفترض عدد من علماء الأنثروبولوجيا أن منهاج هيرودوتس في شرح ثقافة الشعوب وأنظمتهم الاجتماعية، ينطبق على أكثر أسس المنهج (الأثنوجرافي) المعروف في العصر الحاضر بعلم الشعوب.

وكذلك نجد أن أرسطو يُعتبر أيضاً من الأوائل الذين حددوا بعض أوليات الفكر التطوري للكائن الحي، وذلك من خلال ملاحظاته وتأملاته في التركيبات البيولوجية وتطورها في الحيوان. وكما ينسب إليه أيضاً توجيه الفكر نحو وصف نشأة الحكومات وتحليل أشكالها وأفضلها، الأمر الذي يعتبر مساهمة جديدة وهامة في دراسة الـنظم الاجتماعية والإنسانية.

إن المُطّلع على إسهامات الفلاسفة اليونانيين يستنتج معلومة لها ارتباط بالمنهج الأنثروبولوجي، وهي أن اليونانيين استطاعوا أخذ الكثير من الحضارات التي سبقتهم، حيث ارتبطت فلسفتهم بالحضارة المصرية، والتي نتج عنها ما يعرف باسم “الحضارة الهيليلنية” تلك الحضارة التي انتشرت وازدهـرت في القرون الثلاثة السابقة للميلاد.

نشأة الأنثروبولوجيا عند اليونان:

طالَ عصر إمبراطورية الرومانية ما يقارب الستة قرون، تابعوا من خلالها الرومان ما قدمه اليونانيون من أفكار ومسائل لها علاقة ببناء المجتمع الإنساني والحضاري، وتوضيح التباين والاختلاف فيما بينها. ولكنّهم لم يأخذوا بالنماذج المثالية المجردة للحياة الإنسانية، بل وجهوا دراساتهم نحو الواقع الملموس والمحسوس. ومع ذلك لا يجد الأنثروبولوجيون في الفكر الروماني ما يمكن اعتباره كإسهامات أصيلة في نشأة علم مسـتقلّ لدراسة الشعوب وثقافاتهم، أو تقاليد راسخة لمثل هذه الدراسات.

ومع أن الرومان اهتموا بالواقع من حيث وَصل السلالات البشرية بقدرتها على التقدم الاجتماعي والحركة الحضارية، فقد وَجدوا في أنفسهم تفوق وأفضلية على الشعوب الأخرى، فقد كان الروماني يعلوا على غيره بحكم القانون، حتى إن الرومان إذا أرادوا أن يرفعوا من شأن إنسان أو شأن سلالة معينة، أصدرت الدولة قراراً بمنح الجنسية الرومانية لأي منهما، ويبدو أن هذا الاتجاه العنصري وجد في مختلف الحضارات القديمة، ولا سيما الحضارات الشرقية كالإغريقية والرومانية والصينية.

الأنثروبولوجيا عند الصينيين القدماء:

يفترض معظم العلماء ولا سيما الأنثروبولوجيون منهم، أنّه على الـرغم من اهتمام الصينيين القدماء بالحضارة الرومانية وتقديرها، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يجدوا فيها ما ينافس حضارتهم.

ولذلك ركز العلماء الصينيين القدماء على الأخلاق وعلى أصناف المجتمعات الثقافية والعلمية، وذلك من خلال الاتجاهات المنطقية والعملية في دراسة أمور الحياة الإنسانية وأعادة معالجتها، لأن دراسة الأصناف السلوكية التي تتعلق بالبناء الاجتماعي في أي مجتمع، تسهم في تقديم الدليل الواضح على التراث الثقافي لهذا المجتمع، والذي يكشف بالتالي عن طرق التعامل فيما بينهم من ناحية ويحدد أفضل أساليب التعامل معهم من ناحية أخرى، وهذا ما يفيد الباحثين في الدراسات الأخرى، ولا سيما تلك التي تعنى بالإنسان.



شارك المقالة: