نشأة علم الاجتماع السياسي عند ابن خلدون ونيقولا مكيافللي

اقرأ في هذا المقال


نشأة علم الاجتماع السياسي عند ابن خلدون:

لم تكن كتابات ابن خلدون التاريخية مجرد سرد للحوادث والأزمات فقط، إنما كانت ذات أبعاد ومضامين اجتماعية اقتصادية وسياسية، حيث أطلق على هذا العلم الذي رأى ضرورة إقامة علم العمران البشري، إذن فإن الاجتماع لديه هو ذلك العمران البشري الذي يحدث محصلة حاجات أفراد المجتمع لبعضهم البعض، وذلك لهدف إشباع حاجاتهم المهمة، التي لا يقدر الإنسان بمفرده أن يقوم بها.

في هذا الشأن يقول ابن خلدون، الأولى في أن الاجتماع الإنساني مهم، ويتحدث الحكماء بمنظورهم أن الفرد متمدن بالطبع، أي أنه يمكن من الاجتماع، الذي هو المدينة في مفاهيمهم وهو معنى العمران، فلا بدّ للفرد أن يتعاون مع أبناء جنسه، من أجل اكتفائه من الغذاء والملبس والدفاع وغيرها من الاحتياجات المهمة واللازمة، ثم يذهب إلى القضية السياسية فيقول، لا بدّ من شيء آخر يدفع عدوان بعضهم عن بعض.

إن قرب ابن خلدون من السلطة، حيث كان طرفاً فيها أحياناً ومعارضاً لهذا أحياناً أخرى وبعيداً عنها في بعض الأوقات، جعله ينظر إليها ويفترض بأن هنالك قوانين تضر وتتلف العلاقات الاجتماعية المتنوعة ولمسار العمران البشري، لذا فقد اتخذ ابن خلدون موضوعين رئيسيين بشأن أساسيين الاجتماع السياسي وهما:

1- العصبية:

وهي تشدد بعض الأشخاص لبعضهم البعض، ويقوم الفرد بالدفاع بشدة عمن يتعصب لهم، وهي تعني مقصود الهوية بالوقت الحالي، حيث بواسطتها يتكاتف الناس لعمل أي شيء في سبيل إقامة الدولة، ويرى ابن خلدون أن التشدد بها تكون الوقاية والمحافظة والمناهضة وكل مهام يجتمع عليه، وأن الآدميين بالواقع البشري يطلبون في كل اجتماع إلى وازع وقائد يزع بعضهم عن بعض، فلا بدّ أن يكون مسيطراً عليهم بالعصبية وإلا لم تتم قدرته على ذلك.

2- صعود وأفول الدولة:

وفي هذا يؤكد ابن خلدون بأن للدول أعمار كما أن للأفراد أعمار، ويحدد عمر الدولة بمئة وعشرين عاماً، تكون الدولة في بداية هذه المدة الزمنية أي في الجيل الأول، في أوج قوتها نظراً لقوة العصبية عندها، وفي الجيل الثاني الذي مدته أربعون عاماً كما الجيل السابق.

نشأة علم الاجتماع السياسي عند نيقولا مكيافللي:

عندما كان مكيافللي يعد كتابه الأمير ويقدمه هدية إلى الأمير المديشي، الذي أطلق عليه الفلورنسيون اسم لورنزوا العظيم، لم يكن على الأرجح يعرف بأنه يؤسس لعلم جديد مع غيره من والعلماء الذين سبقوه والذين سيأتون من بعده، أما ما كان متأكداً منه هو جدة موضوعه، ويؤكد ذلك ما جاء على لسانه عندما قال، “لم أحاول تزيين كتابي بالعبارات الطويلة المدى، ولا بالزخارف اللفظية الطنانة، ولا بالحلي الرائعة المصطنعة التي يلجأ إليها الكثير من الكتاب لتنميق مؤلفاتهم، ﻷنني لا أطلب مجداً لكتابي أكثر مما يستحقه، بفضل جدة موضوعه ورصانته”.

لقد كانت معتقدات مكيافللي السياسية التي من بينها “كتابه الأمير” تعتبر خطوة حديثة في دراسة وتحليل وتفسير الموضوعات السياسية، خصوصاً فيما يتعلق بالسلطة والحفاظ عليها من قبل الذين يملكون أمرها، وعلى عكس الفلسفة السياسية التي كانت سائدة منذ أرسطو حتى عصر النهضة.

فإن مكيافللي أراد أن يستقل تماماً بعلم السياسة ويفصله عن علم الأخلاق، في ذلك يقول موريس دوفرجيه حين يميز بين الفلسفة السياسية عند أرسطو ويقارنها بمواقف ميكافللي في الأخلاقية السياسية، لقد ابتكر أرسطو العنصر الأول في علم السياسة وهو استعمال منهج الملاحظة، كما ابتكر مكيافللي العنصر الثاني وهو المنهج الموضوعي المتجرد من الاهتمامات الخلقية.

ويعد مكيافللي من العلماء الذين ساهموا بشكل كبير في إقامة أعمدة علم الاجتماع السياسي بطريقة مباشرة غير مباشرة، بل ويعده غاستون بوتول مؤسس علم الاجتماع السياسي، فمساهماته في تكوين علم الاجتماع السياسي عديدة، أهمها تلك النظرة الحقيقية الموضوعية إلى الظاهرة السياسية وإبعاد السياسة عن القيم والأخلاق، كما أنه وضع أسس نظرية الصفوة السياسية، التي تم تطويرها فيما بعد لتصبح موضوعاً رئيساً من موضوعات علم الاجتماع السياسي.

كما أنه أول من رفع شعائر الغاية تبرر الوسيلة، فإذا ما كانت غاية الحاكم هي البقاء في السلطة وتطويع المحكومين لسلطانه، فإنه يجوز له أن يستعمل كل الطرق والوسائل التي تضمن له ما يريد، فتغيب بذلك الوسائل الأخلاقية والقيم الاجتماعية، ورغم تغير النظم السياسية، ورغم النعوت التي ينعت بها مكيافللي ومؤلفه الأمير، إلا أن من بيدهم السلطة في الأنظمة التقليدية المعاصرة لا يخرجون عن نصائحه.


شارك المقالة: