نشأة وتطور مفهوم الثقافة:
مصطلح الثقافة، مصطلح له تاريخ قديم برز في اللغة الفرنسية منذ عصر الأنوار، قبل اشتهاره بواسطة الاقتراض اللغوي في اللغات الأخرى المصاحبة لها كالإنجليزية والألمانية وهو مصطلح يعود في أصله إلى اللغة اللاتينية التي تعني رعاية الحقول أو قطعان الماشية، ثم ظهرت في القرن الثامن عشر لتدل على جزء من الأرض المزروعة.
لكن هذا المفهوم يدل على تقدم وازدهار، أي العمل على تطوير تلك المفاهيم على الإطلاق، والمصطلح المجازي بقي قليل الشيوع حتى نهاية القرن السادس عشر، ولم يتم الاعتراف به أكاديمياً ولم يظهر في غالبية معاجم تلك الفترة.
وحتى نهاية القرن السابع عشر، لم تتمكن أي وسيلة في التأثير غلى المضمون الثقافي للمصطلح إلا قليلاً مع تطور الأفكار، وبالتالي فقد لازم بالحركة الطبيعية للغة التي تستعمل للكناية عن تحول الثقافة من حالة إلى فعل من جهة، وبالاستعارة من جهة أخرى تحّول المعنى من تهذيب الأرض إلى تهذيب العقل محاكية بذلك نموذجها اللاتينيي التقليدي باعتباره قد كّرس استخدام الكلمة بمعناها المجازي.
إلا أنه في القرن السابع عشر، دخلت الثقافة بمأزق ولم تبدأ كلمة ثقافة إظهارنفسها مجازياً في هذا المعجم الأكاديمي الفرنسي الذي تمت طباعته عام 1718م، ولحق بها المضاف وأصبح يُقال: ثقافة المجتمعات والفنون وثقافة العلوم كما لو كان تحديد الشيء للعديد من المفردات، ولغة عصرالأدب كما أن هذه اللغة ضرورية، ودخلت الكلمة في الأنوار دون أن يستخدمها الفلاسفة.
وفي القرن الثامن عشر لم تستعمل كلمة ثقافة إلا بالمفرد، وهو ما يعكس عالمية النزعة الإنسانية للفلاسفة، من حيث أن الثقافة أمر يختص بالإنسان دون أن يعني هذا أي تمييز بين الشعوب أو الطبقات، وبالتالي فقد حفظت كلمة ثقافة في إيديولوجية عصر الأنوار واقترنت بأفكار التقدم والتطور والتربية والعقل التي كانت تحتل مكان الصدارة في تلك الفترة.
كما نلاحظ أنه في هذه الفترة تقدمت كلمة ثقافة كثيراً ؛ تلك الكلمة التي ستشهد اختلافها عن العديد من الكلمات حيث أنها حظيت على أكثر من النجاح الذي حققته كلمة ثقافة في مفردات اللغة منها النجاح في فرنسا نهاية القرن الثامن عشر، وكلمة القافة تنتمي إلى الحقل الدليلي نفسه وتعكس المفاهيم الأساسية.
وإن اندمجت هاتان الكلمتان ببعضهما أحيانا تتكافئ، فكلمة ثقافة أكثر دلالة على التطورات الفردية إلا أنهما غير كلمة حضارة فتدل على التطورات الجماعية، أكثر مما لقته في فرنسا، مثلما يقول العالم نويربير إلياس ونالت كلمة ثقافة في الفكر الألماني مكانةً كبيرةً.
إن السبب الرئيسي لهذا التطور يعود إلى استناد هذا المفهوم بواسطة المصطلحات الثقافية الألمانية وإلى استخدامها له في استثنائها الأرستقراطية، والحقيقة أنه لا توجد روابط حقيقية بين المصطلحات الثقافية والأرستقراطية في ألمانيا، على عكس الوضع في فرنسا.
كانت تتصف وتتميز ثقافتها بالصدق والعمق والروحانية، وهذه صفات نوعية ألمانية، وبعد أن انتشرت هذه الفكرة في الأمم في ألمانيا كلها أصبحت قليلة التعبير عن مدى الوعي الوطني الذي يتساءل عن الطابع النوعي للشعب الألماني الذي لم يتوصل بعد إلى تحقيق وحدته السياسية.
ومن ناحية أخرى فإن الدول الأخرى المجاورة مثل فرنسا وإنجلترا بشكل خاص، حاولت جاهدةً الأمة الألمانية التي أضعفتها الانقسامات السياسية وفجرتها إلى عدة إمارات، لتأكيد وجودها عبر الرفع من شأن ثقافتها.
لذا فإن المصطلح الألماني للثقافة سعى منذ القرن السابع عشر إلى تحديد الاختلافات فإن هذا المصطلح يعد معنى رئيسي للقومية وتقدمها وبالتالي، خصوصياً يتعارض مع المفهوم الفرنسي العالمي للحضارة؛ وهو فهم يعبر عن أمة حققت وحدتها القومية منذ زمن بعيد.
وفي عام 1775 وقف العالم الألماني يوهوان هرادرا ضد العالمية التوحيدية التي نادى بها عصر الأنوار وحكم عليها بأنها تؤدي إلى الإفقار فقد كان يريد أن يعيد لكل شعب كبرياءه وحقوقه بدايةً بالشعب الألماني، وذلك في مقابل ما يعتبره إمبيريالية ثقافية تنادي بها فلسفة عصر الأنوار بين الشعوب الفرنسية.
ومفهوم هرادرا للثقافة التي تتميز بالانقطاع الذي لا يستبعد تواصلاً ممكناً على فلسفة أخرى للتاريخ عنوان كتابه الصادر بداية عام 1775 تختلف عن فلسفة عصر الأنوار.
ومن هنا، يمكن اعتبار هرادرا رائد المصطلح النسبي للثقافة: “هرادرا هو الذي فتح أعيننا على الثقافات” وتطورت الفكرة الألمانية حول الثقافة قليلاً، تحت ظاهرة النزعة القومية، في القرن الثامن عشر للعيان وخلال القرن التاسع عشر أشتهر خبر يقول أن الكتّاب الرومانسيين ازداد ارتباطهم بمفهوم الأمة.
وأصبح ظاهراً أن الألمان أخذوا يقابلون الثقافة، بما هي تعبير عن النفس المتعمقة لشعب محدد، بالحضارة التي أصبحت معروفة من الآن فصاعداً، وذلك بواسطة التقدم المادي المرتبط بالتطور الاقتصادي والتقني هذه الفكرة تتطابق بشكل كبير مع الجوهرية والخصوصية عن الثقافة، ومع المفهوم العرقي-والعنصري لأمة أو مجموعة من الأفراد الذين يجمعهم أصل واحد الذي تطور في الوقت ذاته لتكون الدولة في ألمانيا شكل أساسي للأمة الألمانية.
يعتبر الحديث بين فرنسا وألمانيا الذي قيل في بداية القرن الثامن عشر، وامتد إلى القرن العشرين يعتبر نقاش نمطي وهذا الحديث له شكل لتحديد مفهوم في العلوم الاجتماعية المتقدمة.
وعندما ظهر هذا المفهوم لأول مرة في أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كان يتوجه فيما يتوجه إليه إلى عملية الإصطلاح أو تحسين المستوى، كما هو الحال في عملية الزراعة أو البستنة.
تطور الثقافة في القرن التاسع عشر والقرن العشرين:
أما في القرن التاسع عشر، أصبح يتوجه بصورة واضحة إلى السعي إلى تطوير أو تعديل المهارات الفردية للإنسان، لا سيما بواسطة التعليم والتربية، ومن ثم إلى تحقيق كَمّاً من التنمية العقلية والروحية للإنسان والتوصل إلى راحة قومية وإظهار العديد من القيم العليا إلى أن جاء منتصف القرن التاسع عشر، وقام بعض العلماء باستخدام مصطلح الثقافة للإشارة إلى قدرة الإنسان والبشرية على مستوى العالم.
وبحلول القرن الرئيسي القرن العشرين، ظهر معنى الثقافة للعيان ليصبح مصطلحاً بارزاً في علم الأنثروبولوجيا، ليشمل بذلك جميع الحقائق البشرية التي لا تعتبر كنتائج لعلم الوراثة البشرية بصفة أساسية.
ومنذ عام 1933 تقريباً، أخذ علماء الأنثروبولوجيا البريطانية الاجتماعية يتجهون إلى استخدام مصطلح البناء الاجتماعي، أكثر من استخدامهم لمفهوم التثاقف لكن، ذلك لم يمنع بالطبع من ظهور بعض التعريفات المشابهة لتلك التي قدمها العلماء الأمريكيون.
وفي النهاية إذا قمنا بالتوجه إلى مفهوم المجتمع فهو عبارة عن العديد من الأفراد ولديهم ثقافة، تمثل طريقتهم في الحياة وهذه الثقافة هي عبارة عن مجموعة من العلاقات الاجتماعية كما إن الثقافة هي محتوى هذه العلاقات، وإذا كان المجتمع يهتم بالعنصر الإنساني، وبتجمع الأفراد، والعلاقات المتبادلة بينهم، فإن الثقافة تُعنى بالمظاهر التراكمية المادية واللامادية التي يتوارثها الناس، ويستخدمونها ويتناقلونها.