نظام الملل في الدولة العثمانية

اقرأ في هذا المقال


ما هو السبب في وضع نظام الملل في الدولة العثمانيّة؟

ينظر المؤرخون وعلماء الاجتماع إلى نظام الملل العثماني على أنّه مثال ناجح للحكم الذاتي غير الإقليمي، حيث أدرك الحكام العثمانيون تنوع الطوائف الدينيّة والعرقيّة التي كانت تشكّل الإمبراطوريّة العثمانيّة، وأدركوا أيضًا أنّ هذا التنوع لا يمكن ولا ينبغي استيعابه في مبدأ شامل للتماثل، وبدلاً من ذلك، نظموا سلسلة من المفاوضات الخاصة مع رؤساء المجتمعات الدينيّة؛ ممّا أدّى إلى ما أصبح يعرف بنظام الملل.
في ظل هذه الترتيبات، نظمت المجتمعات اليهوديّة والأرثوذكسيّة والأرمنيّة وجودها في الإمبراطوريّة العثمانيّة، واستمرت من خلال نظام معمم من التسامح الإمبراطوري والمفاوضات المكثفة، نستطيع القول أنّ هذا النظام استمر بالعديد من الدول، خاصة لبنان وتركيا ومصر واسرائيل.
وتذكر الدراسات بأنّ هذا النوع من الحكم الذاتي غير الإقليمي كان الأنسب للتشتت الجغرافي للأقليات، وكذلك للأهداف الاستراتيجية للإمبراطوريّة العثمانيّة، على الرغم من أنّ هذا النموذج تمّ إضفاء الطابع المثالي عليه لاحقًا، إلا أنّه لم يكن له تأثير فقط في السماح بالحكم الذاتي للأقليات ولكن أيضًا في ضمان بقائهم تحت سيطرة الدولة العثمانيّة.


منذ ولادة الإسلام في شبه الجزيرة العربية، عاش المسلمون والمسيحيون واليهود وازدهروا غالبًا من خلال التفاعلات المتسامحة والشراكات المحترمة، أنشأت الإمبراطوريّة العثمانيّة مؤسسة حكوميّة رسميّة للحفاظ على سلام متسامح بين مختلف شاغلي امبراطوريتهم الآخذة في التوسع بسرعة، وأُطلق عليه نظام الملل، ومع ذلك، فإن مصطلح الدخن له عدة تعريفات حتى فترة الإصلاح، أو التنظيمات (Ursinus).

ما هو نظام الملل (الدخن)؟


في القرآن، يشير الدخن كثيرًا إلى “ملّة إبراهيم”، أي دين إبراهيم ونادرًا ما يُشير إلى الملل بالنسبة إلى اليهودية أو المسيحية فقط، هناك أيضًا إشارات إلى الملل على أنّه “دين أو اعتراف أو طقس” من (1158) إلى (1833) كان هناك اتصالات داخليّة ودوليّة مختلفة بين الإمبراطوريّة العثمانية وإمبراطوريات أُخرى، معظمها من غير المسلمين.
أما في الغرب يُترجم الدخن على أنّه “دول ذات سيادة” وخاصة من حيث التمرد، بشكل عام، كان تعريف الدخن هو “المجتمع الديني”، هناك مصادر حيث يتمّ استخدام الدخن للمسيحيين خارج الإمبراطورية العثمانية، أو للمجتمع المسلم، أو كما تشير العبارة أنظمة الدخن، الذمي العثماني (Ursinus).
تمّ تطوير نظام الملل لحماية حقوق “العملاء المتسامحين للمجتمع المسلم” مثل أهل الذمي، كأهل كتاب في القرآن وتمّ إضفاء الطابع المؤسسي عليه بعد سقوط القسطنطينية من قبل السلطان محمد الثاني عام (1453)، ومع ذلك فإنّ الامتداد الكبير للإمبراطوريّة العثمانيّة ترك أيضًا مجالًا لكل مجتمع، جغرافيًا وثقافيًا، لتفسير وتنفيذ قواعد وأنظمة الإمبراطورية بشكل مختلف.


كانت الكنيسة الأرثوذكسيّة اليونانيّة هي أول كنيسة تمّ الاعتراف بها كدخن في عام (1454)، حيث كانت الديانة الرسميّة للإمبراطوريّة البيزنطيّة أو الإمبراطوريّة الرومانيّة الشرقيّة، اعترف إنشاء الكنيسة الأرثوذكسيّة بسلطة رجال الدين الدينيين على المسيحيين اليونانيين وحافظت عليها مع إدخال التأثير غير المباشر للسلطان على هذا المجتمع.
تمّ تسهيل الطبيعة المستقلة للدخن من قبل مندوب من كل مجموعة؛ يمثل البطريرك الكنائس اليونانيّة والأرمنيّة، ويمثل هام باشي أو الحاخام الأكبر كما عينه السلطان بعض الجاليات اليهوديّة.


على الرغم من أنّ علاقة الإمبراطوريّة العثمانيّة مع (المسيحيين واليهود) تطورت مع تغير الظروف، فقد كان يُنظر إلى أهل الذمة على أنهم من الدرجة الثانية للمواطنين المسلمين أو باعتبارهم “منفصلين وغير متساويين ومحميون”.
اعتقد العديد من العلماء أنّ تسامح العثمانيين ساهم في بقاء الإمبراطورية العثمانيّة على مر القرون، دفع بعض الدخن ضريبة اقتراع خاصة، (cizye)، بنسبة (10 ٪) لامتياز استمرار الحياة وفقًا لمجتمعاتهم الدينيّة المفضلة، مع ممتلكاتهم الخاصة وأماكن العبادة وغيرها من المؤسسات، بينما تمّ إعفاء الدخن الآخر كمجتمع يقدم خدمة الدولة، إنّ مقدار السلطة الممنوحة لكل دخن واضح بشكل خاص في المسائل المدنيّة والقانونيّة.
كان الدخن يسيطر على جميع النزاعات والاتفاقيات الداخليّة، مثل الزواج والطلاق والميراث ومسائل الأحوال الشخصيّة الأُخرى وتوزيع الضرائب وتحصيلها، كان هذا الفصل بين الخلافات القانونيّة بالدين أمرًا طبيعيًا بالنسبة للمجتمع العثماني الذي كان موجودًا بالفعل في نوعين من القانون، القانون السلطاني للحياة البشريّة وشريعة القانون الإلهي.
في الواقع، كان أهل الذمة يشيعون استخدام المحاكم الإسلاميّة، لأن القرار الناتج ربما كان يستحق أكثر من الاستنتاجات التي تمّ التوصل إليها في محاكم الملل، وهكذا فيما يتعلق بسلطة السلطان والإمبراطوريّة، يمكن أن يعيش أهل الذمة بشكل عام في سلام.


مع تراجع الإمبراطوريّة العثمانيّة في القرن التاسع عشر، اعترفت الدولة العثمانية بـ (17) ميليتًا بما في ذلك الكنائس الأرمينيّة (1461) والآشوريّة واليهود، استمر نظام الدخن في العمل بشكل جيد على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي مع بعض الاستثناءات حتى بدأ ظهور القوميّة في تقسيم الناس عرقيًا بدلًا من الانقسام الديني.


شارك المقالة: