نظرية ابن خلدون في التغير الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


اعتمد ابن خلدون على النظريّة الخطيّة التطوريّة لتفسير التغير الاجتماعي، وتَستخدِم هذه النظريَّات مَفاهيماً عامة مثل: النُّمو والتطور والتقدُّم.

وتقوم هذه النظريّات على افتراض وجود مراحل للتطوّر تَمرُّ فيها المجتمعات البشريّة من مرحلة إلى أخرى نتيجة عوامل معينة تُغيّر في طبيعة المجتمعات بالتدريج، وتَرقى هذه العمليات إلى مستوى القوانين الحتميّة في غالبيّة هذه النظريّات.

المفاهيم التي استخدمها ابن خلدون في تفسير التغير الاجتماعي

  • مفهوم الدَّخل من المعاش، أو طبيعة نمط الإنتاج السَّائد.
  • مفهوم العصبيّة، أو نمط العلاقات السائدة.
  • مفهوم البدواة.
  • مفهوم التحضّر.

ويُقرر ابن خلدون باستخدام هذه المفاهيم أنَّ المجتمع العربي الذي كان يدرسهُ باستخدام منهج استقرائي تاريخي يتطوّر من مرحلة البداوة إلى مرحلة التحضّر، وأنَّ العوامل التي تؤدِّي إلى هذا الانتقال هي: تغيّر الدَّخل من المعاش أو نمطّ الإنتاج، وتغيُّر نمطّ العصبيّة السائدة فيه.

مثال: عندما يكون نمطّ الإنتاج في المجتمع البدوي نمط رعوي يقوم على استغلال البيئة الطبيعيّة في الرَّعي وتربية الحيوانات والعيش من منتجاتها، فإنَّ نمط الإنتاج في البيئة الحضريّة حِرَفيّ تجاري يقوم على تشكيل السِّلع والخدمات من مواد البيئة الطبيعيّة وبيعها مُقابل رِبح مالي، والعيش من تراكم هذا الربح.

أثر تغير نمط الإنتاج بتغير طبيعة العلاقات الاجتماعية

مع هذا التغيُّر في نمط الإنتاج تتغيَّر طبيعة العلاقات الاجتماعية أيضاً، فهي قَرابِيّة في المجتمع البدوي بسبب عمل الأقارب معاً في استغلال البيئة الطبيعيّة، وبسبب تشابُهِهم في المهارات والحاجات، ممَّا ينتج عنه عصبيّة قويّة تقوم على رابطة القرابة، كما تقوم على هذا التشابه في المهارات والحاجات أيضاً.

ولكن في المجتمع الحضري فإنَّ العلاقات القرَابِيّة بينهم تَضّعُف وتتراجع ويَحلُّ مَحلها علاقات تعاقديّة غير قرابيّة تقوم على تبادل المنافع والمصالح وذلك نتيجة زيادة عدد السُّكان، وتنوّع أحوالهم، وأصولهم ومنابتهم، ونتيجة نمط الإنتاج الحِرَفيّ التجاري الذي يعملون فيه.

على ماذا ترتكز نظرية ابن خلدون

ابن خلدون هو عالم اجتماع وتاريخ إسلامي مغربي عاش في القرون الوسطى (1332 – 1406)، وهو معروف بمساهمته الرائدة في مجال فهم التاريخ والتغير الاجتماعي. نظريته الرئيسية حول التغير الاجتماعي تعرف باسم “عصبة العرب” أو نظرية العصبة.

تركز نظرية ابن خلدون على الدور الحضاري والثقافي في تفسير التغيرات الاجتماعية. يعتبر ابن خلدون أن الأمم والمجتمعات تتبع دورات تاريخية، وهذه الدورات تتأثر بعدة عوامل تاريخية واجتماعية. يشير إلى وجود ثلاث مفاهيم رئيسية في نظريته:

العصبة (العرب): تمثل هذه المفهومية الوحدة الاجتماعية والثقافية التي تتحدث عنها ابن خلدون. يرى أن العصبة تتشكل في بداية تأسيس الحضارة، وهي مكونة من جماعة من الأفراد يشملون نسلًا مشتركًا. وفي مراحل لاحقة، يضعف الاندماج والتماسك داخل العصبة، مما يفتح المجال لظهور عصبة جديدة.

العصبية: تتعلق هذه الفكرة بالتجاذب والتنافس بين العصب. يعتبر ابن خلدون أن العصب يصل إلى قمته من حيث القوة والازدهار، ولكن مع مرور الوقت، يتداول التراجع والهبوط بين العصب.

الأسباب الجغرافية والاقتصادية: يركز ابن خلدون على دور البيئة الجغرافية والعوامل الاقتصادية في تشكيل التغيرات الاجتماعية. يعتبر أن التضاريس والمناخ والموارد الطبيعية تلعب دوراً هاماً في تحديد نمط الحضارة وازدهارها أو تراجعها.

  1. الاسباب الثقافية: يؤكد ابن خلدون على دور العوامل الثقافية في تحديد مسار التغير الاجتماعي. يشير إلى أن القيم والعادات والتقاليد تلعب دوراً حاسماً في تشكيل هوية العصبة وتوجيه مسارها. يعتبر أن التغيرات في القيم الثقافية يمكن أن تؤدي إلى تحولات هامة في التنظيم الاجتماعي.
  2. التأثير الديني: يعزز ابن خلدون فهمه للتغير الاجتماعي بالتركيز على الأبعاد الدينية. يروج إلى أن الأديان قد تكون عاملًا رئيسيًا في توجيه سلوك العصبة وتحديد اتجاهات التغير الاجتماعي.
  3. المراحل التاريخية للعصبة: يشير ابن خلدون إلى وجود مراحل تاريخية للعصبة، تتضمن النشوء والازدهار والتراجع. يعتبر أن هذه المراحل تتبع نمطاً دورياً، حيث يحدث التغير الاجتماعي على شكل دورات تاريخية.
  4. العلاقات الاجتماعية: يركز ابن خلدون على طبيعة العلاقات الاجتماعية داخل العصبة وكيف يؤثر ذلك على قوتها واستمراريتها. يعتبر التماسك الاجتماعي داخل العصبة عاملاً مهماً لتحقيق الاستقرار والازدهار.

إن فهم ابن خلدون للتغير الاجتماعي يمزج بين الجوانب الاقتصادية والثقافية والدينية، مما يقدم رؤية شاملة لديناميات تكوين وتطور المجتمعات. يظل إرثه الفكري حيًّا ومؤثرًا، حيث يستمر في تحفيز الباحثين والعلماء في فهم تعقيدات التغير الاجتماعي على مر العصور.

تُعتبر نظرية ابن خلدون ركيزة للفهم التاريخي والاجتماعي، وقد أثرت بشكل كبير على علم الاجتماع والتاريخ. يُشدد في نظريته على الدور المركب للعوامل الثقافية والاقتصادية والجغرافية في تحديد مسار التاريخ وتطور المجتمعات.


شارك المقالة: