نقد وتقويم ابن خلدون في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


نقد وتقويم ابن خلدون في علم الاجتماع:

يعد ابن خلدون منشئ علم الاجتماع والعمران البشري، وقد تقدم إلى وضع لبنات علم الاجتماع القروي، وعلم الاجتماع الحضري، كما وضع قوانين الديمغرافيا والجغرافيا السكانية، واتصل بأحوال  المواطنين بالمناخ وطبيعة الجو، بل كانت له آراء سديدة في علم الاجتماع السياسي.

علاوة على ذلك، فقد ركز ابن خلدون في الباب الرابع المخصص لنشأة المدن والأمصار ومواطن التجمع الإنساني، على شعبة أطلق عليها إميل دور كايم بالمورفولوجيا الاجتماعية، أو علم البنية الاجتماعية، واعتقد هو وأفراد مدرسته أنهم أول من اهتم بدراسة قضاياها، وأول من عرف خواصها الاجتماعية، وأول من أدخلها في مسائل علم الاجتماع، ولم يدروا أنه قد سبقهم إلى ذلك ابن خلدون بأكثر من خمسة قرون، وأنه قد وقف على هذه الشعبة زهاء بابين كاملين في مقدمته.

ولا ننسى أن نقول بأن ابن خلدون قد استفاد من الكتابات الاجتماعية السالفة، كما يبدو ذلك واضحاً عند الفارابي، والبيروني، وإخوان الصفا، وابن سينا، وأبي بكر الرازي، والغزالي، وغيرهم من العلماء.

فقد أخذ ابن خلدون غالبية الظواهر الاجتماعية التي تستند عليها علم الاجتماع، ولا سيما الظاهرة السياسية، والاقتصادي، والاجتماعي والديني والثقافي والتاريخي، ويقصد هذا كتاب المدخل، يحتوي على سلسلة من فروع علم الاجتماع العام، مثل قواعد المنهج في علم الاجتماع، وعلم اجتماع المعرفة، وعلم الاجتماع الريفي والحضري، وعلم التنبؤ البشري الإيكولوجيا، وعلم الاجتماع الاقتصادي، وعلم الاجتماع السياسي.

ومن هنا، تعتبر مقدمة ابن خلدون بحق عملاً كبيراً عرض لنا فيه صورة بانوراميه كاملة للحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمع العربي الإسلامي الوسيط، وهذا ما يجعل الكثير من العلماء يعترفون حقيقة بمكانة كتابات ابن خلدون وتأثيرها في تحليل مسائل سوسيولوجية ضرورية، وتعطي اهتمامات الكثير من علماء الاجتماع والانثروبولوجيا وغيرهم، إلى المدى الذي أصبح هناك اعتراف عالمي الأن بدور ابن خلدون في الدعوة إلى تكوين علم الاجتماع.

وعلى الرغم من ضرورية مقدمة ابن خلدون في بقاء وإثبات علم الاجتماع، فإنها لم تبقى أثر في الباحثين اللاحقين الذين رجعوا إلى الفلسفة الاجتماعية أو فلسفة التاريخ، كما يبيّن ذلك جلياً عند مكيافيلي، وهيجل، وكارل ماركس، ولم ينطلق السوسيولوجيون الغربيون أوجست كونت وسبنسر ودور كايم، من نظريات ابن خلدون لتكبيرها وتعميقها وتوضيها وتحليلها، بل لاحظنا قطيعة معرفية مع كتابات ابن خلدون، كأنه غير متوفر في تاريخ البشرية، في حين كان هو المؤسس الحقيقي لعلم الاجتماع.


شارك المقالة: