نهاية الحكم العثماني في سوريا ولبنان

اقرأ في هذا المقال



كانت السنوات العشرون التالية في لبنان فترة أزمات مُتصاعدة أصبحت لبنان مسرحًا لصراع على السلطة بين الدروز والموارنة، بالإضافة إلى الصراع الاجتماعي في سوريا جرت محاولة لتطبيق النظام الإداري العثماني الجديد.

لكن النظام الجديد للضرائب والتجنيد تسبب في اضطرابات في كلتا الدولتين تفاقم هذا الوضع بسبب نمو النفوذ الأوروبي، أصبحت الأغلبيّة المسلمة على دراية بضعف العثمانيين للعدوان الأوروبي، وعلاقة فرنسا بالكاثوليك وروسيا بالأرثوذكس شجعت الأقليات على العمل في موقف أكثر ملاءمة وركزت على عداء مواطنيهم المسلمين.

كانت هناك أيضا اضطرابات اقتصاديّة غمرت السلع الأوروبيّة السوق واستبدلت بعض منتجات الحرفيين المحليين بالمنتجات الأوروبيّة، مما قلل من ازدهار الطبقة الحرفيّة المسلمة إلى حد كبير، لكنّه زاد من ازدهار تجار الاستيراد، معظمهم من المسيحيين واليهود.


وهكذا اندلع التوتر في عام (1860) عندما قامت حرب أهليّة بين الدروز والموارنة في لبنان، وتسببت في وقوع مذبحة للمسيحيين من قبل المسلمين في دمشق، أرسلت الحكومة العثمانيّة مفوضًا خاصًا لمُعاقبة المذنبين وقمع الفوضى، ولإرساء سلطة اسطنبول بثبات.

أرسلت فرنسا قوة استكشافيّة، وناقشت المفوضيّة الأوروبيّة مستقبل البلاد، ووصلت إلى استنتاج مفاده أنّ لبنان (الجبل نفسه وليس المدن الساحلية) يجب أن يكون منطقة حكم ذاتي (مطرفة) ولكن لا يجب إجراء أي تغيير في سوريا.

منذ ذلك الحين وحتى انهيار الإمبراطوريّة العثمانيّة، استمرت سوريا في الحكم كمجموعة من المحافظات العثمانية من عام (1888) كان هناك ثلاثة: هي دمشق وحلب وبيروت تمّ تطبيق النظام الإداري والقانوني الجديد بعناية أكبر، ورفع نوع جديد من المسؤولين المتعلمين تدريجيًّا.

كان إدخال السكك الحديديّة والبرق قد جعل الحكم أكثر صرامة، وتمّ ربط خط سكة حديد فرنسي الصنع بين بيروت ودمشق، مع امتداد لاحق يمتد شمالًا إلى حلب، وفي عام (1908) تمّ افتتاح سكة حديد الحجاز لنقل الحجاج من دمشق إلى المدينة المنورة.

شجعت السكك الحديدية والأمن الزراعة، كانت حلب (يبلغ عدد سكانها حوالي 200.000) ودمشق (250.000) وكذلك ازدهرت تجارة، ولكنّ الحرف اليدويّة تراجعت، وعانت الطرق الصحراويّة من افتتاح قناة السويس.


في المدن كان هناك تغيير كبير في الحياة الاجتماعيّة تبنت الطبقات العليا والمتوسطة الملابس والأعراف الاجتماعيّة على نمط أوروبا الغربيّة، وازدهرت المدارس على الطراز الغربي.

في عام (1866)، افتتحت البعثة البروتستانتية الأمريكيّة في بيروت الكليّة السوريّة البروتستانتيّة (لاحقًا الجامعة الأمريكية في بيروت)، وفي عام (1881) افتتح اليسوعيون الفرنسيّون جامعة القديس يوسف في نفس المدينة.

فتحت الحكومة العثمانيّة المدارس، وبدأ الشباب من العائلات العربيّة الكبرى في المدن في الالتحاق بالمدارس العليا في القسطنطينيّة والانتقال إلى الخدمة المدنية أو العسكريّة في عهد السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909)، كان العرب المسلمون في سوريا راضين عن حكم السلطان عبد الحميد الثاني.

لعب العرب السوريون دورًا قياديًا في بلاط السلطان ورعاه عبد الحميد بأوامر صوفية شجعه على التضامن الإسلامي، وعلى تعزيز طاعة السلطان كواجب ديني وظهر أيضًا تيار معارض للإصلاح السلفي مُتحالف مع الحركة الدستوريّة العثمانيّة، فضل السلفيون العودة إلى الإسلام البكر كوسيلة لتنقية الطقوس والسّماح بالتكيف المرن مع التطورات السياسيّة والتكنولوجيّة الحديثة.


بعد ثورة الشباب التركي عام (1908)، ازدادت العلاقات بين العرب والأتراك سوءًا سقطت السلطة في أيدي جماعة عسكريّة تركيّة حفزت سياستها نمو المعارضة أصبح الشعور القومي والوطني العربي أكثر وعيا، وتمّ تنظيم الأحزاب السياسية، المُنفتحة والسريّة، من قبل السوريين في القاهرة والقسطنطينية وباريس، وكذلك في سوريا نفسها.

عندما دخلت الإمبراطوريّة العثمانيّة الحرب العالميّة الأولى عام (1914)، أصبحت سوريا قاعدة عسكريّة في عام (1915) هاجم جيش عثماني تحت قيادة ألمانيّة الموقع البريطاني على قناة السويس، ومن عام (1916) قامت قوة بريطانيّة وإمبرياليّة مقرها مصر، مع وحدة فرنسيّة، بغزو فلسطين.

بحلول نهاية عام (1917)، احتل الجنرال السير إدموند (لاحقًا المشير الفيكونت) اللنبي القدس، وبحلول نوفمبر (1918) كانت قواته قد أخذت سوريا رحب معظم المسيحيّين واليهود بالاحتلال.

ظلت نسبة كبيرة من المسلمين مُخلصة للإمبراطوريّة العثمانيّة، باعتبارها كل ما تبقى من الاستقلال السياسي للإسلام، ولكن المجتمعات القوميّة جعلت قضية مُشتركة مع حاكم الحجاز، الشريف الحسين بن علي، لتشكيل تحالف مع بريطانيا ضد الحكم العثماني.

تمّ تشكيل جيش عربي بقيادة ابن الشريف حسين فيصل في الحجاز، بمساعدة ضبّاط سوريّين وعرب وبريطانيين بقيادة تي لورانس شاركت تحت القيادة العامة للينبي، في الحملة السورية التي ساعدت في السيطرة على دمشق.

عندما انتهت الحرب، قام اللنبي بتثبيت إدارة عسكريّة عربيّة، تحت حكم فيصل، في دمشق الداخليّة استولى الفرنسيون على السّاحل، وكانت بيروت مركزهم، واستولى البريطانيّون على فلسطين.

وتبع ذلك عدة سنوات غير مُستقرة أثناء تحديد مصير سوريا خلال الحرب، قدمت الحكومة البريطانيّة وعودًا إلى الشريف الحسين بن علي وزعماء عرب آخرين، بأنّ العرب سيكونون مستقلين في تلك البلدان التي ساعدوا على تحريرها، رهناً ببعض التحفظات، لم يكن مداها واضحًا على الإطلاق.

ثمّ في نوفمبر (1918)، أعلنت بريطانيا وفرنسا عزمهما على إنشاء “حكومات وطنية في سوريا والعراق” تستمد سلطتها من المبادرة والاختيار الحر للسكان الأصليين” بموجب اتفاقية سايكس بيكو لعام (1916).
سايكس بيكو هي معاهدة سريّة بين بريطانيا وفرنسا صادقت عليها روسيا وإيطاليا تقوم على تقسيم المناطق فيما بينهم بعد إسقاط الدولة العثمانيّة، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى السياسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والسياسي البريطاني مارك سايكس، كان على فرنسا أنّ تكون حرة في تأسيس إدارتها في لبنان وعلى الساحل وتقديم المشورة والمساعدة لأيّ نظام موجود في الداخل.

في مارس (1920) انتخب اجتماع الكونجرس السوري في دمشق فيصل ملكا لسوريا موحدة بما في ذلك فلسطين ولكن في نيسان / أبريل، قرر مؤتمر الحلفاء في سان ريمو أنّه يجب وضع كليهما تحت نظام الانتداب الجديد وأنّ فرنسا يجب أن يكون لها تفويض لسوريا.


شارك المقالة: