نهاية الدولة العباسية على يد هولاكو

اقرأ في هذا المقال


الأحداث التي جرت بين جلال الدين وأوجتاي:

من الغريب أن المسلمين في ذلك العصر كانوا يُحاربون التتار وفي الوقت نفسه يتقاتلون مع أنفسهم، وينهب بعضهم أرض بعض إذا دخلها، والمحنة دائرة عليهم، والشدة نازلة بهم، ويتصوّر كل واحدٍ منهم أنه عمل لجمع المسلمين للوقوف في وجه التتار، وهذه هي المحنة في هذه المرحلة وبداية الضعف الذي جاء في المستقبل.

ذهب جلال الدين إلى كرمان حيث كان نائبه بها وكان ينشر استبداده فيها، وتواصل مع التتار، وبعد دخولها رجع إلى تفليس لنقمة أهلها عليه، ومنها سار إلى بلاد الأبخاز على ساحل البحر الأسود وقاتل الكرج، ثم قاتل الملك الأشرف في خلاط، وحارب التركمان. ورجع الكرج إلى تفليس، وليس بها جند من المسلمين فدخلوها وأحرقوها. وسار جلال الدين إلى التتار بالقرب من الريَّ وقد وصل إليه خبر مسيرهم نحو بلاد المسلمين فالتقى بهم وهزمهم.

ومات جنكيز خان عام (624 هجري)، وخلفه ابنه الثالث أوجتاي، وتأثر بذلك الولد الأكبر منه، (جغطاي)، وهو الثاني لمخالفة ذلك التعيين لتقاليد المغول التي تقضي بتعيين الولد الأكبر، وقد ذبح أوجتاي أربعين فتاةً جميلة على روح أبيه وكثيراً من الخيل، وبقي في عاصمة المغول (قره قورم) في منغوليا.

اتجه أوجتاي فقضى على إمبراطورية شمالي الصين (كين)، بمُساعدة إمبراطورية جنوبي الصين (سونغ)، ثم التفت إلى الغرب فأرسل جيشاً قوامه خمسين ومائة ألف مقاتل، وأمره بالتحرك نحو مملكة خوارزم، وكان خوارزمشاه جلال الدين قد اختلف مع أخيه غياث الدين الذي التجأ إلى الإسماعيلية فحموه.

وصل التتار من جديد إلى جهات الري لقتال جلال الدين، وقد آلمهم توسعه الجديد بعد رجوعه من الهند، وسار إليهم جلال الدين، وجرت حروب كثيرة بين الفريقين، كانت الدائرة في أغلبها تدور على خوارزم، وكان النصر في آخرها لجلال الدين، ثم هُزِمَ فرجع إلى أصفهان، وقاتل التتار من جديد، وفارقه قبل المعركة أخوه غياث الدين مع فرقة من الجيش وظن التتار أنها خديعة فانهزموا، وكذلك كان ظنه هو أيضاً فانهزم.

وحسوا التتار بما كان فذهب بأدراجهم ليدخلون أصفهان، وجاء إليها جلال الدين، وهَزَمَ التتار وتبعهم إلى الريّ، ثم رجع إلى أرمينيا ونهبها، وجاء جيش آخر من التتار ففرَّ من وجهه، وهام على وجهه وقتله أحد الفلاحين عام (629 هجري)، في إحدى القرى الكردية.

وجاء التتار إلى أذربيجان عام (628 هجري)، فملكوها واتجهوا إلى ديار بكر والجزيرة، ووصلت جماعة منهم إلى أربيل وحاصروها وأرسل الخليفة نجدةً لأهلها، فانشمر التتار راجعين عنها، وقد أخضعوا الجميع، وارتكبوا أبشع الجرائم، وأفسدوا أعظم الفساد حتى خافهم الناس، وقتلوا الكثير من الأكراد والتركمان، وفرّّ من وجههم الخلق.

توجيهات أوجتاي بن جنكيزخان للجيوش:

وجه أوجتاي بن جنكيزخان عام (637 هجري)، ثلاثة جيوش: أحدها إلى كوريا، والثاني إلى إمبراطورية (سونغ) في جنوبي الصين التي ساعدته بالأمس ضد إمبراطورية شمالي الصين (كين): والثالث إلى شرقي أوروبا، وجعل قائد هذا الجيش الثالث ابن أخيه (جوجي) أكبر إخوته، وهو (باتو بن جوجي)، فدخل باتو بلاد البلغار (قازان)، ثم دخل التتار موسكو، واتجهوا إلى كييف أكبر مدن روسيا آنذاك فأبادوها.

وانقسم جيش (باتو) بعدها إلى قسمين: قسم بإمرته وسار نحو بلاد المجر، والآخر بأمرة (بيدار) واتجه نحو بولندا، وقد انتصر الأول على المجري وذبح الجيش أوجتاي عام (644 هجري)، فاستدعي ابن أخيه (باتو) للرجوع إلى بلاد المغول. وخلف (أوجتاي) ابنه (كيوك) الذي مات عام (646 هجري)، وخلفه ابن عمه مانجو بن تولوي بعد اضطرابات في قره قورم حول الملك، وقد وجّه أخاه كوبيلاي إلى الصين فاتخذ عاصمة له في بكّين، وسيّر أخاه الآخر هولاكو لغزو بلاد فارس والعراق وبلاد الشام.

وتوفي مانجو عام (655 هجري)، فخلفه أخوه (كوبيلاي) فأخضع الصين، وأصبحت بكّين عاصمته حاضرة المغول بدلاً من قره قورم. ووصل التتار إلى أذربيجان، واتجهت فرقة منهم إلى أربيل عام (634 هجري)، وحاصرتها، ثم دخلتها غير أن القلعة قد امتنعت عنها فأرسل الخليفة نجدة لأهل أربيل فانهزم التتار، وسارت جماعات من خوارزم بعد هزيمتهم أمام التتار، وانطلقت إلى الغرب، ولعبت دوراً في أحداث بلاد الشام، وتحالفت مع بعض ملوك الأيوبيين ضد بعضهم الآخر.

الأحداث التي جرت مع هولاكو:

في عام (638 هجري)، كتب (أوجتاي) خان التتار الأعظم إلى ملوك المسلمين يدعوهم فيها إلى الطاعة. ولما تولّى مانجو قيادة التتار جهّز حملة يقيادة أخيه هولاكو للاتجاه نحو الغرب ودخول فارس والعراق والشام. ولما تمَّ إعداد الحملة انطلق نحو بلاد ما وراء النهر، فجاءهُ الأمراء يُعلنون طاعتهم.

ثم سار إلى فارس وطلب من الأمراء معاونته للقضاء على الإسماعيلية، وجاءه أمراء من خراسان وأذربيجان وجورجيا، وقد تمكن من هزيمة الإسماعيلية وأسر زعيمهم ركن الدين خورشاه وقتله، واتخذ من مدينة همدان مقراً لقيادته، وكتب إلى الخليفة المستعصم يعاتبه على عدم مساعدته في قتال الإسماعيلية، كما طلب منه أن يهدم الحصون، ويردم الخنادق، ويتنازل لابنه عن السلطة، ويحضر هو لمقابلته أو يرسل إليه نيابة عنه الوزير سليمان شاه، ويهدده إن لم يقبل النصح.

أرسل له الخليفة رسالةً حملها إليه شرف الدين بن الجوزي فيها شيء من إظهار القوة والاستعداد، واستشار هولاكو من معه من المسلمين فأشار عليه حسام الدين الفلكي بعدم التعرض للخلافة وبغداد، على حين أن نصير الدين الطوسي قد شجعه على المضي لبغداد. وانطلق إلى بغداد يقود هو قسماً من الجيش لحصارها من المشرق، ويرافقه عدد من المسلمين أمثال أمير الموصل، وأمير شيراز، ونصير الدين الطوسي، وأعطى إمارة القسم الآخر من الجيش إلى (باجو)، وعهد إليه بإلقاء الحصار على بغداد من جهة الغرب.

وكانت قد وقعت فتنة في بغداد عام (655 هجري)، بين أهل السنة والرافضة وسببها ممالأة الوزير ابن العلقمي الرافضي للطاغية هولاكو. وكان ابن العلقمي قد اجتمع مع هولاكو، وعندما استشاره الخليفة المستعصم أشار عليه بمصانعة التتار، وقال: أخرج إليهم أنا في تقرير الصلح، فخرج وتوثق منهم لنفسه.

وتكلم مع الخليفة وقال: إن القائد قد قَبِلَ في أن يزوج ابنته في سلطنته، ولا يحتاج إلا أن تكون الطاعة فقط، كما كان أسلافه مع السلاطين السلجوقية، ويتراجع عنك بجيوشه، فليجب مولانا إلى هذا فإن فيه حقن دماء المسلمين، ويمكن بعد ذلك أن تفعل ما تريد، والرأي أن تخرج إليه فخرج إليه في جمع من الأعيان، فأنزل في خيمة.

ثم تقدم الوزير فقام بإستدعاء الفقهاء والأماثل لتواجدوا عن اتفاق العقد فخرجوا من بغداد فضُربت أعناقهم، وصار كذلك: تخرج طائفة بعد طائفةٍ حتى قتل جميع من هناك من العلماء والأمراء والحجاب والكبار. ثم مدّ الجسر، وبذل السيف في بغداد، واستمر القتال فيها نحو أربعين يوماً فبلغ القتل أكثر من ألف ألف نسمة، ولم يسلم إلا من اختفى في بثر أو قناة، وقُتِلَ الخليفة رفساً.

كان باجو قد انتهز فرصة للهجوم على بغداد من جهة الغرب، كما أنه حصلت اشتباكات مع قوات الخليفة في معركةٍ ضارية يوم عاشوراء، فخلا الجو لهولاكو من ناحية الشرق فتقدّم، وكان جيش التتار يقدر بمائتي ألف مُقاتل، وتصدى جيش المسلمين، للتتار، واستمر في المقاومة مُدةً حتى التاسع عشر من شهر محرم، ورأى الخليفة أنه لا بد من الاستسلام فأرسل إلى الطاغية هولاكو مرةً ثانية شرف الدين بن الجوزي، ويحمل له الهدايا مُعلناً التسليم والرغبة في وقف القتال، وخدعه المغول بالوعود الكاذبة.

وفي (4) صفر خرج الخليفة لمقابلة هولاكو ومعه أولاده الثلاثة: أحمد أبو العباس، وعبد الرحمن أبو الفضائل، ومبارك أبو المناقب، وثلاثة آلاف من أهل القُضاه والفقه والأمراء وأعيان المدينة، وعندما اقتربوا من هولاكو أُخذ الخليفة لخيمة، وحُجب البقية عنه، وطلب منه أن يأمر أهل بغداد بإلقاء السلاح ففعل، وما أن ألقى السكان السلاح حتى أمر هولاكو جنده بالانقضاض على المدينة وبدؤوا بالقتل والسلب وارتكاب المنكرات، وتهديم البيوت، وتخريب القصور، وإتلاف الكتب، واستمر ذلك أربعين يوماً.

وقد سيّر الخليفة إلى بغداد، ومعه نصير الدين الطوسي، وابن العلقمي ليدلّ جند هولاكو على أماكن الذهب والنفائس والمجوهرات، ولمّا عاد إلى هولاكو قُتِلَ في يوم الأربعاء الرابع عشر من شهر صفر سنة (656 هجري).

وأصبحت بغداد بعد الأربعين يوماً من التدمير خاوية على عروشها ثم أعطي الناس الأمان فخرج من خرج من الأقنية والآبار والمقابر كأنهم الموتى خرجوا من قبورهم، ولكن انتشرت الأوبئة والأمراض فأتت على أعدادٍ كبيرة منهم أيضاً. ورجع هولاكو إلى مقر حُكمه، في شهر جمادى الأول من العام نفسه، وفوّض أمر بغداد إلى الأمير علي بهادور ومعه ابن العلقمي. وهكذا دالت الدولة العباسية بعد أن امتدت أيامها (524) سنة.


شارك المقالة: