اقرأ في هذا المقال
- وحدة الإطار الاجتماعي للمسؤولية الاجتماعية في المجتمع المعاصر
- العناصر الرئيسية التي تمثل وحدة الإطار الاجتماعي للمسؤولية الاجتماعية
وحدة الإطار الاجتماعي للمسؤولية الاجتماعية في المجتمع المعاصر:
إن الظروف والمتغيرات الاجتماعية في المجتمع تختلف عن مجتمع آخر معاصر، فقد يعتبر هذا الانتقال السريع من سطحية قد تضر بالموضوع الذي نحن بصدده، فأولاً تم إثبات وجود تماثل في الإطار الاجتماعي للمجتمعات الرأسمالية المتقدمة، ثم ثانياً وجود تماثل في الإطار الاجتماعي للمجتمعات النامية، وفي الحالتين تبين مدى ما يشير إليه التماثل في الإطار الاجتماعي من إلحاح على المسؤولية الاجتماعية، ليس فقط للمشروعات الصناعية، وإنما أيضاً لكل مؤسسة ومنظمة داخل كل مجتمع منها.
وتبقى بعد ذلك خطوة أخيرة، يُثبت بها أن هذا التماثل في الإطار الاجتماعي، بكل ما يدعو إليه من مسؤولية اجتماعية شاملة، يعتبر سمة مميزة للمجتمع المعاصر كله بصفة عامة، ويمكن أن نحقق هذا إذا قارنا النتائج من تحليل الإطار الاجتماعي في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة بالنتائج من تحليل الإطار الاجتماعي في المجتمعات النامية، حيث تبرز بوضوح وحدة الإطار الاجتماعي للمسؤولية الاجتماعية، والتي تتمثل في العناصر الرئيسية التالية:
العناصر الرئيسية التي تمثل وحدة الإطار الاجتماعي للمسؤولية الاجتماعية:
1- عدم النمو المادي السليم في المجتمع المعاصر:
فلقد حدثت تغيرات اقتصادية واجتماعية لم تكن كلها خيراً للمجتمع، وإنما ترتبت عليها نتائج ليست في صالحه، واتخذت هذه الظواهر صفة عالمية تقريباً، وهنا يقول مالكو لم اديسثياه في دراسته، إن أزمة الإنماء أزمة عالمية تمتد أبعادها إلى الدول الفنية والفقيرة على السواء، فالأحياء القذرة في المدن وتلوث الهواء والمياه وسوء استخدام التكنولوجيا الحديثة كلها مظاهر تنتشر في كل مكان.
2- عدم النمو المعنوي السليم في المجتمع المعاصر:
وهذه النتيجة جاءت مصاحبة للنتيجة السابقة، حيث تعرضت القيم والعادات والتقاليد والعرف وأنماط السلوك والعلاقات الاجتماعية لتغيرات حادة، ليست في صالح النمو المتزن السليم لشخصية الفرد، فأصبح غير قادر على التكيف، مع ظروف الحياة وغير قادر على أن يستوعبها، فظهرت حركات التمرد والمنظمات الدينية المتطرفة التي هي أبعد ما تكون عن الدين وأقرب ما تكون إلى الإلحاد، كما وضحت علامات الاستسلام للمشعوذين من زعماء الحركات الخارجة على المجتمع وقيمه ومبادئه، وما إلى ذلك من التغيرات غير السليمة.
وهنا يقول مالكو لم اديسثياه أيضاً في نفس الدراسة المشار إليها، أن دور الأسرة كنواة للمجتمع قد دهمه الانحلال في كل أرجاء العالم، وما تمرد الشباب إلا أحد صور هذا الانحلال، كذلك فإن الأسرة وغيرها من نظم المجتمع المهمة في المجتمعات الفقيرة تتعرض لأضرار عديدة خلال عملية الأنماء التي قد تتخذ شكلاً سيئاً من أشكال المحاكاة لما يسعى بالمدينة الغربية.
3- عدم التكيف أو التوافق بين المشروعات الصناعية ومجتمعاتها المحلية:
وهذه نتيجة إسقاطية من النتيجتين السابقتين، على أساس أن هذه المشروعات الصناعية هي من أهم عوامل التغير في المجتمعات المحلية التي تنتمي إليها، بل أن دورها في أحداث التغيرات التي أدت إلى هذا النمو المادي والمعنوي غير السليم أوضح من أدوار المؤسسات الأخرى وخاصة فيما يتصل بالآثار السيئة، كتلوث البيئة وتفكك العلاقات الأسرية والاجتماعية.
ولذلك كان من الطبيعي أن تحدث أزمة من الشك وعدم الثقة بين سكان المجتمعات المحلية والمشروعات الصناعية الموجودة بها، والتي أدت إلى إثارة الرأي العام وممارسته للضغط المعنوي على هذه المشروعات الصناعية لكي تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية اتجاه ما يحدث من تغيرات داخل المجتمع، وبعض المجتمعات الرأسمالية المتقدمة الأخرى كإنجلترا وألمانيا الاتحادية، وأن كان هذا الضغط المعنوي للرأي العام لم تظهر له أية بوادر في المجتمعات النامية حتى الآن لأسباب قد ترجع إلى الفلسفات الخاصة بها ولدرجة الوعي عند أفرادها.
4- عدم التجانس بين المصالح الأساسية للمشروعات الصناعية وللعاملين فيها:
وهناك دراسة مستفيضة أجريناها حول هذا العنصر الأساس عن عناصر وحدة الإطار الاجتماعي للمسؤولية الاجتماعية، وقد تبين من هذه الدراسة أنه إذا كانت الحاجات الإنسانية الأساسية واحدة عند جميع البشر، إلا أن التنظيم الرسمي للمشروعات الصناعية خلق نوعاً من التعارض بينها وبين المصالح الأساسية لهذه المشروعات، وكان لذلك تأثيراته السلبية على العاملين.
فقد اتضح أن الأخذ بمبدأ التخصص الشديد في العمل يؤدي إلى تقليل فرص تحقيق الذات عند الفرد بما يؤدي إليه من استخدام قدرات قليلة وسطحية، مما جعل الفرد أكثر استسلاماً، يعيش دائماً في أوهام الرضى عن النفس دون أن يستطيع أن يحققها في الواقع.
واتضح أيضاً أن الأخذ بمبدأ تسلسل الرئاسة داخل المشروعات الصناعية كنتيجة لاتجاهها نحو التخصص الشديد، يؤدي إلى ضرورة تقبل العاملين لتوجيه المديرين، مما جعل منهم شخصيات معتمدة وسلبية وتابعة ولا يملكون إلا القليل من مسؤولية التحكم في بيئة العمل المحيطة بهم، وقد يفتقدون هذه المسؤولية كلية.
واتضح كذلك، أن الأخذ بمبدأ وحدة التوجيه الذي يفرض على العاملين السمع والطاعة، ويؤدي إلى نوع من الإحباط النفسي نتيجة لفقدهم القدرة على توجيه عملهم وتحديد أهدافه بأنفسهم، ويضاف إلى ذلك ما أدى إليه مبدأ وحدة الأشراف، كأحد المبادئ الأساسية في إدارة المشروعات الصناعية، من زيادة تبعية العاملين لرؤسائهم وسلبيتهم في مواجهتهم.
ولقد انتهت نتائج الدراسات الاجتماعية والنفسية إلى اثبات أن سلبيات السلوك الإنساني داخل المشروعات الصناعية ليست راجعة إلى طبيعة العاملين أنفسهم، وإنما هي نتيجة لطبيعة المشروعات الصناعية ذاتها ممثلة في فلسفتها وسياستها وأنماط سلوكها، بما أدت إليه من عدم تجانس بين المصالح الأساسية للعاملين والمصالح الأساسية للمشروعات الصناعية التي يعملون داخلها.
وكان طبيعياً أن ينعكس عدم التجانس هذا على مواقف العاملين من هذه المشروعات، والتي اتخذت ظواهر وأشكالاً عديدة، كالتمرد أو الالتجاء إلى الوسائل الدفاعية كالميل إلى لوم الآخرين دفاعاً عن الذات أو عدم المبالاة أو العدوانية والعدائية أو اليأس أو الحرص على المكافآت المادية بدون الحرص عن بذل الجهود المناسبة لها، وغيرها من الظواهر أو الأشكال المعبرة التي تعتبر نتائج طبيعية لعدم التجانس بين الفرد والمشروع بسب الظروف التي خلقتها بيئة العمل في المشروعات الحديثة.
ولا شك أن وضعاً كهذا يفرض على المشروعات الصناعية أن تعيد النظر في فلسفتها واتجاهاتها وسياساتها وأنماط سلوكها لكي تعيد صياغتها بالكيفية التي تحقق التجانس بين مصالحها الأساسية والمصالح الأساسية للعاملين فيها، حتى ولو من زاوية الحرص على مصالحها ذاتها، ﻷن استمرار هذا الوضع سوف يجعل من بيئة العمل مناخاً غير مناسب لنموها وتطورها.
وعلى ذلك تكون الظروف والمتغيرات الاجتماعية في المجتمع كله بصفة عامة وفي المجتمعات المحلية داخله بصفة خاصة، والتي تعتبر المشروعات الصناعية أحد العوامل الرئيسية المسببة لها إطاراً اجتماعياً مناسباً للمسؤولية الاجتماعية التي ينبغي على هذه المشروعات تحملها من زاوية أنها أفراد اعتبارية داخل هذه المجتمعات، وما يحدث لهذه المجتمعات يؤثر عليها، تماماً كما يؤثر على الأفراد العاديين الآخرين.