ماذا يعني التصحيف في الخط العربي؟
التصحيف: ويعني في الاصطلاح التحريف، وذلك بالرغم من أن أبا الأسود الدؤلي قام بضبط الحركات للحروف وميز الحروف العربية بعضها من بعض وحاول منع التصحيف ألا أن ذلك لم يحول دون الوقوع في خطأ التصحيف وذلك نتيجة لغياب النقاط بين الحروف المتشابهة.
ظلّ الأمر كذلك إلى عهد عبد الملك بن مروان، فإذا بالحجاج قد أمر كتّابه في ديوانه، وسألهم أن يضعوا لهذه الحروف المتشابهة علامات، فيقال: أن نصر بن عاصم قام بذلك، فوضع النقط أفرداً وأزواجاً، وخالف بين أماكنها بتوقيع بعضها فوق بعض وبعضها وضع تحت الحروف.
مع أن نصراً استخدم لون الحبر نفسه الذي كتب فيه الحروف، لكي تتميز النقاط الدالة على الشكل، التي وضعها أستاذه أبو الأسود عن نقاطه المعجمة للحروف، مع ذلك جاء الوقت الذي أدرك فيه العلماء ما تحدثه هذه الطريقة في الكتابة من إرباك، وأنه لا بد من الاستعاضة عن نظام أبي الأسود الدؤلي بنظام آخر في الشكل فكانت الشرط العلوية والسفلية هي البديل.
ويعزى إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي ابتداع هذا الشكل الجديد في بواكير القرن الثاني الهجري، ومنذ ذلك التاريخ شاع النقط والشكل بطريقة المحدثين، وعلى الرغم من توصل العلماء إلى نظام محدد للشكل والنقط منذ ذلك العهد ظل الكثير من الكتاب حتى عهد الصولي يهملونها إلا في مواضع قليلة من كتاباتهم ويحتمل فيه اللبس.
ويبدو أن هؤلاء الكتاب كانوا يتحاشون الشكل والتنقيط حتى لا يقال: إنهم يسيئون الظن بالقارئ، فإذا كان التحرج في البداية من شكل القرآن وإعجام حروفه له صفة دينية، فإن التحرج أخيراً له صفة أدبية معنوية، على أنه فيما يتعلق بنقط المصحف وشكله بخاصة في العهود المتأخرة، كما يقول السيوطي (صيانة له من اللحن والتحريف).
ومن كل هذا يتضح لنا أن الحروف الكتابية العربية كانت قد أخذت شكلها منذ الجاهلية الثانية على أقل تقدير، وأن إعجام بعض الحروف للتميز بين مشابهها، وكان معروفاً ومستخدماً في نطاق ضيق، منذ صدر الإسلام حدث توسع منذ بداية النصف الثاني من القرن الأول الهجري، مع إضافة نظام الشكل (الفتحة، الكسرة، والضمة والتنوين)، وذلك لضبط حروف الخط في اللغة وتحاشي اللحن.
ولأنه كانت صورة التدوين هي الكتابة، وكانت الكتابة حروفاً تتجمع وتتفرق في الكلمات فقد كانت هذه الأداة وهي الكتابة مسعفة على التدوين والاستنساخ المبكر وقد، أصبحت أكثر اتقاناً ومواتاه منذ أن استقر لها نظام الشكل والإعجام.
إذاً المشكلة الأولى في الخط كانت في التصحيف، أما المشكلة الثانية وهي مشكلة الوسائل التي يصلح التدوين عليها فإن الكاتب لا يكتب بالهواء بل ما يكتب به وهو القلم وما يكتب عليه. لقد كانت الحاجة أم الاختراع لذلك استطاع العرب معرفة أدوات الخط في الكتابة واكتشافها وهي القلم والورق.
ويقال أن العرب لم يعرفوا الورق إلا في أواخر القرن الثاني الهجري، أما عن المواد التي استخدمها الخطاطون قبل ذلك أي عند تدوين الصحابة للوحي فقد كان على رقاع الجلد.