قصة أغنية على قد الشوق:
إنّ أجمل وأروع الألحان ربما تأتي من وحي الحب والشوق، ولكن عندما يكون الحب فاشلاً فإنه قد ينتج لحنا قد يبلغ الذروة، وهنا نجد لحن أغنية “على قد الشوق”، والذي يعتبر من أجمل الألحان التي غناها عبد الحليم حافظ، حيث يذكر حليم أنه لن ينسى أنه لحن نبع من حب فاشل، وهو حب صديقة الملحن كمال الطويل لإحدى الفتيات التي التقى بها على شواطئ مدينة الإسكندرية.
ويذكر حليم أنه ذهب إلى الإسكندرية مع الملحن كمال الطويل ليقظوا بضعة أيام على شاطئ البحر، والذي كان المكان الذي بدأت منه قصة هذه الأغنية، حيث التقى كمال بمحبوبته ذات الشعر الطويل وخدها الأثيل، وعندها بدأ كمال يحدثني عن محبوبته في حرارة وحرقة حيث كنا نجلس على الشاطئ.
وفي إحدى الأيام ونحن جالسين على رمال الشاطئ وكان وقتها كمال يدندن لحناً، مرت بنا محبوبة كمال فاهتز قلبة كما تهتز أوراق الشجر حين تهب الرياح الهوجاء، وتعلقت بها عيناه، أما تلك الفتاة فمرت دون أن تحس حتى بوجودنا، فإذا بكمال يدندن مطلع تلك الأغنية “على قد الشوق اللي في عيوني يا جميل سلم”، وكان في عَيني كمال شوق يتقد ونار تلتهب، بالرغم من أن تلك الفتاة لم تعرنا أي اهتمام وكأننا غير موجودين.
ويستمر العندليب في الحديث عن قصة تلك الأغنية ويقول: كمال أحد الفنانين والفنان يؤلف من آلامه وأشواقه ألحانا، وقد هز كمال قلبي حين انسابت دمعة على خده، وفى اليوم التالي قلت لكمال إنّ الجملة التي قلتها يوم أمس والتي هي “على قد الشوق” تصلح لأن تكون مطلعاً لأغنية عاطفية، حيث اتفقنا على عرض هذا الأمر على الشاعر محمد علي أحمد والذي فعلاً أتم كتابتها.
ويستمر قائلاً مرت الأيام والشهور وكمال لا يحدثني عن اللحن ولا حتى عن محبوبته الإسكندرانية، ومر أكثر من عام وفي صيف العام التالي وتحديداً على ذات الشاطئ ونحن معاً تحدث أخيراً كمال عن محبوبته وعن ذلك اللحن الذي لم يتم بعد، وعدنا بعدها إلى القاهرة وأنا أتحرج من تذكيره باللحن لكي لا يعتقد أنني أريد أن أغنيه.
وأكملت الأغنية عامها الثاني، وفي أحد الأيام اجتمعت مع كمال بالصدفة في بيت الأستاذ الموسيقار محمد عبد الوهاب حيث تحدثنا عن الفن والوحي والإلهام وقال كمال حينها “إنّ حباً فاشلاً أوحى إليه بمطلع أغنية منذ عامين وأنه أتم لحنها فقط منذ يومين”، وهنا فَرِحَ حليم وقال: أسمعنا يا كمال هذا اللحن على العود، وفعلاً كان ذلك وكان ميلاد أغنية “على قد الشوق”.