مفهوم إدارة المعرفة:
مفهوم إدارة لمعرفة تطرّق له الباحثون عن طريق مداخل ومنظورات متنوعة، بناءً على اختلاف الاختصاص والخلفيات العلمية والعملية التي مارسوها ويملكوها. ومن الصعب التسليم بوجود مفهوم واحد يمكن أن يعطي فهم كامل لإدارة المعرفة، ويعود إلى سببين، هما:
- الأول هو أن مجال إدارة المعرفة واسع وكبير.
- الثاني هو ديناميكية موضوع إدارة المعرفة، بمعنى التبدلات الني تحصل بشكل سريع في المجالات التي يحتويها، والعمليات التي يغطيها.
وحاول بعض الباحثين تأطير مفهوم إدارة المعرفة بناءً على اتجاهات التركيز. وقد تشتتت المفاهيم، فهناك من ينظر لها كمصطلح على أنه مصطلح تقني، وقسم آخر قالوا أنها موجود غير ملموس، والقسم الآخر تناول مفهوم إدارة المعرفة من ناحية أنها ثقافة تنظيمية، وآخرون عرَّفوها من ناحية مالية، وبعضهم الآخر ركّز على إعطاء مفهوم الإدارة المعرفة من ناحية أنها تحديث للمعلومات وإدارة الوثائق.
فإن الاختلاف في تطوير مفهوم إدارة المعرفة يبدو أوضح إذا ما تناولته المنظمات الصناعية أو الخدمية والاستشارية، وعلى وجه الخصوص الصناعية التي تنظر إلى المعرفة على أنها وسيلة لكي يتم لوصول إلى الغاية، أما المنظمات الاستشارية وبيوت الخبرة فتنظر إلى المعرفة على أنها الغاية والمنتج النهائي الذي تتاجر به، وساهم ذلك في زيادة الاختلاف في بلورة المفهوم.
المنظورات المختلفة التي تناولت مفهوم إدارة المعرفة:
أولاً: منظور إدارة الوثائق:
يشير مفهوم إدارة المعرفة وفق هذا المدخل على أنها عبارة عن استنتاج المعرفة من الأفراد، والعمل على التحليل والتشكيل وثم القيام بعملية تحديثها إلى وثائق مطبوعة أو وثائق الكترونية؛ ليسهل على الآخرين الفهم والتطبيق.
ويركّز رواد هذا الاتجاه على استمرارية الوثائق على انها مخرجات للمعرفة عن طريق المراجعة بشكل دوري؛ ليتم تأمين الجودة لها ورفع درجة الموثوقية لزيادة قاعدة المعرفة في المنظمة، وبالتالي فإن بناء هذه القاعدة هو أساس إدارة المعرفة وليس الوثائق بحد ذاتها، وضمن هذا الاتجاه يرى قسم آخر من روّاد هذا الاتجاه بأن إدارة المعرفة هي القيام بأسر المعرفة وتخزينها وإعادة استخدامها.
وأشار بعض الروّاد إلى أن إدارة المعرفة تركز على دور الوثائق کوسائل للمعرفة المرمزة؛ لأنها تمكن الأفراد من البحث والوصول إلى المعرفة دون ضرورة الاتصال بالشخص الذي ولَّد هذه المعرفة. ونرى قصور هذا المفهوم عن إعطاء تعريف شامل لإدارة المعرفة، لكونه لا يُغطّي سوى ناحية واحدة، وهو المعرفة الظاهرة.
ثانيًا: إدارة المعرفة في المنظور التقني:
يركز أصحاب هذا المدخل على تقنية المعلومات تقوم بدور مسوّق لإدارة المعرفة، عن طريق باستعمال تقنيات تبسط نشر المعرفة وتطبيقها، وقد تم تعريفها على أنها قابلية ربط المعلومات المهيكلة وغير المهيكلة مع قواعد التغيير التي يطبقها الأفراد.
وتم تعريفها أيضًا على أنها تمثيل العمليات التنظيمية التي تبحث باستمرار، ومزج قدرة تقنيات المعلومات على معالجة البيانات والمعلومات، وقدرتها على الإبداع والابتكار للأفراد.
وبذلك عدّ مفهوم إدارة المعرفة على أنها عملية منظمة للبحث والاختيار والتنظيم، وعرض المعلومات بأسلوب تحسن فهم الموظفين والاستخدام الأفضل لموجودات لمنظمات الأعمال. وعلى الرغم من انتشار مفهوم إدارة المعرفة وفق المنظور التقني، فإن مجموعة من الباحثين نبهوا من اعتماد مفهوم إدارة المعرفة كتقنية؛ لأن الإفراط في ذلك يسبب في إهمال بعض القضايا الحيوية الفكرية والاجتماعية لإدارة المعرفة.
فإن مفهوم إدارة المعرفة وفق المنظور التقني لا يهمل أهمية الوثائق، لكنه اعتبرها وسائل مساعدة ويركّز في الوصول إلى المعرفة التي تنتج من أدوات المشاركة بالمعرفة مثل الإنترنت والبريد الالكتروني والحوار، ويختلف المفهوم وفق هذا المنظور عن المفهوم بناءً على منظور الوثائق لأنه يركّز على نوع المعرفة الضمنية والمعرفة الظاهرية.
ونرى أن هذا المنظور يدمج بين الجانب النظري والجانب التطبيقي لإدارة المعرفة، لكنه لم يصل إلى الشمولية؛ لأنه لم يتناول كيفية الاستفادة من المعرفة في الممارسة العملية للمنظمة بقصد خلق القيمة والاستفادة منها.
ثالثًا: إدارة المعرفة في المنظور الفني والاجتماعي:
يركّز مفهوم إدارة المعرفة بناءً على هذا المنظور على اعتبار أن المنظمات تتألف من الأفراد الذين يقومون بإنتاج السلع والخدمات، باستخدام بعض التقنيات التي لها أثر على كل من العمليات، وملاءمة التكنولوجيا و لأنشطة التي يقوم بها الأفراد الذين يشغلونها.
وجاء هذا المفهوم مع انتشار مفاهيم جديدة، مثل المنظمة المتعلمة وثقافة المشاركة، فقد تم الإشارة إلى أن إدارة المعرفة هي الفهم الواعي والذكي لثقافة المنظمة، وقدرتها على الاستعمال والتطبيق للتغيير الذي يحصل في هذه الثقافة.
وتم تعريفها أيضًا على أنها عملية اكتساب ومشاركة الخبرة الجماعية للمجتمعات في تحقيق وإنجاز رسالتها، وتوسع المفهوم ليصبح شامل للأدوات اللازمة لها، فإن نظام إدارة التوثيق وبرمجيات إدارة العلاقة مع الزبائن والإنترنت والبريد الالكتروني هي في الأساس إدارة المعرفة.
فقد أشار إلى أن إدارة المعرفة هي محاولة لإيجاد طريقة للوصول على حكمة الموظفين ومعرفتهم داخل المنظمة لرفع تلك المعرفة إلى أقصى حد ممكن والاحتفاظ بها. فإن مفهوم إدارة المعرفة بناءً على منظور هذا فإنه يركّز على الطبيعة الاجتماعية التي يتم بموجبها تولید المعرفة والمشاركة بها.
ويشير هذا التعريف على استخدام الوسائل بكل أنواعها لتسهيل التفاعل بين الموظفين والاستخدامات الاجتماعية للمعرفة، فهذا المفهوم لم يعتبر الوثائق ولا التقنية إدارة معرفة، ولم يتجاهل دورهما، لكنه اعتبرها من الوسائل المساعدة التي تُسهل على الأفراد تبادل المعرفة والمشاركة فيها.
رابعًا: إدارة المعرفة وفق منظور القيمة المضافة:
يركّز هذا المنظور في مفهوم إدارة المعرفة على دورها في القيمة من المعرفة التي تعتبر إنتاج لها ومدى المساهمة في خلق القيمة المضافة، وقد تم الإشارة إلى أن إدارة المعرفة بوصفها تطور فكري قد انتقلت بناء من الفكرة المنتشرة لقيد سلسلة قيمة المعلومات إلى سلسلة قيمة المعرفة.
حيث تعتبر الأولى الأنظمة التقنية عناصر أساسية تُسيّر عمليات العمل، بينما تتصرف مع الأفراد كموردين للعمل، أما الثانية فهي تتعامل مع الأنظمة البشرية كعناصر أساسية تهتم بتقويم دائم للمعلومات المحفوظة في الأنظمة التقنية. وإدارة المعرفة من هذا المنظور تتضمن وظيفتين، هما:
- الأولى هي الحصول على المعرفة عن طريق مصادر المعلومات.
- الثانية هي وسيلة لاستنتاج القيمة المضافة باستخدام هذه المعرفة بالتطبيق.
وفي الاتجاه تم تعريف إدارة المعرفة على أنها المصطلح الذي يتم استخدمه لتوضيح العمليات التي تجمع الأفراد والمعلومات معًا؛ ليتم تحديد الاكتساب والمعالجة والخزن واستخدام وإعادة استخدام المعرفة لتطوير الفهم الابتكار القيمة. وبهذا التعريف نرى أن أسس الإدارة المعرفة بثلاثة مكونات أساسية هي: الأفراد، العملية والتقنية.
خامسًا: إدارة المعرفة من منظور مالي:
أُعطي بعض الباحثين مفهوم لإدارة المعرفة من ناحية كونها موجود غير ملموس لكنه محسوس، أو أنها عبارة عن رأس مال فكري، وتم تعريفها على أنها مفهوم اشتقت من رأس المال الفكري، وتوسعت عنه حيث كانت تهتم بالاكتساب والمشاركة بالمعرفة.
وحدد مفهوم إدارة المعرفة ليتضمن مهام صنع إمكانات رأس المال الفكري والتقني والعملي، والتمكين من إعادة استخدامه والحفاظ عليه وهيكلة المعرفة، وخلق وتطوير رأس المال الفكري، لكن هناك من يرى أن مفهوم إدارة المعرفة كمدخل في الإدارة أكثر تفصيل من أنها رأس المال الفكري.
سادسًا: إدارة المعرفة من منظور المنظمة المعرفية:
ينظر هذا المنظور إلى إدارة المعرفة على أنها ليست فقط مبادرة أو مشروع، بل أنها مصطلح شامل لكل وحدات المنظمة، ويهتم بقيمة المعرفة على أنها نتاج لإدارة المعرفة تدرك في نموذج العمل.
وأشار هذا المنظور وأكّد على أن في المنظمة معرفة يكون تولید المعرفة ورفعها المصدر الأساس للقيمة المضافة، نوع من الميزة التنافسية، مسوّق أساسي للأعمال فيها وأنشطة مهمة تتخلل كل موضوع فيها، وأن أكثرية مستخدميها أصحاب مؤهلات علمية وثقافة رفيعة، أي أنهم صنّاع معرفة.
وتم الإشارة إلى أن إدارة المعرفة في المنظمات المعرفية تتطلب تواجد أربعة أركان أساسية، وهي:
- المعتقد المعرفي والالتزام فيه.
- معرفة کيف (Know – How) للأشخاص.
- الصورة التنظيمية.
- دعم تقنية المعلومات للمعرفة.
سابعًا: إدارة المعرفة من منظور العملية:
ركّز أكثر الباحثين في تناولهم مفهوم إدارة المعرفة على أنها عملية (Process)، فقد تم تعريفها بشكل تكامل العمليات الداخلية لتكوين المعرفة لإسناد الأداء على أنها المقدرة أو العمليات داخل المنظمة للاحتفاظ، أو تحسين الأداء التنظيمي الذي يعتمد على الخبرة والمعرفة. ووفق هذا المفهوم يجب أن تبدأ المنظمة بإحراز المعرفة المفيدة وإعادة استثمارها، أينما كان بالإمكان توليد أفضل العوائد من خلالها.
وتم تعريفها على أنها عملية نظامية تكاملية لتنسيق مهام المنظمة، بناءً على اكتساب المعرفة وتكوينها وتخزينها والمشاركة فيها وتحديثها وتكرارها من قبل الأفراد والجماعات الساعية وراء تحقيق الأهداف التنظيمية الرئيسة.
وعُرفت على أنها العملية التي توجه الإبداع من خلال الفكر التنظيمي والخبرة التنظيمية. ومن وجهة نظره المعرفة ليست محددة لمتابعة المعرفة الموجودة، بل تهدف إلى تعزيز وإسناد تولید معرفة جديدة و الإسهام في الإبداع الذي يشكل السبب الأساسي لنجاح الأعمال.