فلسفة أندرسون الناضجة في الأخلاق المهنية وجماليات

اقرأ في هذا المقال


بعد عودة الفيلسوف جون أندرسون (John Anderson) من فترة التفرغ في عام 1938 كان هناك انخفاض ملحوظ في إنتاجه الأكاديمي، حيث تمت كتابة 25٪ فقط من مجموعته الأكاديمية بالكامل على مدار الثلاثة وعشرين عامًا التالية، وبينما كان هناك تغيير ملحوظ في آرائه السياسة فإنّ التغييرات في آرائه الفلسفية أقل قابلية للاكتشاف، ففي كتاباته عن الأخلاق وعلم الجمال والتاريخ لم يكن واضحًا على الفور أنّه كان يبتعد عن الواقعية المنهجية، ويمكن القول إنّه أهم فيلسوف عمل في أستراليا، ومن المؤكد أنّه كان الأهم من حيث اتساع وعمق التأثير.

الأخلاق المهنية:

خلال سنوات الحرب بينما كانت الكتابات الأخلاقية لأندرسون لا تزال تشدد على الطبيعة النوعية للخير، وكان هناك أيضًا تغيير واضح في التركيز على مفاهيم الحرية والخنوع كعلاقات أخلاقية داخل المجتمع، وبينما رفض تناقضًا واضحًا في رأيه بأنّ الخير هو شيء يمكن السعي وراءه، إلّا أنّه ما زال يؤكد أنّ الخير هو سمة أو نوعية لأنشطة اجتماعية معينة ولا يمكن تحديدها مع ما هو ملزم أو مؤمر.

كما اضطر إلى توضيح ما إذا كانت هذه الصفات نفسية -على سبيل المثال الإبداع والاستفسار أو اجتماعية- على سبيل المثال التعاون والتواصل، حيث أدى اعتقاده بأنّ الحاجات مثل الاستفسار قد تحدث عند تقاطع المجالين النفسي والاجتماعي إلى تكهنات بأنّ الحاجات قد تحتل مكانًا فريدًا للنشاط النفسي والاجتماعي.

وقد صرح أندرسون الآن أنّ الحاجات تحدث فقط في الأسباب أو الحركات الاجتماعية التي تسعى هي نفسها وراء الحرية، وبناءً على ذلك يمكن لهذه الحركات أنّ تحول الأفراد الذين يشاركون في الحركات الاجتماعية إلى الحد الذي يجعلهم يتجاوزون حدودهم المفروضة على أنفسهم ويصبحون أحرارًا ومبدعين في هذه العملية.

بصرف النظر عن تطوير السمات الرسمية لنظريته الخاصة حيث انتقد أندرسون كلاً من المسيحية والاشتراكية لتعزيز أخلاقيات العمل الخيري، ولقد جادل بأنّ العمل الخيري يسعى إلى توفير الإغاثة للمحرومين ولكن هذه الحماية تضعف في الواقع عمل تلك الحركات الاجتماعية الفعلية والمستقلة التي يمكن أن توفر الهروب من عبودية المجتمع البرجوازي.

ولقد جادل أندرسون بأنّ مثل هذا الخنوع ليس شيئًا يمكن الخلاص منه لأنّه فقط من خلال ما هو عليه الرجال وليس بما قدموه لهم يمكن أن يفوزوا بالتحرر من العبودية، وكما انتقد نظرية الفيلسوف ميل عن مذهب المتعة الأخلاقية بحجة أنّه في حين أنّ المتعة هي صفة من الأشياء الطبيعية، وبالتالي يمكن من حيث المبدأ تحديد طبيعة الخير إلّا أنّه في الواقع مفهوم ضيق للغاية لتقديم مثل هذا التعريف.

أصبح هذا التركيز على الحرية والخنوع سمة أكثر بروزًا في كتابات أندرسون الأخلاقية وجادل بأنّ الحاجات موجودة فقط في صراعها مع الشرور، وعليه فإنّ أي محاولة للقضاء على الشر يجب أن تؤدي أيضًا إلى القضاء على الخير، على وجه الخصوص أكد أنّ الحرية لا توجد إلّا في صراعها مع العبودية، وأنّ محاولة إقامة دولة يتم فيها إلغاء انعدام الأمن والقصور هو هدف ذليل ولا يمكن أن ينجح أبدًا.

مكافحة البروليتارية:

بعد عودته من الإجازة طور الفيلسوف جون أندرسون تدريجياً نظرية مميزة للديمقراطية الليبرالية، واتساقًا مع رأيه القائل بأنّ الحرية لا توجد إلّا فيما يتعلق بالعبودية فقد جادل بأنّ الحرية لا يجب أن تكون مكرسة في حقوق وقواعد وإجراءات الدولة ولكن تم تجسيدها في المعارضة المستقلة للدولة، ومن ثم في وقت صياغة ميثاق الأطلسي ببيانه حول الحريات الأربع قال إنّه لا توجد حقوق يمكن أن تضمن الحرية، فـ(الحق) من وجهة النظر هذه هو مجرد تعبير عن (قوة) اجتماعية معينة.

وبالمثل اعتقد أندرسون أنّ الديمقراطية لم تكن شيئًا يتم تأسيسه في نظام حكم على سبيل المثال ديمقراطية تمثيلية، ولكنها كانت توازنًا للمصالح الاجتماعية المتنوعة أحدها كانت الدولة نفسها، على الرغم من أنّه يمكن تسمية نظام سياسي اسميًا بالديمقراطية التمثيلية، فإذا كانت المنظمات الاجتماعية والسياسية داخل هذا النظام السياسي لا تعارض الاندماج في هيكل الدولة فلا يمكن أن يكون حقًا ديمقراطية.

بعد نهاية الحرب كانت كتابات أندرسون حول النظرية السياسية نادرة على الرغم من وجود موضوعين سائدين في الكتابة الموجودة وهما:

1- أولاً عارض الشيوعية في كل فرصة، ومع ذلك لم تمتد هذه المعارضة إلى دعم حظر الحزب الشيوعي الأسترالي وفي استفتاء عام 1950 بشأن هذه القضية دافع علنًا وبقوة عن قضية الرفض، علاوة على ذلك فإنّ معارضته للأسس النظرية للشيوعية دفعته إلى التأكيد على أنّ المساواة هي مرض العصر الحديث.

2- ثانيًا دافع أندرسون أيضًا عن السمات العامة للنظرية المحافظة للمجتمع، ودافع على وجه الخصوص عن فكرة أنّ للتقاليد الاجتماعية والثقافية حقوقها وأنماط عملها التي يجب ألّا تتدخل فيها الدولة، وكان هذا هو الحال بشكل خاص مع الجامعات والتقاليد الأكاديمية، ويجب التأكيد على أنّ التمييز بين الفترة الديمقراطية والمحافظة لأندرسون ليس واضحًا، على الرغم من أنّه بشكل عام أشار إلى تفكيره السياسي خلال هذه الفترة بأنّه مناهض للبروليتاريا.

الجماليات:

بعد عودته من فترة التفرغ كانت الكتابات الوحيدة لأندرسون التي تتعامل صراحةً مع النظرية الجمالية هي محاضراته عام 1942 حول الأخلاق وعلم الجمال، وهذه المحاضرات عبارة عن مناقشة تفصيلية لمفهوم الجمال الذي يُفهم على أنّه إما موضوع في الفنون الزمنية مثل الموسيقى أو الدراما أو كبنية في الفنون المكانية مثل الرسم والنحت.

ومع ذلك بينما كان جون أندرسون مترددًا بشأن ما إذا كان الموضوع أو الهيكل هو أفضل وصف عام للجمال فقد أكد بشكل لافت للنظر أنّ الجمال لا يمكن أن يكون صفة، ولقد تم بالفعل ملاحظة مراوغة أندرسون بشأن وصف الجمال كجودة خلال الثلاثينيات ولكن لا يمكن التقليل من الآثار المترتبة على الإنكار الصريح للجمال باعتباره صفة، ويجب عليه إما أن يؤكد أنّ الجمال هو علاقة وبالتالي ينكر إمكانية وجود أي نظرية جمالية موضوعية أو يجب أن يعترف بالتناقض في موقفه، ويجادل بأنّ الجماليات لا تشكل جزءًا من فلسفته الواقعية المنهجية.

في نظريته الجمالية الأكثر جوهرية جادل بأنّ اغتراب الإنسان عن المجتمع ناتج عن فقدان الحب بين الذات والآخرين، وأنّ هذا الاغتراب لا يمكن التغلب عليه إلّا من خلال نشاط الحب، وجادل كذلك بأنّ التأكيد الأبدي لروح الإنسان في الأدب والتي يمكن تحقيقه في العلم وكذلك الفن والاختلاف هو من حيث أسلوب العرض.

المصدر: John Anderson (1893-1962)John AndersonAnderson, John (1954) ‘Politics and Morals,’ Australasian Journal of Philosophy 32: 213-22. Anderson, John (1958) ‘Realism’ The Australian Highway (Journal of the Workers Educational Association, Australia): Sept. pp 53 -56.Anderson, John (1959)‘The Illusion of the Epoch’ Australasian Journal of Philosophy 37: 156-67.


شارك المقالة: