فلسفة الاستقلالية والليبرالية

اقرأ في هذا المقال


يجادل بن كولبورن أستاذ الفلسفة السياسية بأنّه يجب على المرء أن يرى الليبرالية كنظرية سياسية ملتزمة بقيمة الاستقلالية، والتي تُفهم على أنّها تتكون من وكيل يقرر بنفسه ما هو ذا قيمة ويعيش الحياة وفقًا لذلك القرار، حيث يقدم فهم الليبرالية بهذه الطريقة حلولًا للعديد من المشكلات التي تعصف بالنظرية السياسية الليبرالية على مستويات مختلفة.

فلسفة الحكم الذاتي وأسس الليبرالية:

يلعب مفهوم الشخص المستقل أدوارًا متنوعة في مختلف تراكيب النظرية السياسية الليبرالية، وبشكل أساسي هو بمثابة نموذج للشخص الذي يتم استخدام منظوره لصياغة وتبرير المبادئ السياسية، كما هو الحال في نماذج العقد الاجتماعي لمبادئ العدالة، كما أنّها تعمل كنموذج للمواطن تنعكس اهتماماته الأساسية في تلك المبادئ، مثل الادعاء بأنّ الحريات الأساسية والفرص والحاجات الأساسية الأخرى أساسية لازدهار الحياة بغض النظر عن الالتزامات الأخلاقية وخطط الحياة، أو تفاصيل أخرى عن الشخص قد نحصل عليها.

وكذلك تُنسب الاستقلالية إلى الأشخاص أو تُسقط على أنّها مثالية من أجل تحديد وانتقاد الظروف الاجتماعية القمعية، والتي يعتبر التحرر منها هدفًا أساسيًا للعدالة سواء تم وصف تلك الانتقادات على أنّها داخل التقليد الليبرالي أو باعتبارها بديل محدد لها.

حيث تشير الليبرالية عمومًا إلى نهج للسلطة السياسية والعدالة الاجتماعية التي تحدد مبادئ الحق (العدالة) قبل تحديد مفاهيم الصالح وبشكل مستقل إلى حد كبير، وهذا يعني أنّ المفهوم الليبرالي للعدالة وإضفاء الشرعية على السلطة السياسية بشكل عام، يمكن تحديدها وتبريرها دون إشارة حاسمة إلى المفاهيم الخلافية للقيمة والمبادئ الأخلاقية، وهو ما يسميه رولز (المفاهيم الأخلاقية الشاملة)، وبالتالي فإنّ حقيقة التعددية الدائمة لمثل هذه المفاهيم الأخلاقية تعتبر مركزية لليبرالية.

إحدى الطرق التي ترتبط بها النقاشات المتعلقة بالاستقلالية بشكل مباشر بالخلافات داخل الليبرالية وحولها تتعلق بالدور الذي يلعبه حياد الدولة في تبرير وتطبيق مبادئ العدالة، والحياد هو معيار مثير للجدل بالطبع، والطريقة الدقيقة التي تلتزم بها النظرية الليبرالية بمتطلب الحياد معقدة ومثيرة للجدل.

السؤال الذي يجب طرحه هنا هو ما إذا كان مفهوم الاستقلالية المستخدم في النظريات الليبرالية يجب أن يحاول نفسه أن يكون محايدًا فيما يتعلق بالمفاهيم المختلفة للأخلاق والقيمة، أو بدلاً من ذلك هل الاعتماد على الاستقلالية في تبرير وتحديد النظريات الليبرالية للعدالة هم غير محايدين ببساطة بسبب هذا الاعتماد، وبغض النظر عن مدى الحيادية لمفهوم الاستقلالية المستخدمة.

عند النظر في هذا السؤال الأول بذلك نعيد النظر في مسألة ما إذا كان ينبغي تصور الاستقلال الضمني في الحكم الذاتي على أفضل وجه بطريقة إجرائية بحتة أو بشكل أكثر موضوعية، كما أنّه بعض المنظرين ينظرون إلى الاستقلالية على أنّها تتطلب الحد الأدنى من الكفاءة (أو العقلانية) جنبًا إلى جنب مع الأصالة، حيث يتجسد الشرط الأخير من حيث القدرة على قبول الجوانب التحفيزية للنفس بشكل انعكاسي.

يمكن تسمية وجهة النظر هذه بأنّها إجرائية لأنّها تتطلب أن يكون الإجراء الذي يأتي من خلاله الشخص لتحديد رغبة أو سمة خاصة به هو ما هو حاسم في تحديد أصالتها وبالتالي استقلاليتها، وتم تبني مفهوم الاستقلالية هذا وفقًا للمدافعين عنه لأنّ القيام بذلك هو الطريقة الوحيدة لضمان أنّ الاستقلالية محايدة تجاه جميع مفاهيم القيمة والخير الذي قد يستوعبه البالغون العقلاء.

أشار منتقدو هذا الرأي إلى الحالات التي يُتصور فيها أنّ الأشخاص يتبنون ما نسميه جميعًا مواقف الحياة القمعية والمقيدة بشكل مفرط، ولكن بطريقة تلبي الحد الأدنى من شروط الاستقلالية في الحسابات الإجرائية، بحيث يتم اعتبارهم بناءً على هذه الحسابات مستقلين بسبب عمليات الحكم الذاتي التي دخلوا من خلالها في مثل هذه الظروف القمعية.

يجادل هؤلاء النقاد بأنّ أي مفهوم للاستقلالية ينسب تلك السمة إلى هؤلاء الناس هو مفهوم خاطئ، على أساس مثل هذا الحكم يجادلون بأنّه يجب إضافة شروط موضوعية معيارية إلى متطلبات الاستقلالية مثل القدرة على إدراك واتباع معايير أخلاقية أو سياسية معينة، ويشير هذا النقد إلى أنّ الاعتبارات المتعلقة بالذات المستقلة لا يمكن أن تتجنب أسئلة الهوية، وبالتالي ما إذا كان يمكن فهم الذات في الحكم الذاتي بشكل مستقل عن القيم التي ربما تكون محددة اجتماعيًا من حيث تصور الناس لأنفسهم.

فلسفة الاستقلالية والليبرالية والكمال:

هناك إصدارات مختلفة من الفلسفة السياسية الليبرالية، ومع ذلك فإنّهم جميعًا ملتزمون بمفهوم الشرعية السياسية الذي يتم فيه تبرير السلطة والسلطة السياسية فقط إذا كانت هذه السلطة مقبولة لجميع المواطنين الملتزمين بها.

يرتبط هذا بنظرة أوسع لأسس القيمة التي يقدمها بعض المنظرين الليبراليين على الأقل باعتبارها مركزية لهذا التقليد، وهذا هو الادعاء بأنّ القيم صالحة لشخص ما فقط إذا كانت هذه القيم معتمدة أو يمكن أن يتم تأييدها بشكل معقول من قبل الشخص المعني، وبالتبعية فإنّ المبادئ التي توجه عمل مؤسسات السلطة الاجتماعية والسياسية وما يسميه راولز مؤسسات البنية الأساسية هي مبادئ شرعية فقط إذا كان يمكن اعتمادها بهذه الطريقة من قبل أولئك الخاضعين لها، وبهذه الطريقة تلتزم الليبرالية في معظم أشكالها بما أطلق عليه البعض (قيد المصادقة).

تتضمن نماذج الاستقلالية شرطًا يعكس هذا القيد حيث يكون الشخص مستقلاً بالنسبة إلى بعض المعايير أو القيمة الموجهة للعمل فقط إذا كان ذلك بناءً على انعكاس نقدي لتلك القيمة، وتحددها أو توافق عليها أو لا تشعر بالغربة الشديدة عنها، وبدمج وجهة النظر هذه مع قيود المصادقة، تحمل الليبرالية ضمنيًا أنّ الاستقلالية لا تُحترم إلّا عندما يمكن تبني القيم أو المبادئ التوجيهية في المجتمع بطريقة ما من قبل أولئك الذين يحكمونها.

الكماليون يرفضون هذه المجموعة من الادعاءات، فالكمال هو وجهة النظر القائلة بأنّ هناك قيمًا صالحة لفرد أو مجموعة سكانية، حتى عندما تكون من وجهة النظر الذاتية لهؤلاء الوكلاء أو المجموعات لا يتم اعتماد أو قبول هذه القيمة.

باختصار إنّها وجهة النظر القائلة بوجود قيم موضوعية تمامًا، في حين أنّ هناك ليبراليين مثاليين فإنّ هذا الرأي يقاوم عمومًا الادعاء الليبرالي بأنّ القبول المستقل للمكونات المركزية للمبادئ السياسية هو شرط ضروري لشرعية تلك المبادئ، علاوة على ذلك يشكك أصحاب الكمال في الالتزام الليبرالي بالحياد في صياغة وتطبيق المبادئ السياسية.

يستهدف الكماليون على وجه التحديد العلاقة الليبرالية بين احترام الاستقلالية وحياد المبادئ السياسية، وبالنسبة للكثيرين تعتمد الليبرالية على قيمة الاستقلالية الفردية، ولكن هذا الاعتماد إما يفترض أنّ احترام الاستقلالية هو مجرد قيمة واحدة من بين قيم أخرى في وجهة النظر الليبرالية، أو أنّ الاستقلال له قيمة سائدة.

ومع ذلك في كلتا الحالتين لا يتم دعم الحياد، وإذا كان الاستقلالية مجرد قيمة واحدة من بين قيم أخرى، على سبيل المثال فمن الواضح أنّه ستكون هناك أوقات يتغلب فيها دعم الدولة لتلك القيم الأخرى على احترام الاستقلالية مثلًا القيود الأبوية المفروضة لتعزيز سلامة المواطنين، ومن ناحية أخرى يمكن النظر إلى الاستقلالية باعتبارها قيدًا مطلقًا على تعزيز القيم أو على نحو أكثر منطقية، وكشرط أساسي لصحة جميع القيم للفرد كما يوحي قيد التأييد.

يرد الكماليون مع ذلك أنّ هذا في حد ذاته موقف قيم مثير للجدل، وقد لا يجد دعمًا عامًا غير مشروط، وللإجابة على هذه الاعتراضات يجب على المرء أن يتجه إلى النظر في مبدأ الشرعية الليبرالي، وبالنسبة للادعاء الذي يدلي به الليبراليون بشأن حدود ترويج الدولة للخير (وهو الحد الذي حدده احترام الاستقلال) يعتمد بشكل كبير على وجهة نظرهم حول الأرضية النهائية للسلطة السياسية.

المصدر: AutonomyAutonomy in Moral and Political PhilosophyThe nature of autonomyThe Place of Autonomy Within Liberalism Alcoff, Linda Martin, 2006. Visible Identities: Race, Gender and the Self, Oxford: Oxford University PressAppiah, Kwame Anthony, 2005. The Ethics of Identity, Princeton: Princeton University Press.Arneson, Richard, 1991. “Autonomy and Preference Formation,” in Jules Coleman and Allen Buchanan (eds.), In Harm’s Way: Essays in Honor of Joel Feinberg, Cambridge: Cambridge University Press.Berofsky, Bernard, 1995. Liberation from Self, New York: Cambridge University Press.


شارك المقالة: