ما هي المعرفة العلمية في علم الاجتماع؟

اقرأ في هذا المقال


ما هي المعرفة العلمية في علم الاجتماع؟

يمكننا القول أن المعرفة بصفة عامة عبارة عن نسق من المعاني والافتراضات والأحكام  والتصورات الفكرية التي يُنشأها الإنسان عن أي جانب الكون الذي يتكيف فيه، ومع أن مصدر المعرفة دائماً هو الواقع، سواء كان هذا الواقع فيزيقياً (جامداً) أو بيولوجياً (حياً) أو اجتماعياً، إلا أن هناك دائماً فرقاً بين معرفة تصور هذا الواقع تصويراً موضوعياً دقيقاً وبين معرفة أخرى تعكس هذا الواقع بصورة مخالفة لما هو عليه فعلاً.

والنوع الأول من المعرفة هو ما يطلق عليه المعرفة العلمية، وهي تلك المعرفة التي اكتسبها الإنسان من خلال محاولاته الدائمة للسيطرة على الطبيعة بجوانبها الفيزيقية والبيولوجية والاجتماعية، وإخضاعها ﻹدرارته عن طريق عمله الجماعي والتي مكنته بدورها من التنبؤ بالظاهرات المختلفة والتحكّم فيها، أما النوع الثاني من المعرفة غير علمية، فيتمثل في المعرفة الميتافيزيقية التي تفسر ظاهرات الكون الطبيعية بقوى فوق طبيعية وفي المعرفة الأدبية والفنية التي تعكس ظاهرات الكون من خلال المشاعر الذاتية للأدباء والفنانين.

ولكي نوضح هذه الأنواع الثلاثة من المعرفة (العلمية والميتافيزيقية والفنية) نضرب لذلك مثلاً بإحدى الظاهرات التي يمكن أن تكون موضوعاً لهذه الأنواع من المعرفة ولتكن الشجرة، المعرفة العلمية تحاول تصوير الشجرة في الواقع، فعالم الحياة يصف لنا الشجرة بدقة بأجزائها المختلفة ويبين لنا كيفية نموها ويفسر لنا ما بين هذا الكائن الحي وبين التربة التي ينشأ فيها من علاقات ويشرح لنا العمليات البيولوجية أو الحيوية التي تتم بداخله كعملية التمثيل الكلوروفيلي أو الضوئي.

وبناء على هذه المعرفة نستطيع أن نتحكّم بنجاح في هذه الظاهرة، أي نستطيع أن نزرعها في المكان المناسب والوقت الملائم، ونستطيع أن نزيد من سرعة نموها عن طريق تزويدها بما تحتاج إليه فعلاً من أسمدة أو مياه، كما نستطيع أن نزيد من محصولها أو نحسن منه.

أما المعرفة الميتافيزيقية فأنها تمدنا بصورة عن القوى فوق الطبيعة التي تتحكّم في هذه الظاهرة، ومن أمثله هذه المعرفة ما كانت تتصوّره الأقوام البدائية من أن كل شيء بالكون تسكنه روح هي التي تحدد سلوكه، وكان هذا التصوّر يعرف بما يسمّى بأحياء المادة وكانت وسيلة التحكّم في هذه الظاهرات تبعاً لهذا النوع من المعرفة وسيلة ميتافيزيقية أيضاًً، تتمثل في إقامة طقوس معينة كالرقص ﻹرضاء هذه الروح حتى تفعل ما يريد الإنسان.

أما المعرفة الأدبية أو الفنية فأنها تصوّر لنا نفس الظاهرة الشجرة من خلال مشاعر الأديب والفنان لنا جوانب معينة منها ويضفي عليها معانٍ لا توجد فيها ذاتها، ولكن توجد في عقل الإنسان، ولا تهدف هذه المعرفة إلى التحكّم في الظاهرة أو السيطرة عليها بقدر ما تهدف إلى تحقيق مشاعر إنسانية معينة نحوها أو استمداد مشاعر منها كالجمال مثلاً.

تتصف المعرفة العلمية بصفتين أساسيتين أولهما أنها تصوّر الواقع موضوعياً، هذا الواقع كما هو عليه، ليس في خصائصه الظاهرة فحسب ولكن في جوهره، وثانيهما أنها تمكننا من التعامل مع هذا الواقع بكفاءة عن طريق التحكّم فيه والسيطرة عليه، والعلم يستطيع التوصل إلى تصوير الواقع الذي يدرسه تصويراً موضوعياً ﻷن العلماء يستخدمون في دراساتهم منهجاً وأسلوباً خاصاً تم اكتشافه من خلال الدراسات العلمية المتعددة في كافة المجالات.


شارك المقالة: