أصول مفهوم الأصالة في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


يستخدم مفهوم الأصالة في علم النفس إما بمعنى قوي أو بمعنى أضعف أن نقول أن شيئًا ما أصيل يعني أن نقول إنه ما يدعي أنه شيء عظيم أو ما هو مشهور في الأصل، فقد يعني مصلح الأصالة في علم النفس أن يكون المرء نفسه، أو أنه يمثل نفسه حقًا؟ يرتبط مفهوم الأصالة في علم النفس بالمفاهيم المعرفية والأخلاقية، حيث أنه لا مفر من أن يكون المرء على طبيعته في مصطلح الأصالة؛ لأنه عندما يتخذ المرء خيارًا أو يتصرف بسلوك محدد يكون هو نفسه من يفعل هذه الأشياء، لكن نميل أحيانًا إلى القول إن بعض الأفكار والقرارات والإجراءات التي نتخذها ليست كذلك حقًا خاصة به، وبالتالي فهي لا تعبر بصدق عن شخصيته، وهنا تتعلق بعلم النفس الأخلاقي والهوية والمسؤولية.

أصول مفهوم الأصالة في علم النفس

تتمثل أصول مفهوم الأصالة في علم النفس في وجود مصطلح الإخلاص والصدق، حيث أدى عدد من التغييرات الثقافية الهامة في القرنين السابع عشر والثامن عشر إلى ظهور نموذج جديد، خلال هذه الفترة أصبح يُنظر إلى البشر على أنهم أفراد أكثر من كونهم عناصر مشاركة في أنظمة العلاقات الاجتماعية فقط، يظهر هذا التركيز على أهمية الفرد في انتشار السير الذاتية والصور الذاتية أيضاً، حيث يصبح الفرد مركز الاهتمام ليس بسبب الأعمال غير العادية أو الوصول إلى المعرفة الخاصة ولكن لأنه فرد.

في نفس الفترة لا يُنظر إلى المجتمع على أنه مجموعة عضوية من المكونات المتفاعلة، ولكن كمجموع من الأفراد المتفاعلين في سلوكيات مشتركة وكنظام اجتماعي له حياة خاصة به، ومنها يُفهم الإنسان على أنه أفضل ما يمكن تحقيقه من خلال كونه فريدًا ومميزًا، حتى عندما تتعارض هذه مع بعض المعايير الاجتماعية، في الوقت نفسه هناك وعي متزايد بما يسميه الإدراك الواعي بالفضاء الشخصي أو فهم الذات، والنتيجة هي التمييز بين الفرد الخاص والفريد من نوعه وبين الذات العامة.

مع هذه التغييرات الاجتماعية هناك تحول حاد في مفاهيم الاستحسان والرفض التي تستخدم عادة في الحكم على الآخرين وعلى الذات، على سبيل المثال أصبحت مجموعة من المفاهيم مثل الإخلاص والصدق غير مهمة في حين أنه في أوقات سابقة لها كان يُنظر إلى الشخص الصادق على أنه شخص يحاول بصدق ألا ينتهك التوقعات التي تنبع من المنصب الذي يشغله في المجتمع، ولا يسعى جاهداً للظهور بخلاف ما يجب عليه.

في خضم هذا التغيير المفاهيمي يصبح مصطلح الأصالة قابلاً للتطبيق في تحديد مجموعة جديدة إلى حد ما من الفضائل والأخلاق الصادقة، حيث ان المفهوم القديم للإخلاص الذي يشير إلى الصدق من أجل أن نكون صادقين في تعاملات المرء مع الآخرين، يأتي ليحل محله مفهوم جديد نسبيًا للأصالة يُفهم على أنه صادق مع نفسه لمنفعته الخاصة، في وقت كانت النصيحة الأخلاقية التي يجب أن تكون أصيلة بأن يكون المرء صادقًا مع نفسه حتى يكون صادقًا مع الآخرين، وبالتالي يُنظر إلى كون المرء صادقًا مع نفسه على أنه وسيلة لتحقيق الأصالة في نهاية العلاقات الاجتماعية الناجحة.

تتمثل أصول مفهوم الأصالة في علم النفس بوجود الاستقلالية، حيث أدت الجاذبية المتزايدة لفكرة الأصالة إلى ظهور أخلاقيات الأصالة الحديثة المؤثرة للغاية، تعترف هذه الأخلاق بقيمة أخلاقيات الاستقلالية السائدة التي تشكل الفكر الأخلاقي الحديث، حيث تؤكد فكرة الاستقلال الذاتي على قدرات الفرد في الحكم الذاتي، واستقلالية تفاعلات وعلاقات الشخص والقدرة على الاختيار بنفسه، إنه مرتبط بوجهة النظر القائلة بأن المبادئ الأخلاقية يجب أن ترتكز على الفرد المتمتع بالحكم الذاتي والمتحرر من الضغوط الثقافية والاجتماعية المتنوعة.

وفقًا لأخلاقيات الاستقلالية باعتبارها أساس ومنبع مصطلح الأصالة يجب على كل فرد اتباع تلك المعايير التي يمكنه اتباعها على أساس التأييد الانعكاسي العقلاني، إلى حد ما المبادئ التوجيهية المفروضة على الذات، ففي كلتا الحالتين من الأهمية بمكان أن يكون لدى المرء الذي يتمتع بالأصالة القدرة على وضع سلوكه الخاص تحت الفحص الانعكاسي وجعله يعتمد على الأهداف التي يقررها بنفسه.

أحد الاختلافات الجوهرية هو أن أخلاقيات الأصالة تقدم فكرة أن هناك دوافع ورغبات والتزامات يجب أن تفوق أحيانًا قيود التفكير العقلاني؛ هذا لأن هذه الدوافع أساسية جدًا لتماسك هوية المرء بحيث أن تجاوزها سيعني تفكك الذات التي هي ضرورية لتكون فاعلًا أخلاقيًا، والنقطة المهمة هي أن هناك أنواعًا من التفكير النفسي الفلسفي الأخلاقي يمكن أن تكون قمعية إذا نشأت من ضمير أخلاقي مستقل لا تكمله حساسية لتوازن الهوية والأصالة، إلى جانب عيش حياة مستقلة مسترشدة بأسباب ودوافع فردية غير مقيدة.

تتطلب الأصالة أن تكون هذه الدوافع والأسباب معبرة عن الهوية الذاتية للفرد خارج الموضوعات التي يتردد صداها بداخل الشخص، بعبارة أخرى المصادر الأخلاقية التي تتوافق مع نظام مفهرس بشكل لا ينفصم مع رؤية شخصية، ومن ثم فإن الأصالة تنطوي على جانب يقع خارج نطاق الاستقلالية، أي لغة الصدى الشخصي الذي يعبر عن الحديث الذاتي للشخص، يشير هذا إلى الفجوة بين الاستقلالية والأصالة حيث يمكن للفرد أن يعيش حياة مستقلة حتى لو فشلت طريقة العيش هذه في التعبير عن فهم الشخص لذاته.

نقد أصول مفهوم الأصالة في علم النفس

إن فكرة الاستقلالية في أصول مفهوم الأصالة في علم النفس ووجهة النظر القائلة بأن كل فرد يجب أن يقرر كيفية التصرف بناءً على مداولاته العقلانية الخاصة حول أفضل مسار للعمل مهدت الطريق لفكرة الأصالة، ومع ذلك فإن الأصالة تتجاوز الاستقلالية من خلال التأكيد على أن مشاعر الفرد ورغباته العميقة يمكن أن تفوق كل من نتيجة التداول العقلاني في اتخاذ القرارات، واستعدادنا للانغماس في أعراف وقيم المجتمع السائدة.

في حين يبدو أن الصدق عمومًا يقبل نظامًا اجتماعيًا معينًا فإن الأصالة تصبح مفهومًا نقديًا ضمنيًا، وغالبًا ما يثير التساؤل عن النظام الاجتماعي السائد والرأي العام، ولكن عندما يُنظر إلى الأصالة على أنها شيء مثل الإخلاص في حد ذاتها يصبح من الصعب بشكل متزايد رؤية ما هو الخير الأخلاقي الذي من المفترض أن نحققه.

هناك قلق يُشار إليه كثيرًا بشأن مبدأ الأصالة وهو أن التركيز على المشاعر والمواقف الداخلية للفرد قد يولد انشغالًا ذاتيًا بالنفس يكون معاديًا للمجتمع ومدمرًا للإيثار والتعاطف مع الآخرين، وهذا يشير إلى أوجه التشابه بين الاضطراب السريري المشار إليه باسم اضطراب الشخصية النرجسية والأصالة، ووفقًا لهذا التشبيه تتميز كل من النرجسية والأصالة بنقص مهارات التعاطف والانغماس في الذات والسلوك الإنساني المنغمس في النفس.


شارك المقالة: