عجز الانتباه وفرط الحركة لدى الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة

اقرأ في هذا المقال


قد يظهر أطفال في مرحلة ما قبل المدرسة مجموعة مختلفة من السلوكيات التي تقلق الوالدين أو أعضاء الأسرة الآخرين والمدرسين، وتتضمن السلوكيات الأكثر شيوعاً حدوث نوبات انفعالية، وتطلب اهتمام مفرط للغاية من قبل الآخرين وزيادة النشاط وتدني تحمل الإحباط والعدوانية ومشكلات النوم وغيرها، بالنسبة للأطفال في سن الثانية فمن المعروف على نطاق واسع صعوبة التعامل معهم غير أنه يبدو أن شدة المشكلات وتكرارها، تصل الذروة لدى الأطفال في سن الثالثة.

عجز الانتباه وفرط الحركة لدى الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة

بينت عدة دراسات أجريت على الأطفال الأكبر سناً والمصابين باضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، أن والديهم يقومون في البداية بالإبلاغ عن وجود مشاكل تتصل بزيادة النشاط والاندفاعية، وصعوبات في المواظبة على أداء المهمات وذلك في مرحلة ما قبل المدرسة، ومع أن سلوك العديد من أطفال في مرحلة ما قبل المدرسة يتسم بقلة الانتباه وارتفاع مستويات النشاط.

فقد تبين أن المشكلات الأبوية المتعلقة بهذه السلوكيات تكشف عن الأطفال الذين يميلون إلى تغيير النشاطات أكثر من غيرهم خلال اللعب، وكذلك الذين ينخرطون في نشاطات لفترات زمنية أقصر، والذين يتركون مقاعدهم على نحو أكثر تكراراً، وذلك بخلاف الأطفال الذين لا يعتبرون ذوي حركة مفرطة بالنسبة لوالديهم، وهذا وغالبا ًما تنجلي أعراض فرط الحركة والاندفاعية قبل أعراض قلة الانتباه، ومن هنا يتبين أن النوع الذي يسود فيه فرط الحركة والاندفاعية من أنواع اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة هو الأكثر شيوعاً خلال مرحلة ما قبل المدرسة.

غير أن أغلبية هؤلاء الأطفال ستظهر عليهم أعراض عجز الانتباه وفرط الحركة مع تقدمهم في العمر، ومن الواضح أنه يمكن الكشف عن أطفال في مرحلة ما قبل المدرسة الذين تظهر عليهم أعراض تشبه أعراض اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، ومع ذلك يجدر فهم التسلسل التطوري لهذه الأعراض قبل الاستنتاج بأنها متصلة بأعراض اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة في مرحلة المدرسة، وتشير الأبحاث الطولية إلى أن (45%- 75%) من أطفال في مرحلة ما قبل المدرسة الذين يعانون من اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة سوف تستمر هذه الأعراض لديهم في مرحلة المدرسة وحتى في مرحلة المراهقة.

ومع مرور فترات طويلة من الزمن يصبح استقرار هذه الأعراض السلوكية جديراً بالملاحظة، غير أنه تظل هناك مجموعة كبيرة من الأطفال الذين تظهر عليهم أعراض خلال فترة مرحلة ما قبل المدرسة، ولا يواجهون مشكلات في مرحلة المدرسة، ومن ناحية أخرى تدل الأبحاث أن شدة الأعراض وديمومتها قد تساعد العياديين على تمييز الأطفال الذين يرجح أن تستمر الصعوبات لديهم، وجد أن الأطفال الذين استمرت المشكلات لديهم حتى سن السادسة كان يرجح اعتبارهم أكثر قلق وتشتت وعصيان وتخريب في سن الثالثة من الأطفال الذين أظهروا تحسناً.

وإضافة إلى ذلك بالنسبة للأطفال من غير ذوي الأعراض المستمرة حتى سن السادسة، فقد أظهروا تراجع في الأعراض بين سن الثالثة والرابعة، وازداد هذا التراجع في الأعراض بين سن الرابعة والسادسة، وأما أولئك ذوو الأعراض المستمرة فقد أظهروا تراجع بسيط في الأعراض بين سن الثالثة والرابعة أو من سن الرابعة إلى السادسة، ومن هنا لدى تقييم العياديين للطفل في مرحلة ما قبل المدرسة وتقييم احتمالية وجود أعراض مستمرة.

فينبغي أن يأخذ بالحسبان شدة الأعراض الحالية على الطفل وديمومة هذه الأعراض، وسمات الطبيعة المزاجية للطفل ووجود ضغوطات حياتية والبيئة الأسرية.

تقييم الطفل المصاب بعجز الانتباه وفرط الحركة ما قبل المدرسة

1- التشخيص التفاضلي

يعتمد تشخيص اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة للطفل في مرحلة ما قبل المدرسة، من مثل تشخيص اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة للطفل الأكبر سناً، على تقييم أعراض اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة وكذلك على استبعاد اضطرابات أخرى، وعلى الرغم من التماثل بين هذه العملية والعملية المستخدمة مع الطفل الأكبر سناً، فإن تقييم الطفل الأصغر سناً يتطلب تركيز أكبر على تحديد الاضطرابات التطورية التي يحتمل الكشف عنها أولاً في فترة ما قبل المدرسة.

وينبغي أن يتضمن التقييم السيرة المرضية والسيرة الأسرية والفحص الجسمي، وكثيراً ما يتضمن أيضاً دراسات مخبرية للكشف عن الإعاقات الحسية أو الصرع أو ضعف أو زيادة نشاط الغدد الدرقية والاضطرابات الوراثية أو اضطرابات التلف العصبي، فقد يجد هؤلاء الأطفال أن سلوكيات المقاومة أو السلوكيات الفوضوية أكثر فعالية من حيث توصيل حاجاتهم، وقد تصعب عملية التمييز فيما إذا كانت السلوكيات الفوضوية مرتبطة بمشكلات التواصل أو باضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة أو بكليهما.

وفي معظم الحالات إذا شك أحدهم بأن مشكلة التواصل مرتبطة بالسلوكيات الفوضوية، فينبغي تأخير تشخيص وجود اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة إلى أن يقوم معالج نطق ولغة أو اختصاصي نفسي بمساعدة الأسرة على تقييم مشكلات التواصل وإدارتها، وهذا وقد أكدت الدراسات على أهمية تقديم مساعدة إضافية لهؤلاء الأطفال وأسرهم، فقد أثبتت هذه الدراسات نزعة مشكلات السلوك لدى أطفال في مرحلة ما قبل المدرسة من ذوي الصعوبات اللغوية نحو التزايد في فترة ما قبل المدرسة إلى سن المدرسة، في حين تظل مشكلات السلوك للأطفال من غير ذوي الإعاقات اللغوية أكثر استقراراً.

وتتوجب مراقبة هؤلاء الأطفال بعناية لدى دخولهم المدرسة؛ بسبب تزايد عرضتهم للإصابة بالإعاقات التعليمية، وبالنسبة للطفل الذي لم يتم تشخيص وجود تأخر تطوري أو إعاقة عقلية لديه، فقد يكون أقل كفاءة في تنظيم مدة انتباهه ومستوى نشاطه من أقرانه ذوي العمر الزمني نفسه، وقد يعتبر والأهل هذا الطفل أنه يظهر إشارات على اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، ومن ناحية أخرى تسهل عملية الكشف في مرحلة ما قبل المدرسة عن الأطفال المصابين بالإعاقة العقلية والذين يتطلبون دعم شاملة.

وإذا كان مستوى النشاط ومدة الانتباه مناسبين للعمر العقلي للطفل، فيمكن عزو الصعوبات في مدة الانتباه ومستوى النشاط إلى حالة الإعاقة العقلية، وليس إلى اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة بذاته، وبالتالي يجب أن يكون العياديون الذين يقيمون وجود اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة لدى الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، على دراية باستخدام اختبارات الذكاء التصنيفية المفيدة في الكشف عن الاضطرابات اللغوية والإعاقة العقلية.

وقد يصاب الأطفال ذوو الإعاقة العقلية أيضاً باضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، ومن هنا إذا كانت صعوبات الطفل المتصلة بمستوى النشاط ومدة الانتباه تفوق كثيراً ما هو متوقع من طفل من مثل عمره العقلي، فيكون من المناسب تشخيص اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة كاضطراب وسائل مصاحب لديه.

وإذ أن ارتفاع مستوى النشاط لدى الأطفال المصابين بالاضطراب التطوري الشامل شائع جداً لدرجة الاعتقاد بأنه جزء من اضطراب ضمني، بالتالي لا يتم إجراء تشخيص إضافي لوجود اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، ومن جانب آخر يمكن جعل ارتفاع مستوى النشاط هدفاً للتدخل العلاجي، وبالإضافة إلى الاضطرابات التطورية هناك اضطرابات عقلية أو نفسية أخرى قد يكون لها أعراض مشابهة لأعراض اضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة.

فعلى سبيل المثال عادة ما يخفق الأطفال المصابون باضطراب المقاومة العدواني في اتباع تعليمات الراشدين، مما يجعلهم بالتالي يبدون مصابين بعجز الانتباه وفرط الحركة أو الاندفاعية، ويعتبر( 30%-60%) من الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة المصابين باضطراب عجز الانتباه وفرط الحركة، أنهم في الواقع ذوي سلوك عصياني أو سلوك مقاومة في المنزل أو في المدرسة، وخصوصاً الذكور منهم.

وفي النهاية هناك سمات أخرى للطفل قد تسهم في إحداث سلوكيات المقاومة، ومنها على وجه الخصوص تدني القدرة على التكيف والعوامل الأسرية، مثل قصور المهارات الأبوية وقصور تنظيم البيئة المنزلية وارتفاع مستويات الضغوطات الحياتية، أما الاضطرابات العقلية الأخرى من مثل الكآبة والحصر النفسي ما عدا الحصر النفسي الانفصالي واضطراب الهواجس القسرية؛ فهي أقل شيوعاً لدى الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة من الأطفال الأكبر، وفي حالة حدوث هذه الاضطرابات بالفعل لدى الأطفال في مرحلة ما قبل سناً.


شارك المقالة: