الزواج مؤسسة اجتماعية قديمة قدم الجنس البشري نفسه، ويمكن تعريفه على أنه علاقة بين الرجل والمرأة معترف بها في العرف أو القانون وتنطوي على حقوق وواجبات معينة، سواء في حالة دخول الأطراف إلى الاتحاد في الزواج أو في حالة الأطفال المولودين منه، فإن للزواج وظيفتان أساسيتان هما أنه الوسيلة التي يتبناها المجتمع البشري لتنظيم العلاقات بين الجنسين؛ وتوفير الآلية التي من خلالها يتم تحديد علاقات الطفل بالمجتمع.
الحياة الزوجية في الإسلام
تتغير طقوس وعادات الزواج باختلاف المناطق وفي مختلف مراحل الأعمار، لكن هاتين الوظيفتين المذكورتين أعلاه في حالة الزواج؛ فهي تعني دائمًا حق الجماع على النحو الذي يسمح به المجتمع ويعترف به مسؤوليات الآباء والأمهات في تربية الأطفال، والدين الإسلامي يهتم بهذه المؤسسة ويقبلها كبناء رئيسي للمجتمع البشري بعد أن طهرها من كل تلك الشرور التي اخترقتها.
أولاً: لا يعتبرها الإسلام اتحادًا فقط لإشباع الضياع الجنسي، بل هو عقد اجتماعي بمسؤوليات وواجبات واسعة ومتنوعة، والسبب في ذلك هو أن المرأة حسب العقيدة الإسلامية ليست لعبة في الحياة بيد الرجل، بل هو كائن روحي وأخلاقي يؤتمن عليه بالهدى الذي يشهد الله تعالى عليه، فلا يقصد بذلك الزوجة، لتوفير المتعة الحسية للذكر فقط، ولكن للتعاون معه بشكل كامل في جعل حياة الأسرة والإنسانية جمعاء، في نهاية المطاف الزواج ذا مغزى كبير.
وقد أشار القرآن الكريم في كثير من الآيات إلى مقاصد الزواج المختلفة، فذكر الله تعالى في كتابه العزيز: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”، الروم، 21، ففي هذه الآيات أن الأنثى ليست أدنى مكانًا من الذكر بمعنى أن الذكر خلق من مادة متفوقة بينما الأنثى تأتي من أصل أساسي، الرجل والمرأة من ذرية آدم، وبالتالي كلاهما لهما نفس الروح، ولذلك فإن الغرض من الزواج بحسب القرآن الكريم هو اتحاد الروحين اللذين هما في الجوهر، ووجودهما المنفصل هو أمر غير طبيعي، حالة كيانهم التي تتغير إلى الحالة الطبيعية عندما يتحدون بالزواج وبالتالي يقتربون من بعضهم البعض جسديًا، عقليا وعاطفيا.
يعتبر كل من الرجل والمرأة الوارثين المشتركين لنعمة الحياة، وما لم يكن هناك شكل وثيق وحميم للغاية من الرفقة، فلن يتمكنوا من التمتع بنعمة الحياة الحقيقية، فهم خلقوا من روح واحدة، جعل بين الزوج والزوج الراحة التي توجد بينهما، تعني الراحة أكثر بكثير من مجرد إشباع الرغبات، إن المفهوم الكامل لعلاقة الزواج في الإسلام مشحون بالأفكار الروحية والأخلاقية، ويجب بالضرورة رفع مكانة التحالف الزوجي في الحياة الفردية والاجتماعية.
في الإسلام، تم تطهير اتحاد الجنسين، وتأمين فرحة العلاقة الزوجية بالتحريم المطلق لكل نوع من أنواع العلاقات خارج نطاق الزواج، ويؤكد القرآن الكريم على الناس الزواج باعتباره الوسيلة الأكثر فاعلية في هذا الموضوع، يمكن للمرء أن يعيش حياة فاضلة خالية من الفجور والتثبيط العاطفي، يقول القرآن الكريم: “أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ”، البقرة،187، وهنا الوصف الصحيح للعلاقة بين الاثنين، فالزوج والزوجة للدعم المتبادل والراحة والحماية المتبادلة، وملائمة لبعضهما البعض كملابس تتناسب مع بعضها البعض.
ثم يوضح القرآن الكريم أن هذا الاتحاد ليس علاقة مؤقتة بين الفردين من الجنسين المختلفين: إنها علاقة دائمة ودائمة بمعنى أن على الطرفين أن يبذلوا جهودهم الجادة لقيادة حياتهم فيها، الانسجام التام وتحمل أنفسهم بشكل مشهود من المسؤوليات الملقاة على عاتقهم من خلال الدخول في هذا العقد المقدس.
يشير القرآن الكريم أبعد من ذلك إلى أن الإشباع في الحياة الزوجية، لا يقصد به إشباع الشهوة الجسدية فقط، بل يجب أن يكون موجهاً إلى بعض الغايات العليا، فالزوجة الصالحة تشبه الأرض الصالحة للزراعة التي تُحرث للبذر وجني الثمار ويقصد هنا النسل وليس فقط للتساهل الجسدي، يشير الجزء الختامي من الآية إلى نهايات أعلى وأكثر سامية تشير إلى أنه حتى في ذروة الملذات الجسدية، لا ينبغي أن تُفقد المسؤوليات الأخلاقية والروحية بأي شكل من الأشكال؛ بل يجب أن يكون المرء أكثر وعياً عند ذلك، فهذه هي اللحظات التي يرجح فيها أن يخاف المرء من الرب العباد.
الزواج، وخاصة بالنسبة للمسلمين، هو أكثر بكثير من مجرد وجود شخص للاتصال بالزوج أو الزوجة، العلاقة الزوجية نعمة لا تصدق وعلامة إلهية لوجود الطمأنينة والسكينة، الغرض الكامل من وجود الزوج هو إيجاد الطمأنينة مع بعضهم البعض، والعلاقة بأزواج بها علامات على أن الله تعالى يطلب منهم التفكير.
الأزواج يحبون بعضهم البعض في سبيل الله تعالى
المقصود في أن يحب الأزواج بعضهم البعض في سبيل الله تعالى: تعني أن يجعلوا محبة الله تعالى وطاعته أساس العلاقة مع الشخص آخر ومحوره، هذا يعني أنه الزوج والزوجة يحبا بعضهما لدرجة أنهما يريدان أن يستمران في حبهما لبعضهم البعض إلى ما بعد هذه الحياة وفي حياة الآخرة، حيث يمكنهما أن يعيشا في سعادة أبدية معن بعد أن نالا رضا الله تعالى مع بعضهما، هذا يوضح أن تحب أحد ما لمجرد أنه يذكرك بآيات بالله تعالى وسنة نبيه ويساعدك على الاقتراب منه.
ينتهي الأمر بالكثير من الأشخاص الذين يتزوجون بعضهم البعض حتى لأسباب دينية في المقام الأول بخيبة أمل بعد الزواج عندما يجدون فجأة أن زوجهم لا يصلي كل صلاة كما اعتقدوا أو لا يقرأون القرآن كل يوم أولا يداومون على أذكار الصباح والمساء أو صيام الاثنين والخميس كما يظنون، إن قيود الروحية على أعمال العبادة الجسدية أو الخارجية تعمى عن رؤية مدى مساهمة الأزواج في تحسين شخصيتهم، وهو شكل غير مسبوق من النمو الروحي.
ينخرط الأزواج المسلمون السعداء حقًا في كسب رضا الله معًا متى وبأي طريقة ممكنة: إنهم يمجدون الله تعالى معًا في ساعات الفجر الهادئة، ويشكرون الله تعالى في التهجد معًا، ويجعلون من قراءة الحد الأدنى من القرآن الكريم نقطة تغير للأفضل كل يوم، يقومون بأعمال منتظمة أو حتى عشوائية من اللطف والصدقة ويحافظون على علاقات حب سعيدة مع عائلات بعضهم البعض.
إذا كانت هناك حاجة أساسية واحدة موجودة في كل علاقة إنسانية، فهي الحاجة إلى الشعور بالصلة والتقدير،ولا توجد علاقة أخرى يتم فيها التغاضي عن هذه الحاجة وإساءة استخدامها بشكل أساسي، كما هو الحال في الزواج.
عندما يتزوج الزوجان حديثًا، فإن كل شيء يفعله الزوج أو الزوجة يجلهما يشعران بأنه مميز للغاية، مع مرور الوقت، يصبح خروج الزوج للعمل وكسب الأسرة أمرًا طبيعيًا، وبعد بضع سنوات كذلك يصبح كل عمل من واجب الزوجة، فإن كل وجبة تطبخها العروس الجديدة مبهجة، ولكن مع مرور الوقت تصبح فرضًا وواجب عليها من قبل الأزواج.
أزواجنا نعمة عظيمة من الله تعالى على بعضهم البعض، فهم مصدر لا غنى عنه للراحة الروحية والعاطفية والعقلية والجسدية، يستمر الأزواج المسلمون السعداء في الشعور بالسعادة؛ لأنهم ببساطة ينفذون أمر الله في ويبقوا ممتنون كل يوم لبعضهم البعض، لذلك يزيد الله تعالى السعادة التي يجدونها في بعضهم البعض، تمامًا كما وعد الله تعالى في آياته.