النظرية البنائية في التعلم

اقرأ في هذا المقال


النظريات الجديدة في التعلم

إنّ النظريات الجديدة ترى بأنَّ التعلُّم الصحيح لن يتم بناؤه وفق ما قام المتعلِّم بسماعه، حتى لو قام بحفظه أو تكراره أمام المدرس، تؤكِّد النظرية البنائية أنَّ الفرد يقوم ببناء معلوماته الداخلية، متأثراً بالبيئة التي يعيش فيها والمجتمع واللغة.

لكل متعلِّم طريقة خاصَّة به في فهم المعلومة، حيث لا يجب أن تكون كما يريدها المدرِّس، بالتالي ما يقوم به المدرس من إرسال المعلومات للمتعلِّم ومحاولة تأكيدها وإعادتها، لن يكون مُجدي في بناء المعلومة كما يريدها في ذهن المتعلّم.

الجذور التاريخية للنظرية البنائية

كان هناك شعبية كبيرة للنظرية البنائية في السنوات الأخيرة، بالرَّغم من أنَّ فكرتها لم تكن حديثة، حيث من الممكن أن نلاحظ الاتجاهات كانت تتجه للنظرية البنائية عن طريق أعمال أفلاطون وسقراط وأرسطو، الذين تكلّموا جميعاً عن تكوين المعرفة. يشير سنت أوغستين أنّه من الضروري جداً أن نعتمد على الخبرات الحسيّة، خاصَّة عندما يبدأ الناس بالبحث عن الحقيقة.

بالرَّغم من أنَّ الفلسفة الأساسية للنظرية البنائية تمَّ نسبها إلى جان بياجيه، إلَّا أنّ بستالوزي قد جاء بنتائج متشابهة قبل بياجيه، حيث أكَّد على اعتماد الطرق التربوية في التطور الطبيعي للطفل ومشاعره وأحاسيسه، أكَّد أيضاً على أهمية الحواس وكأنّها أدوات للتعلّم، قام بربط مناهج التعليم بخبرات الأطفال التي تتطابق مع حياتهم في بيوتهم وبيئاتهم.

إنَّ النظرية البنائية تعتبر نظرية في المعرفة، ليس غريباً أن نشاهد هذا التكرار من العديد من الفلاسفة والمنظرين عبر هذا التاريخ، في حين يظل المنظِّر الوحيد الذي حاول أن يركّب هذه الأفكار العديدة في نظرية متكاملة وشاملة.

ظهرت أسس حديثة لعلم نفس النمو للعالم بياجيه، حيث عمل على توحيد الفلسفة وعلم النفس؛ من أجل لفت انتباه الناس إلى الاهتمام بالتفكير والذكاء لدى الأطفال، أيضاً فتح الطريق إلى منظمة جديدة في التربية وعلم النفس.

مفهوم النظرية البنائية

تمَّ اشتقاق مصطلح البنائية من البناء أو البنية، التي تعتبر بالأصل مشتقَّة من اللغة اللاتينية، هي الطريقة التي يتم بها إقامة مبنى، يمكن تعريفها على أنَّها رؤيات في نظرية التعلُّم ونمو الطفل، ترى أنَّ الطفل يكون نشيط في بناء أنماط التفكير لديه، ذلك بسبب تفاعل قدراته الفطريّة مع الخبرة.

تُعدُّ النظرية البنائية بسيطة في جميع صورها، كما أنّ مدلولاتها واضحة. تشير إلى أنَّه يتم بناء المعرفة بصورة نشطة عن طريق المتعلِّم، حيث لا يقوم باستقبال المعرفة السلبية من البيئة.

مبادئ التعلم في النظرية البنائية

  • يقوم الفرد ببناء المعرفة في عقله ولا يتم نقلها إليه بشكل مكتمل.
  • يقوم الفرد بتفسير ما يستقبله، يقوم ببناء المعنى وفق ما لديه من معلومات.
  • للمجتمع أثر كبير في بناء المعرفة.
  • لا ينفصل التعلُّم عن التطوّر النمائي.
  • يعد الاستدلال شرط من شروط بناء المفهوم، أي أنّ المفهوم لا يتم بناؤه إلَّا على استنتاجات استدلالية، تأخذ مادتها من خطاطات الفعل.
  • يعد الخطأ شرط من شروط التعلم، إذ يعد الخطأ فرصة وموقف، عند نفيه يتم بناء المعرفة التي تعتبر صحيحة.
  • إنّ الفهم شرط ضروري للتعلُّم.
  • يقترن التعلُّم بالتجربة ولا يقترن بالتلقين.
  • يعتبر التعلُّم نفي وتجاوز للاضطراب.

مفاهيم أساسية في النظرية البنائية

1. بناء المعرفة

تشير النظرية البنائية إلى أن التعلم هو عملية بناء نشطة للمعرفة بدلاً من استلامها بشكل سلبي. وفقاً لهذه النظرية، يبني الأفراد فهمهم للعالم من خلال تفاعلهم مع البيئة وتجاربهم الشخصية. المعرفة ليست شيئاً يُنقل من المعلم إلى الطالب، بل هي عملية تتشكل وتُبنى من خلال التجربة والتفاعل.

2. التفاعل الاجتماعي والتعلم

يبرز ليف فيجوتسكي، أحد رواد النظرية البنائية، أهمية التفاعل الاجتماعي في التعلم. وفقاً لفيجوتسكي، يحدث التعلم بشكل أفضل عندما يتفاعل الأفراد مع الآخرين في بيئة اجتماعية. يشدد على مفهوم “المنطقة الأقرب للتطور” (Zone of Proximal Development)، والتي تشير إلى الفجوة بين ما يمكن للفرد فعله بشكل مستقل وما يمكنه فعله بمساعدة الآخرين.

3. التفاعل مع البيئة

تعتبر البيئة جزءاً أساسياً من عملية التعلم في النظرية البنائية. يتفاعل الأفراد مع محيطهم ويقومون بتجارب متنوعة، مما يساعدهم على بناء معارفهم وفهمهم للعالم. يشجع هذا التفاعل النشط على استكشاف المشكلات وحلها بطرق إبداعية، مما يعزز من عملية التعلم.

4. التعديل والتطوير المعرفي

تشير النظرية البنائية إلى أن التعلم يتضمن تعديلاً وتطويراً مستمراً للمعرفة. يتعلم الأفراد من خلال تعديل أفكارهم وتصوراتهم بناءً على التجارب الجديدة والملاحظات. يشمل هذا التعديل التفاعلي عملية “التمثيل” (Accommodation) و”التثبيت” (Assimilation)، حيث يُعدل الأفراد مفاهيمهم وتصوراتهم لمواءمة المعلومات الجديدة.

تطبيقات النظرية البنائية في التعليم

1. التعلم النشط

تشجع النظرية البنائية على أساليب التعليم التي تعزز التعلم النشط، حيث يتم تشجيع الطلاب على المشاركة بشكل فعال في عملية التعلم. يمكن تحقيق ذلك من خلال الأنشطة التفاعلية، والتجارب العملية، والمشاريع الجماعية التي تساعد الطلاب على بناء معرفتهم بشكل تجريبي.

2. التوجيه والإرشاد

يؤكد فيجوتسكي على أهمية التوجيه والإرشاد من قبل المعلمين أو الأقران في مساعدة الطلاب على الوصول إلى مستوى أعلى من الفهم، يتم استخدام استراتيجيات مثل “التدريس المتقدم” و”الأسئلة الموجهة” لدعم الطلاب وتوجيههم نحو تحقيق أهداف تعلمهم.

3. التعلم من خلال الاستكشاف

تشجع النظرية البنائية على التعلم من خلال الاستكشاف والتجربة، يمكن للمعلمين تصميم بيئات تعليمية تشجع الطلاب على استكشاف موضوعات جديدة وحل المشكلات بأنفسهم، مما يساعد على تعزيز مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات.

4. التقييم التكويني

التقييم التكويني، الذي يركز على تقديم ملاحظات مستمرة وداعمة، يتماشى مع مبادئ النظرية البنائية. يساعد التقييم التكويني الطلاب في فهم تقدمهم وتعديل استراتيجياتهم بناءً على التغذية الراجعة المقدمة.

تقدم النظرية البنائية إطاراً فعالاً لفهم كيفية تعلم الأفراد وبناء معرفتهم، من خلال التركيز على التفاعل النشط مع البيئة، والأهمية الاجتماعية للتعلم، وتعديل المعرفة بناءً على التجارب، توفر النظرية البنائية أدوات قوية لتحسين أساليب التعليم وتطوير استراتيجيات تدريسية فعالة، تطبيق هذه المبادئ في البيئات التعليمية يمكن أن يعزز من تجربة التعلم ويعزز من قدرة الطلاب على بناء معرفة عميقة وشاملة.


شارك المقالة: