مبدأ العقل الماص في منهاج منتسوري

اقرأ في هذا المقال


يقوم مبدأ العقل الماص على مقدرة العقل على امتصاص المعلومات سواء كانت علوم ومعارف ولغات من البيئة دون جهد وبشكل طبيعي وبصورة عفوية وواعية، فهو يشبه مبدأ الإسفنجة التي تمتص ما هو موجود في المكان التي توجد فيه.

مبدأ العقل الماص في منهاج منتسوري

يمكن فهم مبدأ العقل الماص من خلال هذا النص: “تتحدث أحدى طالبات منهاج منتسوري إنه عندما كانت طفلة، كانت تتحدث لغتين، لغتها الأم السنهالية والإنجليزية، والتي تعتبر اللغة الرسمية لسريلانكا، ولا تذكر أن أحداً علمها المفردات أو القواعد أو النحو، ومع ذلك كانت تتحدث اللغتين بطلاقة”.

وإنه يعتبر حدث شائع يحدث كل يوم في كل بلد في نفس الوقت تقريبًا، كما إنه عمل رائع حقًا، حيث كشخص بالغ إذا حاول تعلم لغة أجنبية، فهو يعلم إنه ليس بالأمر السهل، ومع ذلك فإن كل طفل يفعل ذلك دون عناء، فكيف؟ إنه من خلال العقل الماص.

ما هو العقل الماص حسب نظام منتسوري

وفقًا لجمعية منتسوري فإن العقل الماص يبدأ من الولادة وحتى سن السادسة تقريبًا، ويختبر الطفل الصغير فترة من النشاط العقلي المكثف الذي يسمح للطفل بامتصاص التعلم من بيئته دون جهد واع، بشكل طبيعي وعفوي.

حيث لا يمتص الطفل اللغة فقط، بل يمتص سمات عائلته ومجتمعه، ويتعلم كيف يتصرف في مواقف معينة، ويتعلم كيف وماذا يأكل، وعلى الرغم من أن بعضًا منه يتم تدريسه بوعي، إلا أن قدرًا كبيرًا منه يتم امتصاصه ببساطة من خلال قوة عقل الطفل.

ويمكن مقارنة عقل الطفل الماص بكاميرا تلتقط صورًا لكل شيء يراه من خلال العدسة أو بإسفنجة تنقع في كل شيء في البيئة، ويتم أخذ ما يأخذه الطفل خلال فترة العقل الماصة دون عناء ويبقى كأساس لشخصيته أو شخصيتها.

مراحل العقل الماص وفقا لمنهاج منتسوري

وفقًا للدكتورة ماريا منتسوري يمكن تقسيم العقل الماص إلى مرحلتين هما: مرحلة اللاوعي ومرحلة الوعي.

مرحلة اللاوعي (من الولادة- 3 سنوات)

في خلال هذه المرحلة يمتص الطفل المعلومات بغير وعي أو عن غير قصد، حيث يتعلم الجلوس والوقوف والمشي والتحدث دون جهد واع، وسينظر الرضيع إلى كل شيء باهتمام دون تمييز أو اختيار، كما يميل الطفل خلال هذه الفترة إلى تقليد ما يرونه، والقوى اللاواعية ليس لها أهداف أو أغراض.

على سبيل المثال الطفل الذي يرقد على ظهره يقوي عضلاته وعموده الفقري، لكنه لا يدرك هذا الغرض، حيث إنه يتصرف ببساطة وفقًا لقوانين الطبيعة، وخلال هذه الفترة يكتسب الطفل أيضًا لغة من البيئة، ويتعلم التفكير بهذه اللغة، ويستوعب العادات من حوله والتي تصبح فيما بعد جزءًا منه.

المرحلة الواعية (من 3- 6 سنوات)

في سن الثالثة تقريبًا يتم البدء في رؤية ظهور الوعي، مما يشير إلى بداية الذاكرة والوعي المُدرك، ولا يزال لدى الطفل عقل يشبه الإسفنج يمتص المعلومات بسهولة، لكنه الآن سيبحث بوعي عن تجارب معينة، وطفلة في هذه المرحلة تعمل على توسيع كلياتها وقدراتها المطورة حديثًا.

كما إنها مهيأة لتعلم أشياء مثل الترتيب والتسلسل والموسيقى والأرقام وأصوات الحروف، والتي ستؤدي في النهاية إلى مهارات الرياضيات والقراءة والكتابة، كما يبدأ الطفل في إظهار رغبة قوية في أن يكون مستقلاً دون أي مساعدة من الكبار، كما إنها تريد أن تصبح سيدة عقلها وجسدها وبيئتها، وأيضاً يصبح الشخص البالغ الذي يقدم مساعدة غير ضرورية، أو يخلق التبعية عقبة أمام الطفل.

وإن فهم منتسوري لقوة العقل الممتص في السنوات الست الأولى من الحياة هو هدية رائعة، وكمعلمين وأولياء الأمور من واجبهم أن يدركوا أن عقل الطفل مختلف تمامًا عن عقلهم، وأن يجدوا طرقًا لمساعدة الطفل على استخدام هذا العقل الماص المذهل لصالحه.

ويعتبر العقل الممتص من أهم الأفكار في تعليم الطفولة المبكرة، وقدمت ماريا منتسوري هذا المفهوم الأساسي للعالم منذ أكثر من مائة عام من ملاحظاتها الأولية للأطفال، فالعقل الماص يجعل الحياة البالغة ممكنة.

لذا فإن العقل الماص هو القدرة الشبيهة بالإسفنج على امتصاص ما هو ضروري من البيئة لخلق فرد من ثقافته الخاصة، كما إنها جودة عقل الطفل حتى سن السادسة تقريبًا، عندما يكون هناك انتقال إلى العقل المنطقي الذي لديهم لعقل كبالغين.

لذا فإن كل طفل صغير يتعلم التحدث بلغته الأم، ولا أحد يعلمه المفردات والمعنى، كما يحدث كل يوم في كل بلد وفي نفس الوقت تقريبًا، يعتبر هذا فعلاً عمل رائع إلى حد ما، فمن خلال العقل الممتص إذا كان الطفل في بيئة حيث يسمع اللغة، فسوف يتحدث بها، وعندما يمتص الطفل الكلمات ومعناها بالإضافة إلى السياق والمشاعر وراء الكلمات، تبدأ في بناء القدرة على التواصل.

حيث لا يمتص الأطفال لغتهم فحسب، بل يمتصون سمات أسرهم ومجتمعاتهم، ويتعلمون كيف وماذا يأكلون وكيف يتصرفون في مواقف معينة، ويتم تدريس بعضها بوعي، ولكن يتم استيعاب قدر كبير منها ببساطة من خلال عقل الطفل القوي الذي يمتص من خلال عملية تسمى منتسوري الكيمياء العقلية، بل في الواقع يبنون أنفسهم وهويتهم من خلال ما يمتصونه.

مقارنة العقل الماص بالعقل المنطقي

لمقارنة العقل الممتص بالعقل المنطقي، لا بد من مقارن الصورة بالرسم:

في كلنا الحالتين يتم التقاط كل التفاصيل كما هي: اللون والملمس والزاوية والخلفية، حيث تم إصلاحه وبقي كما كان في لحظة التقاط الصورة، أما في الرسم تكون التفاصيل كبيرة أو صغيرة كما يختارها الفنان، وقد تكون فكرة الفنان قد تتضمن أو لا تتضمن الخلفية.

كما أن العقل الممتص يشبه الكاميرا، حيث يتم أخذ ما يأخذه الطفل خلال فترة العقل الماصّة دون عناء ويبقى كأساس لشخصيته أو شخصيتها، وما يأخذه الطفل لاحقًا في عقله المنطقي يؤخذ في الاعتبار من خلال العمل والذاكرة الواعين، وهو ليس أساسًا لشخصيته.

كما إن فهم منتسوري لقوة العقل الممتص في السنوات الست الأولى من الحياة هو هدية عظيمة، وأيضاً إنه يعلم إنه يمكن تهيئة بيئة غنية للطفل الصغير، وحيث إنه يعيش ببساطة في البيئة، فإنه يمتص منها ويتعلم، وفي برنامج الطفولة المبكرة في منتسوري للأعمار من 2 إلى 6 سنوات، يتم تقديم لجميع الأطفال جميع أنواع الأنشطة الشيقة، بما في ذلك اللغة والرياضيات والعلوم والموسيقى والفن والهندسة كافة العلوم والمعارف.

ومن خلال قوة العقل الممتص، يمكن أن يتم منح الأطفال أساسًا واسعًا وعميقًا، عندما يكون من السهل عليهم التعلم، كما إنه من خلال الكيمياء العقلية المذهلة للعقل الممتص، يبني الطفل هويته أو هويتها باهتمام واسع، وأيضاً يتعلم الطفل من خلال النشاط الذي يختاره بنفسه ويشارك فيه ويبني عادة قاعدة صلبة من التركيز المدروس والتعلم المنظم.


شارك المقالة: