مفهوم الدافع الجوهري في علم النفس الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


مفهوم الدافع الجوهري في علم النفس الاجتماعي:

مفهوم الدافع الجوهري في علم النفس الاجتماعي هو الرغبة في فعل شيء ما لمجرد القيام به فقط، أي أن تجربة السلوك الإنساني هي مكافأة كافية، بغض النظر عن أي عواقب يمكن فصلها، حيث أنه غالبًا ما يؤدي الدافع الجوهري الداخلي إلى التدفق أو يعززه، حيث يتم استيعاب الأفراد تمامًا في بعض الأنشطة الصعبة، مثل تسلق الصخور أو العزف على البيانو، وعادة ما يتناقض الدافع الجوهري مع الدافع الخارجي حيث لا يكون للسلوك جاذبية جوهرية ويحدث فقط بسبب المكافآت والتعزيزات التي يجلبها.

خلفية وتاريخ مفهوم الدافع الجوهري في علم النفس الاجتماعي:

استغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى يتم قبول مفهوم الدافع الجوهري في علم النفس؛ هذا لأن المفهوم لا يتناسب بشكل جيد مع نماذج نظرية السلوك والسلوكية للطبيعة البشرية التي سادت في أوائل القرن العشرين وحتى منتصفه، وتقول النظريات السلوكية أن السلوك يحدث لأنه تمت مكافأته في الماضي، أي لأنه تم تعزيزه بشكل إيجابي من خلال المكافآت أو العواقب التي يتم إدارتها بعد انتهاء السلوك.

تقول نظريات القيادة أن كل السلوك الإنساني مدفوع في النهاية بضرورة التعامل مع المتطلبات والاحتياجات البيولوجية، مثل الجوع والعطش وتجنب الألم، ولا يمكن لأي نموذج أن يشرح السلوك الإنساني التلقائي والمرح والاستكشافي الذي لا علاقة له بالمكافآت الخارجية أو بالدوافع الإنساني البيولوجية.

لوحظ هذا السلوك العفوي المباشر مرات عديدة في الجزء الأول من القرن، حتى في العالم الحيواني عند الحصول على فرصة لاستكشاف منطقة جديدة من حظائرها، حيث أنه حاول علماء النفس الموجهين ميكانيكيًا في ذلك الوقت من تقليل هذا السلوك الإنساني إلى دوافع إنسانية بيولوجية أو تكييف خارجي، لكن تفسيراتهم كانت غير مقنعة في ذلك الوقت.

حتى الثورة المعرفية في الستينيات ظهر نموذج مناسب لعرض الدوافع الإنسانية الجوهرية، ومن منظور معرفي في علم النفس، يعبر الدافع الجوهري عن الرغبة في تحفيز الجهاز العصبي المركزي وممارسته وتطويره، بالنظر إلى أن معالجة المعلومات المعقدة عبر الإنترنت أمر أساسي للتكيف البشري، فمن المنطقي أن يكون البشر قد طوروا دافعًا متأصلًا للبحث عن التحديات وتطوير الاهتمامات وتعزيز معرفتهم بالعالم.

أدلة الدافع الجوهري والنتائج في علم النفس الاجتماعي:

ركز البحث النفسي الاجتماعي في المنهج التجريبي المبكر حول الدافع الجوهري في علم النفس الاجتماعي على الدافع الداخلي لتقويض التأثير حيث كانت هذه النتيجة غير المنطقية، التي مفادها أن الناس غالبًا ما يكونون أقل اهتمامًا بفعل شيء ما بعد حصولهم على مكافأة مقابل القيام بذلك، وهو اكتشاف يتعارض بشكل جذري مع افتراضات وتوقعات المدرسة السلوكية الفعالة.

في تجربة نموذجية كان المشاركين يلعبون أولاً بأحجية مثيرة للاهتمام، حيث أنه سيُطلب من بعض المشاركين تجربتها ببساطة، وسيُمنح الآخرين مكافآت مثل المال والطعام والشهادات لعمل اللغز أو لحلها، وفي فترة لاحقة للاختيار الحر، كان المشاركين الذين حصلوا على مكافأة أقل عرضة للعب مع اللغز بشكل تلقائي، كما لوحظ من خلال مرآة ذات اتجاه واحد على ما يبدو أنه تم تقويض دوافعهم الجوهرية.

ومع ذلك فقد ثبت أن الدافع الجوهري مهم للغاية في العديد من المجالات، بما في ذلك التعليم والطب والرياضة وسلوك العمل والسعي وراء الأهداف الشخصية، حيث يبلغ الأفراد ذوو الدوافع الجوهرية عن مزاج أفضل ومتعة ورضا أفضل من الأفراد ذوي الدوافع الخارجية.

كما أنها تعمل بشكل أفضل أو معالجة المعلومات بشكل أعمق، وحل المشكلات بشكل أكثر مرونة، وتعمل بشكل أكثر فاعلية وإبداعًا بشكل عام.

متى تقوض المكافآت الدافع الجوهري في علم النفس الاجتماعي؟

ما يدل على أن دافع الاختيار الحر يتم تقويضه بشكل أكبر عندما تكون المكافآت متوقعة وليست غير متوقعة وتكون مشروطة وليست غير متوقعة عند المشاركة في المهمة، أو إكمال المهمة أو أداء مهمة إيجابي بعبارة أخرى إذا حصل الشخص على ما يتوقعه، كمكافأة على البدء أو الانتهاء أو الأداء الجيد في مهمة، فإن هذا الشخص يميل إلى فقدان الاهتمام بالمهمة.

نظريات الدافع الجوهري في علم النفس الاجتماعي:

ما الذي يسبب تأثير تقويض الدافع الجوهري في علم النفس؟ طور إدوارد ديسي وزميله اللاحق ريتشارد رايان نظرية التقييم المعرفي لتفسيرها، حيث يعبر هذا النموذج عن أنه لدى البشر متطلبات نفسية أساسية لكل من الفعالية والاستقلالية، حيث يميل الأفراد إلى فقدان دوافعهم الذاتية للأنشطة التي تحبط هذه الاحتياجات.

وبالتالي فإن الأداء غير الكفء هو عامل محتمل واضح للدافع الجوهري، وفي الواقع في نظرية التدفق يتم تعريف التطابق غير الأمثل بين مهارات الفرد ومتطلبات المهمة على أنه عائق رئيسي أمام التدفق، حيث كان اقتراح ديسي وريان الجديد هو أن المكافآت يمكن أن تحبط احتياجات الاستقلالية عندما يدرك الناس أن المكافآت تُستخدم بطريقة تحكمية.

في هذه الحالة، قد ينتقل الفرد من موضع السببية المتصور داخليًا مثل أنا أصل سلوكي إلى موضع خارجي مدرك للسببية، حيث أن محور النموذج هو التقييم المعرفي للفرد للمكافأة.

وفقًا لنظرية التقييم المعرفي، حتى المديح اللفظي يمكن أن يقوض الدافع الجوهري إذا قام المتلقي بتقييم الثناء على أنه محاولة لإكراهه، حيث تشير نتائج العديد من البحوث النفسية إلى أنه في المتوسط تميل المكافآت الملموسة إلى تحمل مثل هذه الدلالات، على الرغم من أن المديح اللفظي لا يحمل هذه الدلالات.

في علم النفس المعاصر، تستخدم نظرية تقرير المصير لديسي ورايان مفهوم الدافع الجوهري كأساس لنظرية شاملة عن الدوافع الإنسانية والوكالة والتنظيم الذاتي والازدهار والتقدم، حيث تأخذ النظرية منظورًا عضويًا وإنسانيًا وليبراليًا إلى حد ما حول الطبيعة البشرية، على أمل إلقاء الضوء على كيفية تشكيل المجتمعات لتحقيق أقصى قدر من تحقيق الذات والرفاهية النفسية للناس.

تركز هذه النظرية على الروابط بين السياقات الاجتماعية والثقافية أي الاستقلالية الداعمة مقابل السيطرة والضبط، والدوافع السياقية أي الجوهرية مقابل الدوافع الخارجية، والنتائج الناتجة أي الحاجة إلى الرضا المطلوب، والمزاج الجيد، والأداء العالي، والإبداع المبتكر، والمستقبل والتحفيز، حيث أنه تمشياً مع نظرية التقييم المعرفي، تركز النظرية أيضًا على سمات الشخصية وأنماطها كمحددات للدوافع السياقية.

تشير الأبحاث إلى أن الدافع الداخلي المتمثل في الدافع الجوهري هو صفة مرغوبة للغاية، أي أنه يجب تعزيزها داخل الشخصيات الفردية وكذلك ضمن السياقات الاجتماعية مثل الفصول الدراسية في المدرسة أو الجامعات، وأماكن العمل المهني وميادين الكرة والعلاقات الشخصية، وفي الواقع، قد يكون الدافع الجوهري ضروريًا لتحقيق الإنسان الأمثل.


شارك المقالة: