مفهوم خداع الذات في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


لا يمكن المبالغة في أهمية خداع الذات لعلم النفس، حيث أن هذا المفهوم أساسي للضرورة البشرية للمقايضة أو على الأقل موازنة الدوافع الإنسانية، حيث يريد الناس معلومات دقيقة عن عالمهم وتعقيده، وفي الوقت نفسه يحتاجون إلى الدفاع ضد المعلومات التي من شأنها تدمير الأفكار التي بنيت عليها حياتهم.

مفهوم خداع الذات في علم النفس

خداع الذات في علم النفس: هو فعل الكذب على النفس، حيث أننا في الكثير من الأوقات المحتملة قد لاحظنا هذا السلوك المحير في الآخرين، أي الحالات التي يعتقد فيها الناس على ما يبدو أن شيئًا يجب أن يعرفوه خاطئ، وهذا السلوك الإنساني لا يشمل المبالغة أو التزييف أو الكذب البسيط، فتلك هي الحالات التي يكون فيها الفرد مدركًا جيدًا لفظ الباطل، بدلاً من ذلك فإن خداع الذات هو شيء أعمق وأكثر تعقيدًا بل ومتناقضًا.

لنتأمل حالة شخص يحمل فيها كراهية عميقة لصديق قديم بسبب موقف معين حصل في الماضي وأثره مستمر، لكنه لا يستطيع الاعتراف بذلك الكره لنفسه، علامات هذه الكراهية كثيرة من حيث الغضب سريعًا من أي ذكر لهذا الصديق وتوجه وجهه عند ذكره، لكن هذا الشخص لا يستطيع الاعتراف بذلك لأن الكثير من الشعور بالذنب والخزي سينتج عن ذلك.

كلما زاد تحليل المرء لمثل هذه الحالات ظهر مفهوم خداع الذات أكثر تعقيدًا، حيث يتطلب شرحها الاعتراف بالجزء اللاواعي من العقل، فقط في عمليات اللاوعي يمكن أن يؤثر الصراع العاطفي فعليًا على سلوك الفرد ومع ذلك يتعذر الوصول إليه، وعلى المستوى الواعي الحقيقة حول منطقة المشكلة الخاصة بالفرد غير متوفرة أو على الأقل غامضة غير أن اللاوعي يعرف الحقيقة.

لذلك فإن خداع الذات لا يعني ببساطة أن يكون المرء مخطئًا في نفسه، قد يكون مخطئًا بشأن العديد من جوانب حياته لكن معظمهم ليسوا نتيجة أي عملية خداع للذات، على سبيل المثال قد يعتقد الفرد أن لديه معدل ذكاء عبقري لأنه فاته عن طريق الخطأ اختبار الذكاء المنزلي، وقد يكون تذكره لحقيقة أنه قد كره أحد أقاربه في سن المراهقة مثلاً قد تلاشى مع ذكريات أخرى، حيث لا تعتبر أي من هذه الحالات خداعًا للذات.

تاريخ وخلفية خداع الذات في علم النفس

نظرًا لأن اللاوعي يبدو متورطًا غالبًا ما تتم مناقشة خداع الذات في سياق نظرية التحليل النفسي الشهيرة لسيجموند فرويد، بدلاً من أن تكون إحدى آليات الدفاع التقليدية يُعتقد أن خداع الذات مكون ضروري لجميع آليات الدفاع، حيث كل واحد لديه العنصر المتناقض المذكور سابقًا، ويجب أن تكون هناك لحظة واحدة على الأقل من خداع الذات حتى تعمل آلية الدفاع، هؤلاء المطلعين على مثل هذه الدفاعات مثل الإسقاط والتفكير والقمع سوف يفهمون أنه في كل حالة يجب أن يكون الشخص غير مدرك ومفرط في إدراك المعلومات المزعجة.

نظرية التحليل النفسي متشائمة بشأن قدرات الأفراد على التعرف على خداع الذات في أنفسهم، وربما يكون هذا الاستنتاج قاسياً للغاية ويجب أن يكون الشخص قادراً على التعرف على خداعه الذاتي في مرحلة ما بعد حدوثه، عندما يهدأ الشخص ويكون لديه منظور أكثر موضوعية بشأن هذه القضية.

مفارقة خداع الذات في علم النفس

عندما كتب فرويد لأول مرة عن خداع الذات هاجمه الفيلسوف الشهير جان بول سارتر، مثل العديد من غير الفلاسفة رفض سارتر فكرة خداع الذات ووصفها بأنها مستحيلة، فكيف نعرف شيئًا ولا نعرفه في نفس الوقت؟ هذا النقد قوي، فكيف يمكننا تجنب فكرة دون معرفة وجودها؟ سيكون التشبيه هو الهدف من تجنب شخص نكرهه، حيث لا يمكننا تجنب هذا الزميل بشكل فعال ما لم نكن متيقظين باستمرار لمظهره المحتمل.

وبالمثل فإن مهمة تجنب معرفة الذات التي يحتمل أن تكون مزعجة تتطلب أن يصرف الفرد عقله بعيدًا عنه باستمرار، وقد يبدو النجاح في هذه المهمة مستحيلًا إذا كنت لا تعرف أن الفكرة المهددة موجودة، بالتالي رفض فرويد رفضًا قاطعًا نقد سارتر، وعارض فرويد بأن المعرفة السليمة للعقل من شأنه أن يوضح ويفسر أن خداع الذات يمكن أن يحدث، حيث تم تعزيزها بالفعل من خلال التغييرات الأخيرة في علم النفس المعرفي.

على سبيل المثال نحن نعلم الآن أن العديد من العمليات غير شعورية، علاوة على ذلك نعلم أن الجهاز المعرفي للبشر يسمح بإقرارات متنوعة من نفس البيانات، ويمكن تدوين المعلومات المعاكسة في جزأين مختلفين من الدماغ، ونعلم أيضًا أن الجزء العاطفي من الحافز تتم معالجته بسرعة أكبر من المحتوى، على سبيل المثال باستخدام جهاز كشف الكذب، ويمكن اكتشاف التأثير العاطفي للكلمة قبل فهم الكلمة.

بالنظر إلى الأدلة القوية لهذه العمليات العقلية والذهنية، فإن إمكانية خداع الذات تصبح ممكنة تمامًا، حيث تتم معالجة المعلومات الواردة من قبل نظامين مختلفين في الدماغ، الأول هو النظام المعرفي الذي يتعامل مع القيمة المعلوماتية للحافز، والآخر هو النظام العاطفي مما يسمح للعقل بوضع حواجز وقائية لنظام المعلومات.

الأساس التطوري لخداع الذات في علم النفس

بالنظر إلى أن خداع الذات قد تم ذكره من الكتابات المبكرة للبشر، يعتقد العديد من علماء النفس أن له أساسًا تطوريًا، أي أن البشر ينخرطون في خداع الذات؛ لأنه متأصل في جينات جنسنا البشري، ووفقًا لنظرية التطور في علم النفس فإن مثل هذه الميول النفسية هي جزء من تكويننا الجيني؛ لأنها أثبتت أنها تمنح ميزة البقاء على قيد الحياة لأولئك الذين شاركوا فيها، والأفراد الذين ليس لديهم هذا الاتجاه لم يبقوا على قيد الحياة مثل أولئك الذين نجوا.

لكن كيف يمكن أن تكون هذه اللاعقلانية قابلة للتكيف؟ أشار روبرت تريفرس إلى أن الإدراك الكامل لدوافعنا من شأنه أن يتداخل مع فعاليتها، حيث يتم تعزيز قدرة الفرد على البقاء شجاعًا في مواجهة الخطر الشديد إذا كان يعتقد حقًا أنه يمكنه التعامل مع التهديد، أي إن ثقته المفرطة في قدرته على جعل الفريق الرياضي مثلاً ستساعد بالفعل في تحقيق ذلك.

الدليل على خداع الذات في علم النفس

يبدو أن خداع الذات ممكن، لكن الجزء الأكبر من الدليل المباشر على وجوده يأتي من التجارب السريرية لعلماء النفس والأطباء النفسيين، حيث يمكن لمعظم الأطباء الإبلاغ عن الحالات التي خدع فيها مرضاهم أنفسهم بشكل واضح، وعادة ما يكون ذلك مع عواقب غير صحية.

الأدلة التجريبية لخداع الذات أقل وفرة بكثير، ففي الواقع هذه الدراسات في البحث النفسي التجريبي فقط تدعيان أنهما أظهرتا خداع الذات، حيث أنه لا يتطلب الأمر سوى عرض واحد صالح لإثبات أن البشر يمكنهم خداع الذات، لكن ثبت أن إجراء مثل هذه المظاهرات صعب للغاية حتى في الدراسات المختبرية الخاضعة للرقابة.


شارك المقالة: