كيفية استخدام علم النفس الإيجابي أثناء الجوائح والأزمات

اقرأ في هذا المقال


لسنوات عديدة كان التركيز الأساسي لعلم النفس على تشخيص وعلاج الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية والقضايا النفسية، في عام 1998 قام الرائدان مارتن سيليجمان وميهالي تشيكسينتميهالي بتعميم مفهوم علم النفس الإيجابي على أنه فرع من علم النفس الإكلينيكي الذي حوّل تركيز التدخلات من المشكلات إلى الحلول، يركز علم النفس الإيجابي على الحل بشكل فريد، أي إنه ليس مجرد تصحيحي ويقتصر على تقديم حل فقط عندما يتدهور شيء ما، يعمل علم النفس الإيجابي من خلال تحسين ما هو موجود بالفعل ويمد مساعدته من خلال تنمية نقاط القوة الداخلية.

كيفية استخدام علم النفس الإيجابي أثناء الجوائح والأزمات:

الضغط الذي نمر به في بعض الأحيان طبيعي في الأزمات وفي الواقع ضروري في أوقات الشدائد، حيث إنّ الإجهاد يهيئ عقلنا وجسدنا للعمل، كما أن معرفة كيفية استخدام هذا الضغط بشكل فعال هو المفتاح لبناء المرونة، إلى جانب الأدوات الخارجية مثل التكنولوجيا، لدينا جميعاً أدوات داخلية متوفرة عند الطلب، إحدى الأدوات المهمة لعلم النفس الإيجابي هي قدرتنا على الشعور بالعواطف الإيجابية حتى عندما تشعر بالمفارقة، فإن الشعور بالعواطف الإيجابية “الحب والامتنان والفرح” في خضم الأزمات العالمية يمكن أن يعزز المرونة.
أما المرونة فهي امتلاك القدرة على التكيف بشكل جيد في مواجهة الشدائد، أما الأشخاص المرنون يعرفون كيفية إدارة التوتر بشكل فعال لتحسين الأداء والمشاركة والتركيز، الأهم من ذلك أنّ الأشخاص الصامدين يسمحون لأنفسهم بالراحة، ثم يكررون الدورة، بعد الراحة الكافية يمكنهم تركيز انتباههم على القيام بالمهام الصعبة وهذا بالطبع هو التحدي؛ في حالة من الإجهاد المستمر كيف يمكننا التعامل؟ وفقاً لدراسات مختلفة تدعم الأبحاث استراتيجيات المرونة التالية لإبقاء التوتر بعيداً خلال الأزمات.
واحدة من أعظم نقاط قوتنا البشرية هي رغبتنا في التواصل والمساعدة والعطاء للآخرين في أوقات التوتر، نحن نتوق إلى العناق والقرب والتواجد معاً، أكبر تغيير في حياتنا هو التفاعل الاجتماعي المنتظم وجهاً لوجه، لكن ما يمثل تحدي خاص بشأن بعض الأزمات، هو أن هناك تحديات صحية عقلية قد تنشأ نتيجة للعزلة الاجتماعية المطلوبة منا من أجل حماية الآخرين، على سبيل المثال فيروس كورونا؛ فمن نواحي عديدة قد يؤدي هذا الوباء الفيروسي إلى انتشار جائحة الشعور بالوحدة ويمكن أن تكون الوحدة خطيرة للغاية.
أثناء التباعد الاجتماعي من الضروري البقاء على اتصال مع الآخرين، فسيكون الشخص متعمد بشأن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بدلاً من الذعر يجب أن نبحث عن قنوات إيجابية، كما يمكننا أن نتعلم شيء جديد أو الاستماع إلى موسيقى جيدة أو مجرد لعب لعبة جيدة عبر الإنترنت مع الأصدقاء، قد نرغب أيضاً في تضمين قهوة افتراضية وعشاء افتراضي وجلسات طبخ وساعات سعيدة ومحادثات جماعية عبر الإنترنت ومكالمات هاتفية قديمة الطراز.
في الأزمات والجوائح يجب أن نتحقق من الأصدقاء والآخرين في المبنى الخاص بنا والحي الذي نعيش فيه، حيث نخبرهم أننا نفكر فيهم، كما أن استجابة الجسم للضغط لها فوائد في الترابط الاجتماعي، عندما ترتفع مستويات التوتر وتطلق أجسامنا هرمون عصبي مثل الأوكسيتوسين، الذي يشير إلى الحاجة إلى التواصل الاجتماعي والترابط الاجتماعي، بهذه الطريقة ينبهنا التوتر إلى الحاجة إلى التواصل مع الآخرين والتحقق من أحبائنا وبناء المجتمع.
بالإضافة إلى فوائد التفاعل الاجتماعي، في هذا هو الوقت يجب أن نكون مبتكرين في كيفية التعاطف مع الآخرين، فقد يكون الأمر بسيط مثل شراء الطعام للجار واستغراق وقت في الإيثار ولا يمنحنا التحكم في الأزمة فحسب، بل يعزز كذلك الروابط المجتمعية.
من الطرق الخاصة بعلم النفس الإيجابي التي تستخدم أثناء الجوائح هو قضاء الوقت في الطبيعة؛ فهو أمر تصالحي ويساعد في تقليل مستويات التوتر وتسريع التعافي من الإجهاد، يمكن للهواء النقي والفضاء المفتوح أن يوفروا خصائص علاجية، كما يعيدوا الوضوح العقلي وينشطون الناس ويعملون بمثابة وقود للروح، ذلك عن طريق زيادة مشاعر الحيوية، أظهرت الدراسات أنه بعد الشعور بالتوتر؛ فإن الخروج في الطبيعة يمكن أن يساعد في تقليل الآثار الفسيولوجية للإجهاد عن طريق خفض معدل ضربات القلب وتوتر العضلات وضغط الدم، تخفف الطبيعة أيضاً من مشاعر العزلة الاجتماعية.
حيث يبلغ الناس عن مشاعر أقوى بالارتباط بمجتمعهم بعد أن كانوا في الطبيعة، على الرغم من أن الأمر قد يمثل تحدي نظراً للمراسيم والقيود الحكومية، إلا أنّ قضاء بعض الوقت في الهواء الطلق له فوائد جسدية ونفسية هائلة، فقد يكون لوجودنا في الطبيعة أيضاً هذه الخصائص التصالحية؛ لأنها تعزز المسارات الحسية المتعلقة بالبصر والصوت والذوق واللمس والشم، التي يمكن لكل منها تنمية المشاعر الإيجابية وتجارب الهدوء.
يمكن أن يكون الامتنان ترياقاً مفيداً للقلق، لكن ما فائدة الامتنان في خضم الأزمات الرهيبة، فقد أفاد الأفراد الذين يشعرون بالامتنان أثناء ظروف الإجهاد الشديد “على سبيل المثال، الكوارث الطبيعية والحرب ومآسي الحرم الجامعي” بمعدلات أقل من اضطراب ما بعد الصدمة، يمكننا أن نشعر ونعبر عن امتناننا بعدة طرق، حتى عندما نمارس التباعد الاجتماعي، قد يظهر الامتنان كذلك في إيماءات أكثر بساطة، مثل التقاط صورة لشيء جميل ونشاركه.أو نرسل الزهور إلى زميل أو موظفي الدعم الصحي.
إضافة إلى الآثار النفسية للامتنان، يمكن أن يؤدي التقدير إلى فوائد للصحة الجسدية كذلك، الأشخاص الذين يأخذون لحظات للتفكير بامتنان يبلغون عن ألم أقل ويتعافون من الإجراءات الطبية بسرعة أكبر، كما ينخفض ​​لديهم ضغط الدم في خضم التوتر.
عندما تتصاعد التوترات يزيد الضغط من ثقة الناس في التنافس مع الآخرين، إنهم يشترون ويخزنون الموارد ويشيرون إلى عيوب في الآخرين، لكن مثل هذه الأعمال التنافسية في السعي وراء الثقة بالنفس يمكن أن تكون مكلفة، إن أفضل طريق في أوقات التوتر هو التعاطف مع الذات، فالتعاطف مع الذات هو معاملة النفس كما نعامل الصديق المفضل، حتى عندما نرتكب خطأ أو نقول شيئ خاطئ أو يتخذ قرار خاطئ.
في الغالب ما نتعاطف مع الآخرين ونتسامح معهم ولدينا رغبة عميقة في تخفيف معاناتهم، كما أنّ التعاطف مع الذات يعطي للنفس طريقة اللطف، بدلاً من التعامل مع النفس بالحكم أو النقد عندما لا تكون الأشياء مثالية أو كما كانت من قبل، هناك طريقة لممارسة التعاطف مع الذات عندما تكون الأوقات صعبة وهي وضع اليد على القلب، مع أخذ نفس عميق، ثم قم بالزفير؛ يعمل اللمس والتنفس البطيء على تحفيز العصب المبهم، الذي يشير إلى الجهاز العصبي السمبتاوي لبدء استجابة الجسم للاسترخاء.

المصدر: علم النفس الإيجابي، محمد حسن غانمعلم النفس الإيجابي، د.اسماعيل محمود عبدالرحمنقوة علم النفس الإيجابي، د.ابراهيم يونسعلم النفس، هاني يحيى نصري


شارك المقالة: