ما لا تعرفه عن قلعة صلاح الدين:
مرت قلعة الجبل بمرحلتين أساسيتين، الأولى وهي مرحلة التأسيس التي بدأت علي يد صلاح الدين، وانتهت بانتقال الكامل بن العادل الأيوبي إلي القلعة؛ ليتخذها مقراً لحكمه في عام “104” للهجري والموافق “1207” للميلاد، وفي هذه المرحلة باتت القلعة تستكمل مقوماتها كحصنٍ حربي ومقر للحكم.
أما المرحلة الثانية فهي تبدأ من عصر الكامل إلي نهاية عصر الناصر محمد بن قلاوون، حيث يمكن اعتبارهافترة تكوين لمقومات وأساسيات القلعة كمقر للحكم، وبعد حكم الناصر لم يتم إضافة إية تعديلات على القلعة، والتي كانت ستدل علي تحولات مثيرة، إلا أنه تم إضافة بعض التعديلات والتجديدات خاصة في العصر العثماني، حيث يبقي عصر محمد علي فترة حاسمة في تاريخ القلعة، إذ حدث فيه تغير في الشكل المعماري، والذي كان انعكاسا للوضع السياسي الجديد.
طور تأسيس قلعة صلاح الدين:
بنيت القلعة علي نتوء صخري، يصل ارتفاعه إلى حوالي “75” متراً، حيث إنه يمتد غرباً من جبل المقطم، وهو في منتصف الطريق بين القاهرة والفسطاط، وبناءً لرواية المقريزي فقد اختار صلاح الدين موقع القلعة بنفسه بواسطة تطبيق ثلاث قطع من اللحم في ثلاث مواقع.
حيث كان موقع الرصد هو أكثر هذه المواقع التي بقي فيها اللحم أطول فترة ممكنه صالحاً لم يفسد، وهذا ما يدل على المميزات البيئية والصحية في اختيار الموقع، وعلى الرغم من ذلك فقد وقع اختيار صلاح الدين علي موقع القلعة الحالي لأسباب استراتيجية، فهذا الموقع يطل ويهيمن علي مدينة القاهرة في الشمال الغربي ومدينة الفسطاط في الجنوب، إلى جانب الممر أو الطريق الشمالي الجنوبي بينهما، فضلا عن أنه قريب منهما بوضع يكفل للقلعة الإمدادات في حالة الحصار، كما أن موقعها منعزل عما حولها، مما يجلها ملجأ آمن للحاكم في حالات الاضطرابات السياسية.
فضلا عن تأثر صلاح الدين بنمط القلاع الجبلية في الشام والعراق، إلا أنه كان أول من التفت إلى أهمية موقع القلعة، فقد كان متنزها، حيث شيد فيه حاتم بن أبي هرثمة قبة الهواء، وذلك فيما بين عامي ” 194 إلى عام 195″ هجري، والموافق “810 إلى 811” للميلاد.
كما استعملت هذه القلعة من قبل الولاة العباسين، حيث أقام بها الخليفة المأمون عند زيارته لمصر، ودارت بها العديد من الأحداث السياسية إلي أن دُمرت مع تدمير الجيش العباسي للقصر والميدان الطولوني اللذين كانا يقعان أسفلها، كما كان ابن طولون ومن خلفه، حيث إنهم اعتنوا بها؛ لذلك اعتبرها العباسيون جزء من رموز السلطة الطولونية المستقلة عن دولة الخلافة.
هذا وقد يري كازانوفا أن مكان قبة الهواء، والذي كان يقع في المكان المعروف حاليا بمتحف الشرطة والقاعة الأشرفية المكتشفة حديثا “، غير أن ناصر الرباط قد أجري سلسلة من التحليلات انتهي فيها إلي أن موقعها في موقع مسجد الناصر محمد بن قلاوون والذي ذهب إليه يقرب من الصواب، إذ أن هذا الموقع شغل جزء منه مسجد سعد الدولة والذي يرجح أنه شيد لأداء الصلاة في هذا الموقع المنعزل عن العمران.
إلى جانب ذلك فقد تتكون القلعة من عدة أبراج وأبواب، حيث يحتوي السور الجنوبي للقلعة على برج المقطم وبرج الصفة وبرج العلوه وبرج كركيلان وبرج غير مسمي وبرج المطار وبرج الطرفة وبرج المبلط وباب الإيمان وبرج الرملة وبرج الحداد وباب السر وبرج الصحراء وبرج الزاوية وبرج الرفرف وباب الحديد.
كما تحتوي هذه القلعة على مساجد عديدة منها: مسجد القلعة الجامع ومسجد الناصر محمد ومسجد محمد علي وتحتوي على الأوان الكبير ودار العدل والقاعة الأشرفية والقصر الأبلق.
تمثل قلعة صلاح الدين استثناء في ظل الدولة الأيوبية، حيث تكفلت الدولة بتكاليف البناء مباشرة من خزينتها، علما بأن استخدام الأسرى الصليبيين وفر الكثير من تكاليف البناء، واستخدام الأسري في بناء قلعة صلاح الدين بالذات الآن، فالغرض منه إبعادهم عن مناطق الوجود الصليبي ببلالا الشام، وهو ما يحرمهم من إمكانية تحريرهم عن طريق الهجمات المباغتة علي مسكرات أو قلاع المسلمين.
إلى جانب ذلك فقد كان كل من ابن جبير والمقريزي قد أشارا إلى استخدام الأسري الصليبيين في بناء القلعة، كما استخدمهم العادل الثاني للعمل في القلعة أيضا وفي سنة “641 – 1242” للميلاد، إلى جانب أنهم استخدمهم الصالح نجم الدين في بناء قلعه بجزيرة الروضة.