أسباب انتصار جيش المسلمين في غزوة حنين:
لقد كان من أسباب انتصار جيش المسلمين في غزوة حنين بعد الهزيمة الغير متوقعة في بداية المعركة، عدّة أسباب مهمة ساعدت جيش المسلمين على العودة بقوة في القتال، وتحقيق النصر على جيش العدو، فما هي هذه الأسباب؟
أ- كان ثبات قائد جيش المسلمين النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الشريف هو أحد هذه الأسباب، فلا شك أنه السبب الذي يأتي في المرتبة الأولى من أسباب انتصار المسلمين الساحق بعد هزيمتهم المنكرة في مدينة حنين، حيث انحاز في الميدان إلى مكان مناسب وثبت فيه صلى الله عليه وسلم الشريف.
وصار يناشد المنهزمين الهاربين الفارين ليعودوا إلى ميدان الشرف والقتال وينضموا إليه الأمر الذي جعل هزيمة جيش الإسلام والمسلمين غير شاملة، بعد أن كادت تكون كاملة ساحقة ومدمرة، فقد انتاب المنهزمين ( وخاصة الأنصار ) الخجل من أنفسهم وتأني ضميرهم عما فعلوا، عندما علموا أنّ رسولهم وقائدهم الأعلى ثابت في في مكانه في الميدان يقاتل جيش المشركين العدو مقبلاً غير مدبر ، فعادوا إلى الميدان القتال وأعادوا تشكيل وحداتهم كلها من جديد وشرعوا بقيادة رسولهم الأعظم صلى الله عليه وسلم الشريف في القيام بهجوم مضاد كاسح فاتك جدید.
ب-وكان من أسباب انتصار المسلمين في واقعة غزوة حنين هو دور العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم الشريف وكان رضي الله عنه من المائة الثابتة، حيث لعب دوراً هاماً وفَاعلاً في إعادة المنهزمين من الجنود، حيث قام العباس وبأسلوب يدل على البسالة بحسب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الشريف، وبصوته الجهوري العالي الذي يسمع عبر عدّة أميال، بإبلاغ جنود المسلمين المنهزمين بالحقيقة الرائعة، التي ما كان الكثير منهم يتوقعها، وهي أنّ القائد الأعلى ثابت مكانه صلى الله عليه وسلم الشريف في ميدان القتال يجالد جنود المشركين بسيفه، ثم ناشدهم وخاصة الأنصار منهم أن يعودوا إلى ميدان القتال.
فكان لسماع مناشدة النبي القائد الأعلى صلى الله عليه وسلم الشريف المنهزمين، عبر صوت عمّه العباس أحسن الأثر في تقوية روحهم المنهارة الخائفة، وفي إثارة الشعور بالخجل من أنفسهم، حين أدركوا أنهم فروا وتركوا رسولهم وقائدهم الأعلى والأحب إليهم من أنفسهم وأبنائهم في ميدان القتال.
فعطفوا راجعين، ومن ثم تحولوا إلى إعصار كاسح عصف بجيش هوازن الكبير، حتى بعثروها بحنق وغيظ كما تبعثر العاصفة الورق اليابس، فلولا سماع المنهزمين من جنود جيش المسلمين صوت العباس عم النبي عليه افضل الصلاة والسلام يبلغهم ثبات رسولهم وقائدهم الأعلى ويناشدهم باسمه العودة إلى ميدان القتال، لكانت هزيمتهم هزيمة ساحقة.
ج. العقيدة ممّا لا جدال ولا اختلاف بين خبراء الحروب، أنّ العقيدة للجندي في أية حرب يخوضها مع عدوه، هي أكبر مصدر لقوته المعنوية التي هي أولى وأهم أسلحة الجندي المحارب.
والمسلمون الحقيقيون، ومنذ سطع نور دين الإسلام يجعلون الحفاظ على عقيدتهم في المكانة الأولى، ولعله من تحصيل الحاصل وتكرار القول، التصريح بأنّ عقيدة الإسلام والمسلمين في مقدمة العوامل التي حققت لقوات النبي محمد صلى الله عليه وسلم النصر الكامل في غزوة حنين.
حيث انتصر جنود المسلمين في حروبهم التاريخية الساحقة بعقيدتهم على أعداء الدين، الذين يتفوقون عليهم في كل شيء مادي، حيث لم انتصروا في العهد النبي صلى الله عليه وسلم الشريف داخل الجزيرة فحسب، بل وخارجها، حيث انتصروا انتصارات لا يكاد العقل يتصورها.
وذلك عندما كانوا يحملون عقيدة التوحيد دين الحق الراسخة، التي يعتقدون أنّ الموت في سبيل الدفاع عنها وحمايتها أسمى ما يتوق إليه الجندي المسلم الصادق.
فهذه حقيقة أكدها واعترف بها الباحثون، كثير منهم حتى من غير المسلمين، ولا أدل على هذه الحقيقة من أن المسلمين، بعد أن ضعفت في نفوسهم هذه العقيدة أو تلاشت بعد خير القرون، توالت عليهم النكبات والإهانات والمصائب ونزلت بهم الهزائم المخجلة، مع كثرة عددهم وتوفر عتادهم وعدتهم، وقلة عدد وعتاد عدوهم.
فانقلب الوضع رأساً على عقب بالنسبة للمنتسبين إلى دين حق الإسلام، نتيجة الخواء العقائدي الذي تعرضت له نفوسهم في العصور الأخيرة، فتخلفوا في كل شيء، وخاصة بعد أن استوردوا عقائد ومبادئ غريبة من الخارج أحلوها محل عقيدة دين الحق الإسلام، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.