لقد جاء الإسلام ليقيم حدود الله تعالى بالبينة، وقد جعل الإسلام التوبة ماحية لما قبلها، كما جعل الستر من الإنسان العاصي من الأولويات قبل إقامة الحدود، فإذا اعترف الإنسان بمعصية توجب الحد ولم يبيّن ماهي، جاز لولي الأمر أن يعفو، وسنعرض حديثا في ذلك.
الحديث
أورد الإمام البخاري يرحمه الله في الصحيح : ((حدّثنا عبد القدّوس بن محمّد، حدّثني عمرو بن عاصم الكلابيّ، حدّثنا همّام بن يحيى، حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، كنت عند النبي صلى الله عليه وسلّم، فجاءه رجلٌ فقال: يا رسول الله، إنّي أصبت حداً فأقمه عليّ، قال: ولم يسأله عنه. قال: وحضرت الصلاة فصلّى مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ،فلمّا قضى النبي صلّى الله عليه وسلّم الصّلاة، قام إليه الرّجل، فقال : يا رسول الله، إنّي أصبت حدّاً، فأقم فيّ كتاب الله. قال: “أليس قد صلّيت معنا؟”. قال: نعم. قال: “إنّ الله قد غفر لك ذنبك”. أو قال: “حدّك”. رقم الحديث: 6823
ترجمة رجال الحديث
الحديثُ المذكورُ أورده الإمامُ محمّدُ بنُ إسماعيل البخاريُّ في الصّحيحِ في كتابِ المحاربينَ منْ أهل الكفر والرّدّةِ، بابُ: (إذا أقرَّ بالحدِّ ولمْ يُبِنْ، هلْ للإمام أنْ يسترَ عليهِ)، والحديثُ جاءَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ أنسِ بنِ مالكٍ الأنصاريُّ رضي الله عنه، خادمُ النّبيِّ عليه الصّلاةُ والسّلامُ ومنْ أكثرِ الصّحابةِ روايةً للحديثِ عنهُ، ورجالُ السّندِ البقيّةِ هم:
- عبدُ القدّوسِ بنُ محمّدٍ: وهوَ أبو بكرٍ، عبدُ القدّوسِ بنُ محمّدٍ المعوليُّ الحبحابيُّ، وهوَ منْ ثقاتِ الحديثِ منْ تبعِ أتباع التّابعينَ.
- عمرو بن عاصمْ: وهوَ أبو عثمانَ، عمرو بنُ عاصمِ بنِ عبيدِ اللهِ الكلابيُّ (ت:213هـ)، وهوَ منْ ثقات رواية الحديثِ منْ تبع الأتباعِ، وقيلَ فيه صدوقٌ في الحديث.
- همّامُ بنُ يحيى: وهوَ أبو عبدِ اللهِ، همّامُ بنُ يحيى بنِ دينارٍ العوذيُّ (ت: 163هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ أتباع التّابعينَ في رواية الحديث.
- إسحاقٌ: وهوَ أبو يحيى، إسحاقُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ أبي طلحةَ الأنصاريُّ (ت: 130هـ)، وهوَ منَ المحدّثينَ الثّقاتِ منَ التّابعينَ.
دلالة الحديث
يشيرُ الحديثُ المذكورُ إلى حكمٍ منْ أحكامِ إقامةِ الحدودِ، وهوَ حكمُ منْ أتى يطلُبُ الحدَّ في ذنبٍ دونَ أنْ يسمّهِ ويبيّنهُ، وهنا يجوزُ لوليِّ الأمرِ أنْ يعفو ويسترَ عليهِ، لأنَّ الأصلَ في الذّنوبِ السّترُ والتّوبةُ منها، وقدْ بيّنَ الحديثُ منْ فعله عليه الصّلاةُ والسّلامُ في عدمِ سؤالهِ عنِ الجرمِ وعفوهِ بعدَ أنْ صلّى معهم، وفي هذا تهذيبٌ للنّفسِ منْ عدمِ الاستمرار في المعصيةِ والتّوبةِ إلى اللهِ.
ما يرشد إليه الحديث
منَ الفوائدِ المستفادة منَ الحديث:
- الأصلُ في إقامةِ الحدودِ البيّنةُ عليها، والأولى توبةُ العاصي وعدمِ البوحِ بها.
- يجوزُ العفو منْ وليِّ الأمر لمرتكبِ ما يوجبُ الحدَّ إذا لمْ يسمِّ ويظهر المعصية.