لقدْ كانَ النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّمَ أكثرَ البشرِ زهداً في الدّنيا، لأنّهُ يعلمُ علمَ اليقينِ أنّها زائلةٌ وأنّهُ لا ينفعُ منها إلّا ما قدّمَ للآخرةِ منْ عملٍ وعبادةٍ لله تعالى، وقدْ علّمَ عليه الصّلاة والسّلامُ أصحابهُ ذلكَ، وعلّمهمْ أنّ الموتَ حقٌّ وأنّهمْ سيفارقونَ الدّنيا وأنّهمْ لنْ يأخذوا معهمْ إلّا متاعُ الآخرةِ منَ العملِ، وسنعرضُ حديثاً في ما يتبعُ الإنسانَ إلى قبره.
الحديث
أوردَ الإمامُ مسلمٌ يرحمهُ الله في الصّحيح: ((حدّثنا يحيى بنُ يحيى التّميميّ، وزهيرُ بنُ حربٍ، كلاهما عنِ ابنِ عيينةَ، قال: يحيى: أخبرنا سفيانُ بنُ عيينة، عنْ عبدِ الله بنِ أبي بكرٍ، قال: سمعتُ أنسَ بنَ مالكٍ، يقولُ: قالَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّمَ: “يتبعُ الميّت ثلاثة، فيرجعُ اثنان ويبقى واحدٌ، يتبعهُ أهلهُ، ومالهُ، وعملهُ، فيرجعُ أهله وماله، ويبقى عمله“)). رقمُ الحديث: 5/2960.
ترجمة رجال الحديث
الحديثُ المذكورُ يوردهُ الإمامُ مسلمُ بنُ الحجّاجِ النّيسابوريُّ في الصّحيحِ في كتابِ الزّهدِ والرّقائقِ، والحديثُ جاءَ منْ طريقِ الصّحابيِّ الجليلِ أنسِ بنِ مالكٍ الأنصاريِّ رضي الله عنهُ، وهوَ خادمُ النّبيِّ عليه الصّلاة والسّلام ومنَ المكثرينَ في رواية الحديث منَ الصّحابة، أمّا بقيّة رجالِ سندِ الحديثِ الشّريفِ:
- يحيى بنُ يحيى: وهوَ أبو زكريا، ريحانةُ نيسابورَ، يحيى بنُ يحيى بنِ بكرٍ التّميميُّ (142ـ226هـ)، وهوَ منْ ثقات الحديثِ منْ تبعِ أتباع التّابعينَ.
- زهيرُ بنُ حربٍ: وهوَ أبو خيثمةَ، زهيرُ بنُ حربِ بنِ شدّادٍ الحرشيُّ (160ـ232هـ)، وهوَ أيضاً منْ ثقات الرّواية للحديثِ منْ تبعِ الأتباع.
- ابنُ عيينةَ: وهوَ أبو محمّدٍ، سفيانُ بنُ عيينةَ بنِ ميمونَ الهلاليُّ (107ـ198هـ)، وهوَ منْ ثقاتِ مشاهيرِ المحدّثينَ منْ أتباع التّابعينَ.
- عبدُ الله بنُ أبي بكرٍ: وهوَ أبو محمّدٍ، عبدُ الله بنُ أبي بكرٍ الأنصاريُّ (ت: 135هـ)، وهوَ منْ ثقات التّابعينَ في رواية الحديث.
دلالة الحديث
يشيرُ الحديثُ النّبويّ المذكورُ إلى ما يتبعُ الإنسانَ إلى قبره إذا ماتَ، وقدْ بيّنَ النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّمَ أنّ الإنسانَ إذا ماتّ ذهبَ معه ثلاثة وهي المالُ والأهلُ والعملُ، فيرجه الأهلُ والمالُ ويبقى العملُ معه، وذلكَ لأنّهُ لا ينفعهُ بعدَ ذلكَ إلّا ما عملَ في الدّنيا منْ متاعِ الآخرةِ منَ العملِ الّذي يثابُ أو يحاسبُ عليه، وفي هذا دعوةُ منَ النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّمَ إلى المبادرةِ إلى العملِ الصّالحِ الّذي يدومُ بعدَ الموتِ وأنّ كلّ شيءٍ زائلٌ إلا هو.
ما يرشد إليه الحديث
منَ الفوائدِ منَ الحديث:
- لا يكونُ للإنسانِ بعدَ الموتِ إلى عملهُ الّذي يسألُ عنهُ في قبره ويومَ حسابه.
- المبادرةِ إلى العمل الصالح الّذي ينفع بعدَ الموت.