حكم كتابة المصحف الشريف بالرسم العثماني

إنَّ كتاب الله تعالى خزائن تُستنبط منها العلوم، وكان وما زال هذا الكتاب العظيم مليئاً بالفوائد، حافلاً بالدرر، يستفيد منه العلماء، وكما نعلم أنه نزل على الحق المصطفى -صلى الله عليه وسلم- باللغة العربية قال تعالى: “نَزَلَ به الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ” (سورة الشعراء:193-195) وكان متفرقاً، إلا أنه في عهد الصحابي الجليل عثمان بن عفان -رضي الله عنه- تم الجمع المصحف في كتاب واحد خوفاً من ضياعه أو تحريفه، لذلك سُمي هذا الرسم المتداول إلى يومنا هذا بالرسم العثماني.

الرسم لغة واصطلاحا

تعريف الرَّسم في اللغة: هو الأثر.

تعريف الرَّسم في الاصطلاح: تصوير كلمة بحروفها، و تقدير الابتداء بها والوقوف عليها، لتصبح اللغة المنطوقة إلى آثار مرئية.

الرسم العثماني للقرآن الكريم

الرَّسم الذي أمر به الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه في كتابة المصحف الشريف في عهد خلافته و ارتضوا به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حصر علماء الفن قواعد للرَّسم العثماني في ست أشكال وهي:

1- الحذف: وذلك كإلغاء حرف من الأحرف كتابةً مع البقاء على نطقها مثل الألف في “يَٰأَيُّهَا”، والباء في “بَاغٍ“، والواو في “فَأوُٓۆاْ ”

2- الزيادة: وذلك بإضافة أحرف دون النطق بها كإضافة الألف في “تَفـتَؤُاْ” والياء في “بِأَييْدٍ” والواو في “أُوْلُواْ”

3-الهمز: كأن يكتب حرف الهمزة إذا كانت ساكنة بحرف حركة ما قبلها مثل: “ٱئـذَن“، “ٱؤتُمِنَ“.

4- البدل: ويأتي ذلك بكتابة حرف الألف حرف واوٍ في حالة التفخيم في “ٱلصَّلَۈةَ” والنون ألفاً في نون التوكيد المخففة في “لَنَسْفَعاً ” وهاء التأنيث تاء مفتوحة نحو “رَحمَتَ“.

5- الفصل والوصل: كوصل “أن” بـ “لا“، و “عن و كل” بـ “ما”

6- ما فيه قراءتان: كأن يكتب برسم إحداهما، نحو “يُخَدِعُونَ“، “غَيَبَتِ“، ليشمل القراءة الأخرى.

حكم كتابة المصحف بالرسم العثماني

اختلف العلماء في حكم كتابة المصحف الشريف بالرسم العثماني على ثلاثة أقوال:

الأول: الالتزام بكتابة المصحف الشريف بالرسم العثماني واجباً على الكاتب، والتحريم على من خالف ذلك؛ لأن الرسم العثماني للمصحف الشريف أمر توقيفي وهذا ما ذهب إليه بعض العلماء مثل الإمام مالك بن أنس، والإمام أحمد بن حنبل، وعدد من جمهور العلماء من السلف والخلف.

الثاني: يجوز كتابة المصحف الشريف بالرسم الإملائي الحديث، لأن الرسم العثماني اصطلاحياً ليس توقيفياً، و هذا من بعض أقوال العلماء منهم أبو بكر الباقلاني وابن خلدون .

الثالث: يستحب كتابة المصحف الشريف بالرسم الإملائي، لغايات التعليم، مع الاحتفاظ بالرسم العثماني في المصاحف، والمحافظة عليه للخاصة وللعلماء.

فوائد الرسم العثماني

للرسم العثماني فوائد عديدة، ومنها:

1- حفظ المصاحف الكريمة عن مخالفة المصحف الإمام.

2- حمل الناس على أن يتلقوا القرآن الكريم من القراء والحفاظ.

3- الدلالة على القراءات المتنوعة في الكلمة الواحدة.

4- التنبيه على أصل الكلمة، وعلى بعض اللغات.

الشكل في القرآن الكريم

الشكل: هو ما يدل على عوارض الحرف من سكون، أو حركة، أو مد، أو شد، و غير ذلك سواء كان ذلك في أول أو وسط أو آخر الكلمة، ويكون ذلك بوضع علامات لتميز إعراب الكلمة أو بوضع النقاط، وسبب خلو المصاحف العثمانية من نقط الشكل هو:

1- اعتماداً على ما كان عليه العرب من حيث نطقهم للألفاظ مضبوطة ومشكلة، وذلك حسب فطرتهم العربية.

2- والمعول عليه في القرآن هو التلقي والرواية؛ ولأنه ليس لهم حاجة إلى الشكل.

وأول من وضع نقط الشكل هو أبو الأسود الدؤلي قاضي البصرة، وذلك بطلب من زياد بن عبيد الله والي البصرة في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي اله عنه؛ وذلك لتفشي اللحن وانتشاره بين الناس، وفي عهد الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق -آنذاك- أمر نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر، في عهد الخليفة عبدالملك بن مروان، خشية منهم على القرآن من التحريف أو التصحيف.

وفي النهاية فإن الرسم العثماني علم متخصص في بصور كلمات القرآن الكريم وأشكاله ونقاطه، وهو الذي ارتضاه الصحابي الجليل الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، إلى أن وصلت إلينا بهذا الشكل الذي هو عليه اليوم.